ربيع عربي ثان على الأبواب.. سوريا

2021.05.14 | 06:32 دمشق

سوريا
+A
حجم الخط
-A

قد يتفاجأ بعضهم من القول إن هناك "ربيعا ثانيا"، لربما بعضهم الآخر يربطه بكلام يوسف بن علوي (وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عمان 1997-2020) الذي أشار صراحة إلى الحاجة إلى ربيع عربي ثانٍ، فماذا عن سوريا؟

مضى أكثر من أربعة أعوام منذ إدخال القضية السورية إلى الثلاجة عن طريق ما سمي بمسار أستانا أو الأصح مسار روسيا، حيث خيّم على القضية السورية الجمود، والجمود فعليا هو شكل من أشكال الموت.

للخروج من هذه الحالة بات الوضع السوري بحاجة إلى التحريك والقلب، وهو شكل من أشكال الربيع، والقلب يبدأ بمحاسبة المتصدرين المشهد بالمرحلة الأولى لإزاحتهم  والسماح لمن خلفهم بالظهور، وتتم هذه الإزاحة بتحطيم الصورة التي بنوها عن أنفسهم خلال الربيع الأول.

ظهرت أسماء  الأخرس الآن بصورة حيدت "الأسد" بكثير من المشهد السوري، مع غياب كامل لـ ماهر الأسد

وهذا ما بدأ يتنفس إلى الإعلام، فمن ناحية النظام، نرى تحطيم صورة الأسد كرجل متحكم قوي، فقد ظهرت أسماء  الأخرس الآن بصورة حيدت "الأسد" بكثير من المشهد السوري، مع غياب كامل لـ ماهر الأسد، كما أن عائلة الأسد حدث داخلها  صراعات ضد بعضهم البعض لأجل تصدر أسماء الأسد وهذا ما أعطى إشارة أن زمنهم يأفل.

كذلك ظهور "الأسد" بالرعونة والفساد بعدما  كان سابقاً من المحرمات الكلام عنه، والذي سرب المعلومات عنه هم حلفاؤه والذين تداولوا الأخبار هم إعلام حلفائه، بل إن الأمر تجاوز إلى أن أجهزة استخباراته بدأت بفتح الملفات التي لديها بمزاد علني للبيع.

في جانب آخر نرى الضعف وسوء التخطيط، وهو ما حدث بمعالجة ملف "الإدارة الذاتية" وسعر الصرف والتعامل مع أزمة لبنان... إلخ.

وأما عن الانتخابات، وبعيداً عن مسرحية التنفيذ، فإنها تحمل في طياتها كسر لمقولة "الأسد أو لا أحد" التي على إثرها تم إحراق البلد بأهلها. لقد تم كسر المقولة من خلال هذا التنوع الكبير بالترشيح لأناس لا يملكون المؤهلات والخبرة، وهذه الأخيرة يمكن اعتبارها الضربة القاضية أو قبل القاضية، فالأسد لم يعد ذاك الإله الذي يخاف من الاقتراب منه، بل بات الشخصية الأكثر تندراً بها بين مواليه.

بما أن عالم المعارضة - نتيجة الموقف الدولي - هو عالم افتراضي، فبدأت تُقام محاكم للمعارضين تنعكس على نظرة الجمهور لهم

وأما في جانب المعارضة، فقد بدأ المشهد هو الآخر بالتغير، وبما أن عالم المعارضة - نتيجة الموقف الدولي وتشابكه منهم - هو عالم افتراضي، فبدأت تقام محاكم للمعارضين تنعكس على نظرة الجمهور لهم، فلم يعد هناك شخص يخاف من زعله بسبب علاقاته الدولية، بل الجمهور بدا يملك سلاحين من نار وجليد، متضادين، لكن موجعين، هم اللامبالات أو الإهمال والآخر المحاكمة الكبيرة بالعالم الافتراضي هنا وهناك، حيث لم تعد تصريحات المعارضة الداخلية لها أي أهمية، ولم تعد أخبار الائتلاف وفسادهم يثير حتى التساؤل "الفيسبوكي"، بل تم تقزيمه على أنها مؤسسة ليست سورية.

كما أن محاكم الآخرين بدأت تقام لتغيبهم عن المشهد قسرياً أو على الأقل حرف مسار أولئك ومن يتبعهم، فمحاكمة بسمة القضماني لم تكن أكثر من حرق لوجودها وإبعادها، وهي التي بذلت كثيرا لتبرير موقفها، لكن تم تجاوز بسمة فلم تعد ذاتها قبل المحاكمة كما بعدها (هنا لا أناقش سلوكها إنما نناقش الأثر)، وريم التركماني التي لم يكن أحد يجرؤ على انتقادها وانتقاد مكتب الغوطة للتوثيق والذي كان مصب أموال ضخمة لدعمه على أساس أنهم ورثة رزان!، باتت الآن تقيّم بقوة وهي تتصرف بعصبية ليُدل على مقاومتها للتغير، لم يتوقف الأمر على ريم ولا على مكتب التوثيق بدوما، بل بات يتجاوزه بشكل يومي لجمهور المعارضة الذي لم يعد تعنيه مسرحيات المعارضة بكل هياكلها ولجانها الدستورية والأهلية المرتبطة بها.

لقد وصلت القضية السوريّة إلى نقطة شعر فيها المجتمع الدولي أن الجمود يقود للاشتعال بسبب تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وعدم وجود أفق حل إلى ربيع ثان، وهو ما دفع المجتمع الدولي للقيام بعملية ترتيب أوراقه بالتزامن مع حراك الشارع لإعادة ترتيب كيانه من جديد تحضيراً لهذا الربيع في سباق فيما بينهم لاحتواء بعضهم.

إن هذه التسريبات ليست وليدة الصدفة أو عبثية الموقف إنما هي جزء من التحضير لانطلاقة الربيع.