رامي وبشار.. لا ترميم لما انكسر؟!

2020.05.11 | 00:02 دمشق

ramy-mkhlwf-thayr-alfydyw.-trf-ly-asl-alqst-wsbb-alqtyt-m-mahr-wbshar-alasd-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع انطلاق الربيع العربي، اعتبر نظام الأسد نفسه محصناً تجاه أي تغيير؛ وأتى ذلك على لسان الأسد نهاية 2010 في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جيرانال"، حيث قال: "هكذا أمور لن تحدث في سوريا". عملياً، حدثت؛ ولم يكن النظام مستعداً لها؛ ولكنه لملم نفسه؛ وصمد، مستعيناً بالتوحش والإرهاب وإيران وروسيا. وها نحن الآن، ندخل مرحلة جديدة وحاسمة تتمثل بقيام منظومة الاستبداد- مع استشعارها بأنها ستُقتَلَع- بتصفية بعضها البعض لحظة مواجهتها قدرها المحتوم. وها هو خلافها الحالي يعكس طبيعتها الوضيعة؛ إنه خلافٌ على المال المنهوب والمعَفَّش، وليس خلافاً حول القِيَم الأخلاقية المفترض أن تتحلى بها حاشية الحكم.

خرج علينا زعيم أساطين المال الحرام "رامي مخلوف" بإطلالتين مرئيتين بدا فيهما مهزوماً ليعلن انتقال كيس المال من كتف إلى كتف؛ مستخدماً مفردات تشي بكثير من الإدانة القانونية الجنائية الصريحة لقائلها وشركائه (كقوله إنه كان يمول الأجهزة الأمنية المُغرِقةِ إجراماً بحق الشعب السوري)، وتعطي دلالات نفسية فصامية عن الحالة التي وصل إليها، لاسيما عندما يستجير بالمولى عز وجل للمساعدة (ولكنه لا يعترف لله بما اقترفت يداه من ذنب بحق فقراء وطنه)، ويطلب من شريكه في الإثم تحقيق معايير العدالة والإنصاف؛ فأتت كلماته المتهدجة صريحة تُنبئُ بأن العقد الشيطاني بين أفراد العصابة الحاكمة قد بدأ بالانفراط.

إن صفة "العقوق" مألوفة جداً في سلوك منظومة الاستبداد؛ و"جزاء سنمار"- الذي لم يحصد سوى الخذلان والفناء إكراماً لتفانيه الصادق في خدمة سيده- هو النهج. فلن يشفع لرامي مخلوف مناشدته واستجداؤه لسيده، وتذكيره بأنه من "عظام الرقبة"، تماماً كما لم ينفع من خدم النظام أي مناشدة أو استجداء، فانتحروا ببضع رصاصات أو بطريقهم إلى ذلك المصير.

يثير هذا المشهد السؤال الأهم والأكبر عن مغزى تَكُشُف مشكلة "مخلوف" في صيغتها وتوقيتها الحاليين: إنه عامل التدخلات الخارجية وأهمها الروسية، حيث أدرك زعيم الكرملين أن أعمدة السلطة السورية بدأت تتداعى، لاسيما بعد الإدانة الموثقة للنظام باستخدام الأسلحة الكيماوية، واقتراب دخول قانون قيصر "القاصم" حيز التنفيذ؛ إضافة إلى معاناة طائفة النظام والسوريين عامة من الجوع والفاقة؛ حيث أضحى كثيرون يقارنون واقعهم الحالي المزري مع الفترة التي مرّ بها أجدادهم زمن المجاعة الكبرى المسماة "سفر برلك" في عشرينيات القرن الماضي؛ وبدؤوا أيضاً يطرحون أسئلة جادة عن جدوى الحرب العبثية، التي أدخلتهم بها الطغمة الحاكمة ضد إخوتهم في الوطن.

ثمة فرضية أخرى تفيد بأن بوتين، منذ تدخله المباشر في سوريا عام 2015، كان حريصاً على تثبيت دعائم نظام الأسد؛ وبالتالي فإن بوتين يستخدم مهاراته في إقناع العالم بجدوى استمرار بشار في الحكم، لأنه الوحيد القادر على استئصال رموز الفساد الاقتصادي في سوريا؛ ويدلل على ذلك بأن ما حصل بين رامي مخلوف وبشار الأسد هو مؤشر قوي على حزم الأخير في مكافحة أساطين الفساد بغض النظر عن قربهم منه. وهكذا سيبدو بشار بمثابة المخلص “Messiah” الذي يرغب بوتين في تسويقه أمام العالم الغربي الرافض لاستمراره في حكم سوريا المسقبل.

ولخيبة أمل الأسد وبوتين أيضاً، يبدو أن الاعتراف الصريح الذي أدلى به رامي مخلوف بقوله (حدا بيسرق حاله) قد جعلت المسرحية والحيلة تفتقران إلى المصداقية أمام العالم الخارجي، أو حتى أمام مؤيدي بشار الذين يسبغون عليه صفة القداسة. لقد أسقط هذا الاعتراف الصريح ورقة التوت عن عورة النظام أمام مواليه، الذين لم يكونوا يحاولون أن يصدقوا، حتى الأسبوع الماضي، أن بشار "المتسامي المتعالي وسند الأمه" بنظرهم هو شريك في الإثم مع "رامي" ابن خاله، الذي كان يحلل اقتراف الكبائر.

للحقيقة أن الصغير والكبير بين أفراد الموالاة كانوا يعرفون أن رامي مخلوف هو "خازن بيت مال " بشار؛ ولكنهم كانوا يرفضون فكرة تأثيم الأخير، أما الآن فقد أصبحوا يقرون علانيةً أن رامي مخلوف وبشار هما وجهان لعملةٍ واحدة؛ وأن الخلاف بين الإثنين ناجم عن سعي بشار، بتحريض من زوجته، للاستحواذ على الأموال المسروقة من قبل رامي وبمباركته كرئيس للجمهورية شخصياً. ولعل السؤال الكبير الذي تطرحه الموالاة تعبيراً عن الريبة (والصدمة بآن واحد) التي تعتري نفوسها هو عن مغزى توقيت مطالبة بشار من شريكه رامي لتسديد قيمة الضرائب، حيث يتساءل هؤلاء: ألم يكن بشار يعلم خلال السنوات العشرين السابقة أن شريكه رامي يتهرب ضريبياً؟

لقد غدت حقيقة العلاقة التشاركية بين رامي وبشار في نهب أموال الشعب السوري لا تنطلي على كل من حاول إغلاق عينه عن الحقيقة؛ وأن الموالاة تعلم أن "حاميها هو حراميها"؛ وأن رأس النظام لم يفعل شيئاً سوى أنه استبدل جوقة شركائه القدامى (آل مخلوف) بأقرباء زوجته (آل الأخرس)، ويدللون على ذلك بحديثه الأخير الذي تصاغر فيه إلى دور "مرّوج إعلامي" لمزايا "البطاقة الذكية"، التي هي في الحقيقة مُنتَج لشركةٍ يديرها حوت المال الصاعد المدعو "مهند الدباغ" ابن خالة زوجة بشار. أما الحديث عن توسط "للملمة" الأمور، فلن يكون إلا بمثابة مهدئ لمرض عُضال؛ فما انكسر يصعُب ترميمه.

مما لا شك فيه بأن الوعي المستجد لأبناء طائفة النظام على حقيقة رأس النظام سيساهم في تقويض نظرة الألوهية التي كان يحتلها في العقل الجمعي الباطني بين أتباعه. وستساهم هذه النتيجة في تقويض مهمة بوتين أيضاً لتلميع صورة بشار خارجياً للمصافقة به مع الغرب مقابل حل مشكلات روسيا المتفاقمة؛ ولكن ربَّ ضارة نافعة؛ فقد تساعد هذه المسرحية بوتين في مهمة التخلص من العقبة الكأداء، والذي تفيد المعطيات أنه ليس ببعيد. وفي هذا السياق تأتي تهديدات خالد عبود لبوتين- وحتما بمباركة العقبة إياها- لتحرق المراكب لاستشعارها الخطر الحقيقي، ولتقول للروس: "اقتلاعنا يعني مواجهة مع إيران الحامي الأساس، ومع داعش في البيداء السورية. في المحصلة؛ لقد اقتربت المصافقة.

كلمات مفتاحية