رابعة الزيات تحيي مشروع سياحة الأنقاض

2020.08.28 | 00:24 دمشق

438.jpg
+A
حجم الخط
-A

نزلت الإعلامية الممانعة رابعة الزيات إلى ساحة الانفجار الذي أودى بمرفأ العاصمة ومجموعة من أبرز أحيائها بكامل ممانعتها. شهرت في وجوهنا فستانا يضم صورة لبيروت بعد الانفجار، معلنة أنه برسم البيع في مزاد يعود ريعه للضحايا، وقد اشترت السيدة فوزية الخرافي الفستان بمبلغ 125 مليون ليرة لبنانية.

لم يتلق الجمهور اللبناني تلك الفعلة بالمعنى نفسه الذي شاءت أن تضفيه عليها، بل اعتبرها استعراضا فوق دماء الضحايا، واستثمارا للمأساة الكبيرة التي لم تختتم فصولها بعد مع وجود عشرات المفقودين.

ردت الزيات على الانتقادات التي طالتها بفيديو شعري تمثيلي حمل عنوان "أنا بيروت"، صر بين أنقاض الشوارع المدمرة، تلعب فيه دور المدينة الجريحة، كما اعتبرت أنها تتعرض لمحاولة اغتيال معنوي.

من الصعب أن يفهم المرء القيمة المضافة التي يمكن أن تمنحها الزيات لفستان ترتديه، فهي ليست سوى إعلامية محلية محدودة الجمهوروالتأثير، ولكنها من خلال هذه المشهدية شاءت أن تتخذ من الأنقاض رافعة لخلق شهرة غير موجودة لتقول من خلالها إنها تستطيع أن تمنح الفستان الذي ترتديه قيمة أيقونية لا تقدر بثمن.

لم يتلق الجمهور اللبناني تلك الفعلة بالمعنى نفسه الذي شاءت أن تضفيه عليها، بل اعتبرها استعراضا فوق دماء الضحايا

حاولت إعلامية تلفزيون الجديد إقناعنا بأنها نجمة عالمية، ولكن الثمن الذي بيع فيه الفستان فعلا يقول إن تلك الشهرة التي حصلتها رابعة حاليا قامت على الاستنكار للفعلة وليس على تمجيدها وشكرها، وتالياً فإنها لم تمكنها من رفع قيمة فستانها ليصبح موازيا لأي غرض يعود لنجم حقيقي.

استعملت الشعر في لحظة الكارثة الواضحة المعالم بشكل لا يؤدي سوى إلى تجهيل الفاعلين، ومنحهم صك براءة، وخلق دائرة من الالتباس والغموض، وفرض النظر إلى الكارثة كحالة ذوق ومزاج ورأي،وإدخالها في دوامة التلقي والتلقي المضاد، ومنعها من أن تتخذ صيغة دلالية واضحة وتامة ومنجزة، لا يمكن أن يطالها تعدد الآراء أو اختلاف الأمزجة.

عندما تقول رابعة الزيات الممانعة "أنا بيروت" في فيديو كليبها فإنها قبل كل شيء تصادر حق أبناء المدينة في النطق باسم مدينتهم وتمنعهم من التعبير عن مأساتهم، لا بل تكاد العملية تكون أشبه بعملية شماتة وتنكيل منظمة، لأن الصورة التي يمكن أن تستحضرها إعلامية ممانعة لا ترتبط بالمدينة إلا في حالة الخراب، فهل من الممكن أن تخرج من تحت عباءة الممانعة صورة مغايرة لصورة المدينة المنكوبة؟

ما ترينا إياه الزيات في ردها الشعري على منتقديها هي صورة الراعي الرسمي لدمار بيروت أي السيد حسن نصر الله، ولكن تلك الصورة حين تخرج علينا محاطة بهالات الثقافة والشعر تصبح استكمالا لمسار طويل من تجميل الأنقاض، بدأه الحزب الإلهي إثر حرب تموز 2006 وراح يستكمله وصولا إلى لحظة تفجير المرفأ.

يجدر التذكير أن المؤتمر التأسيسي لما يمكن أن نسميه سياحة الأنقاض بدأ مع فوز صورة التقطها المصور الأميركي سبنسر بلات لسيارة حمراء مكشوفة فيها مجموعة من الشباب يتفرجون على أنقاض الضاحية إثر انتهاء حرب تموز.

رسّختْ تلك الصورة البلدَ بوصفه الوجهة العالمية الأمثل لسياحة الأنقاض، ومنذ تلك اللحظة لم يكف الحزب ومنظومة الممانعة من دفعه إلى الإقامة الجبرية الدائمة في حالة الأنقاض ومعناها، وتوسيعها لتشمل كل ما يمكن أن ينتجه في كل المجالات.

تستأنف فعلة رابعة الزيات هذا السياق وتستكمله، فهي كانت الإعلامية اللبنانية التي استدعيت لتقديم برنامج في قناة "لنا بلاس" التابعة لرجل الإعلام الأسدي سامر فوز وقد صورت إحدى حلقاته وسط دمار مدينة حلب.

إنها إعلامية الأنقاض إذن من دون أدنى شك، وما تفعله الآن لا يمكن أن يكون مفصولا عن المنطق الذي نظر إلى الانفجار بوصفه فرصة لتمكين السلطة القائمة حاليا وإعادة إنتاجها.

يقتضي ذلك أن يكون الانفجار بمثابة الحدث الذي لم يحدث على الإطلاق، فالسلطة لم توفر جهدا في سبيل تحويله إلى فعل بدون فاعلين،أو محاولة تحميل المسؤولية لمن لا يملكون سلطة فعلية أو قدرة على التحكم الفعلي بالأمور.

رابعة الزيات ليست جنديا مجهولا في معركة السلطة والممانعة ضد أهل المدينة وضد البلد عموما. ليس من قبيل المصادفة أن يكون خطابها الذي تدّعي فيه أنها تتعرض لاغتيال معنوي هو الخطاب نفسه، الذي يستعمله أقطاب السلطة حاليا لحرف الأنظار عن مسؤوليتهم التامة والنهائية عن الانفجار.