رئيس بين الشوطين!!

2020.03.31 | 18:56 دمشق

2020-03-31t100341z_1976555813_rc2yuf9rj6hc_rtrmadp_3_syria-khaddam_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

مات الرجل مع حلمه!  المحامي الشاب اللامع، الذي كان مقصدا لبانياس وريفها لحل خلافاتهم العقارية وغير العقارية، هجر مهنة المحاماة باكراً ليلتحق بركب السياسة، خاصة وأنه تتلمذ من أول مراهقته ليكون فاعلا ضمن صفوف حزب البعث مؤمنا بأهم مبادئه وهو: حركة انقلابية!!

عبد الحليم خدام (1932-2020) تغلغل باكراً في النخبة الحاكمة وسرعان ما أصبح محافظا للقنيطرة 1966، ولسوء حظه وربما لحسن حظه سقطت القنيطرة، وساهم في إذاعة سقوطها إذاعيا لكونه محافظ الجولان قبل سقوطها عسكرياً بالتوازي مع بيان وزير الدفاع حينها حافظ الأسد، ومن هنا سيرتبط مصير الرجلين حتى موتهما..

تولى خدام بعد القنيطرة منصب محافظ حماة ثم لفترة وجيزة محافظا لدمشق.. قبل أن يتسلق سلم المجد ويصبح وزيرا للاقتصاد... مع مجيء حافظ الأسد للسلطة إثر انقلابه على أصدقاء الأمس 1970 أسند الأسد له حقيبة الخارجية واستمر فيها حتى عام 1984.. تعرض خلال عمله في الخارجية لمحاولتي اغتيال واحدة قرب بلودان وأخرى في الإمارات 1977 والمحاولة الأولى اتُهمت بها جماعة الطليعة المقاتلة (المنشقة عن الإخوان المسلمين) وأصيبت فيها زوجته نجاة مرقبي خدام، وفي المحاولة الثانية جنحت الرصاصة وأصابت وزيرا إماراتيا.

مع منصب نائب الرئيس انبثق حلم خدام بأن يكون الرئيس يوماً ما...!! وهو بهذا يتفارق مع مواطنه مصطفى طلاس الذي اكتفى بما وصل اليه كوزير أبدي للدفاع وبما جناه من ثروة.

مع الصراع على السلطة الذي شهدته سوريا عام 1983 -1984 حين كان الأسد في المشفى مهددا بالموت بمرض السرطان وبُعيد إبعاد رفعت الأسد الطامع في سلطة أخيه، تم تعيين خدام نائباً للرئيس مع نائبين شكليين آخرين هما زهير مشارقة ورفعت الأسد.. كتسوية توصلوا إليها بمساعدة السوفييت حينها ...!

مع منصب نائب الرئيس انبثق حلم خدام بأن يكون الرئيس يوماً ما...!! وهو بهذا يتفارق مع مواطنه مصطفى طلاس الذي اكتفى بما وصل اليه كوزير أبدي للدفاع وبما جناه من ثروة.

كبر الحلم في رأس خدام خاصة مع تمكن المرض من الأسد وسيره الحثيث نحو موت محتم.. هذا الموت الذي تباطأ في سيره 16 عاماً ونجح (الموت) أخيراً وبصعوبة متناهية في اقتلاع الرئيس الأبدي في شهر حزيران من عام 2000.

ظن خدام أن الفرصة حانت ليكون رئيساً لسوريا خلفاً لولي نعمته، وخدام الراكض خلف حلمه كان ساذجا لدرجة أنه لم يتعمق في فهم عقلية معلمه الراحل، حيث كان كل شيء معداً سابقاً ويحتاج فقط لإخراج بسيط بصيغة قانونية ودستورية مزيفة.. ولسخرية القدر كان خدام هو المخرج الموصى به لإدارة هذه الملهاة.

بحكم الدستور الذي تم إنزاله عن الرف مؤقتاً تسلم خدام رئاسة الجمهورية بأمر من العائلة المالكة المدججة بالجيش وأجهزة الأمن...، وكانت مهمته فقط إصدار مرسومين: الأول ترفيع بشار الأسد إلى رتبة فريق والثاني تعيين بشار الأسد قائداً للجيش والقوات الأسلحة، وبعض القرارات تتعلق بالانتخابات والإجراءات الأخرى.

 خدام رئيساً لسبعة وثلاثين يوماً: إنه رئيس بين الشوطين أو قل في الوقت المستقطع، ضحك الحلم لخدام بسخرية مرة وأصبح رئيساً بإدارة المخابرات يقول ما ترتئيه!!

تلاشى حلم خدام وعاد لقواعده سالماً كنائب للرئيس، لكن لم يستطع خدام ابتلاع هزيمته المرة وحلم حياته، فرضخ مجبراً لرئيسه الشاب حوالي خمس سنوات، كان خلالها متقاعدا مع وقف التنفيذ. فغاب عن المشهد السياسي مكتفيا بطلات شبيهة بأدوار الكومبارس بين الفينة والأخرى.

مع اغتيال رفيق الحريري (شباط 2005) تراءى لخدام أن الفرصة مؤاتية لعودته إلى حلبة السياسة لكن من باب آخر (المعارضة).

فبُعيد اغتيال الحريري أنهى خدام بهدوء أموره مادياً وسياسياً في سوريا وسافر إلى باريس معلنا انشقاقه المدوي، فتهافتت عليه وسائل الإعلام التي كرر من خلالها اتهام النظام باغتيال الحريري.

تتالت الأشهر وعاد النظام ليقف بعد ترنحه من حدث الحريري المدوي وخروجه من لبنان على عجل. فذوى حلم خدام من جديد، وكل جهوده ليعود رئيساً بدعم القوى الكبرى ذهبت سدى!

فأسس جبهة الخلاص مع الإخوان المسلمين 2006، فأعداء الأمس للبعثي القيادي أصبحوا أصدقاء علّ الحلم يضحك لخدام مجدداً على أيدي الإخوان!

وتتالت السنون وخاب من جديد حلم خدام المخاتل.. واكتفى بالتأمل والكتابة في منفاه الباريسي كناسك خاب ظنه بلحظة يأس.

فأدلى خدام بدلوه بالثورة وأصبح يحلل الأحداث كخبير في زواريب السلطة. كابن سابق هجرها لحظة طيش.

ويأبى الحلم إلا أن يتلاعب بأعصاب خدام ويذيقه لوعة الانتظار. تنتطلق المظاهرات والاحتجاجات الأولى في شهر آذار عام 2011 في سوريا فتحيى آمال خدام بالرئاسة الشبيهة بامرأة لعوب تغوي الناظر وتغلق الباب دون المشتهى!

فأدلى خدام بدلوه بالثورة وأصبح يحلل الأحداث كخبير في زواريب السلطة. كابن سابق هجرها لحظة طيش. لكن المنتفضين الذاهبين بحلمهم بعيداً استمعوا إليه بمتعة من يستمع لجده وهو يروي حكايات فحولته مع نساء غابرات.

وبهذا كان خدام يعيش لحظات مرارته الأخيرة.. ويسارع نحو نهايته المحتمة، فلا الثورة استمعت له ولا النظام سقط وجيء به كمنقذ انتقالي لبلد محطم عمرانيا وبشريا اسمه (سورية الأسد)!!