ذكرى نكبة حزيران.. الفلسطينيون أمام خطة الضمّ الإسرائيلية

2020.06.13 | 00:00 دمشق

ywm-alqds-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

أحيا الفلسطينيون الذكرى الـ 53 لنكبة حزيران 1967 على وقع الاستعداد الإسرائيلي لتنفيذ خطة ضمّ غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، كذلك على وقع انقسامهم السياسي والجغرافي، وفشل خياراتهم المتبعة منذ ثلاثة عقود تقريباً، وعجز قياداتهم عن بلورة خيارات بديلة مناسبة لإزالة آثار نكبة حزيران، بل النكبات الممتدة طوال العقود السبعة الماضية رغم الصمود الأسطوري والتضحيات الهائلة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على حد سواء.

بداية يجب التأكيد على أن معركة 5 حزيران 1967 كانت نكبة كاملة الأوصاف فأن تهزم إسرائيل ثلاثة جيوش عربية في ست ساعات لا ستة أيام، وتحتل كامل فلسطين بما فيها مدينة القدس بكل ما تحمله من معاني ودلالات دينية وتاريخية، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء المترامية الأطراف وهضبة الجولان الاستراتيجية. فتلك نكبة لا يمكن الجدال فيها وتسمية نكسة كانت متعمدة وعن سبق إصرار لأن من تسببوا فيها وصلوا إلى السلطة أساساً عبر انقلابات عسكرية، وأسّسوا أنظمة قهر واستبداد أحادية بحجة إزالة آثار النكبة الأولى – أيار/ مايو 1948 - لكنهم تسببوا بعد عقدين بنكبة ثانية سمّوها نكسة كي لا يدفعوا الثمن وتتم مطالبتهم بالرحيل.

المستبدون لم يستخلصوا العبر السياسية والشخصية من نكبة حزيران حتى إن حافظ الأسد قام بترقية نفسه من وزير دفاع إلى رئيس جمهورية في سوريا، بينما المسؤول المركزي عنها جمال عبد الناصر قدم استقالة شكلية ثم تراجع عنها مفسحاً المجال أمام تكاثر وتمدد الانقلابات من مصر وسوريا والعراق إلى ليبيا التي كانت ملكية دستورية، والسودان الذي كان ديمقراطيا موصوفا، ما أدى مع الوقت إلى تفريخ النكبات متعددة الأبعاد والمستويات قطرياً وقومياً.  

النكبة لم تقتصر على ما جرى في الميدان والهرب من استنتاجاتها والعجز عن إزالة آثارها الممتدة، وإنما بالإقرار بنتائجها وتداعياتها عبر قبول قرار 242 الصادر عن مجلس الأمن - ثم مشروع وزير الخارجية الأميركي وليم روجرز المستند إليه - الذي قزّم واختصر فلسطين إلى الضفة وغزة ووضع أسس ما بات يعرف بحل الدولتين أي أن المحامين الفاشلين لم يتغيروا، وإنما غيروا القضية وبدل المطالبة بفلسطين التاريخية من الماء إلى الماء أصبحنا نطالب بدولة ضمن حدود نكبة حزيران عبر التفاوض المباشر أو غير المباشر، وضمنياً جرى الإقرار بوجود إسرائيل ما نسف عملياً لاءات قمة السودان "الديمقراطي" الثلاث لا تفاوض لا صلح لا اعتراف والتي كانت بقعة الضوء الوحيد في المشهد آنذاك.

بعد نكبة حزيران أخذ الفلسطينيون زمام أمورهم بأيديهم عبر سيطرة فصائل الكفاح المسلح على منظمة التحرير ثم اعتراف العالم العربي بها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني - الرباط 1974 - المنظمة رغم إنجازتها والتضحيات الهائلة التي قدمت من خلالها، فإنها كانت استنساخا ملطفا وناعما لمنظومة الاستبداد والفساد العربية، بينما مثلت السلطة الفلسطينية استنساخا فظّا وخشنا لها، لذلك لم يكن من المفاجىء أبداً أن تصل المنظمة - والسلطة إلى نفس النتائج الفاشلة والكارثية التي وصلت إليها منظومات الاستبداد العربية وطنياً وقومياً.

الفلسطينيون أحيوا ذكرى نكبة حزيران هذا العام على وقع استعدادات إسرائيل لتنفيذ خطة ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية – بما يعادل ثلثها تقريباً - التي تمضي على قدم وساق وتبدو الخطة وكأنها مسألة داخلية والحسم فيها منوط بالساحة الحزبية والسياسية الإسرائيلية، رغم آثارها الهائلة والاستراتيجية على قضية الحقوق الفلسطينية، وحلّ الدولتين نفسه الذي قبل به العرب أولاً ثم الفلسطينيون بعد ذلك.

ذكرى نكبة حزيران كان شاهدة هذا العام أيضاً على فشل الخيارات الفلسطينية المتبعة منذ ثلاثة عقود تقريباً أي المفاوضات والعسكرة، كما كانت شاهدة على عجز القيادات المنقسمة عن التوافق على خيارات وطنية بديلة أكثر نجاعة، رغم استعداد الشعب الفلسطيني الدائم للتضحية من أجل نيل حقوقه وتحقيق آماله الوطنية المشروعة.

بالتزامن مع ذكرى النكبة قرر الرئيس محمود عباس التحلل من اتفاقات أوسلو وما انبثق عنها سياسياً وأمنياً واقتصادياً. قرار التحلل وليس الإلغاء يحمل في طياته إقراراً ضمنياً بفشل خيار التسوية الذي تبناه أبو مازن خلال العقود الثلاثة دون امتلاك الشجاعة للإعلان عن ذلك رسمياً وتحمل المسؤولية السياسية والشخصية عن الفشل والواقع المأساوي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية.

خطة الضمّ الإسرائيلية المتزامنة مع ذكرى نكبة حزيران تؤكد في السياق أيضاً فشل خيار العسكرة المتبع منذ عقدين تقريباً أي منذ الانتفاضة الثانية، العسكرة التى تجلت بشكل أساسي في قطاع غزة عبر تحويل المقاومة إلى ما يشبه الجيش، وخوض حروب شبه تقليدية مع إسرائيل سمحت لهذه الأخيرة بتدمير القطاع وإعادته عقودا إلى الوراء. ومعلوم طبعاً أن العسكرة فشلت في تحريره لكونه ما زال محتلاً، ولو بشكل غير مباشر مع سيطرة إسرائيل على حدوده وأجوائه ومياهه، كما فشلت في رفع الحصار عنه أو عرقلة الخطوات الإسرائيلية التهويدية والاستيطانية في فلسطين عموماً بما فيها خطة الضمّ نفسها.

لا شك أن التحلل من الاتفاقيات خطوة مطلوبة ومهمة، ولكن الأهم التحلل من الذهنية التي أدت إليها، وفي المقابل مهم أيضاً التحلل من ذهنية العسكرة لا المقاومة في غزة، وإنهاء الانقسام والذهاب إلى انتخابات  تفرز قيادة شابة وديمقراطية تقطع مع التسوية والعسكرة، كما مع ذهنية الاستبداد والفساد التي حكمت فلسطينياً وعربياً لعقود، وبما أن خطة الضمّ تهدف إلى إقامة نظام فصل عنصري "أبارتهايد" إسرائيلي صريح على غرار النموذج الجنوب الأفريقي، فالردّ عليه يكون بالضرورة بمقاومة شعبية سلمية متعددة المستويات والأبعاد مع ضرورة التخلي أيضاً عن فكرة أننا كفلسطينيين قادرون وحدنا على تحرير وطننا لأن مصيرنا ارتبط دوماً بمصير الحواضر العربية الإسلامية الكبرى، وتاريخياً منذ غزوات التتار والصليبيين إلى الغزوة الصهيونية لا يمكن صدّ الغزاة وتحقيق الانتصار في فلسطين إلا بعد تحرير واسترداد حواضرنا المحتلة والمختطفة في دمشق وبغداد وحلب والموصل والقاهرة.   

كلمات مفتاحية