ذات الحبل.. سذاجة الصورة الزائفة

2022.04.24 | 06:47 دمشق

alarjwht.jpg
+A
حجم الخط
-A

لو شئتم صدقوه فالصور التي لم تلق تفاعلاً كبيراً تشي بقصص غاضبة في قلوب حتى أعتى المؤيدين الذين يهمسون بين أضلعهم إنها الأكذوبة الكبرى التي نالت منا أكثر مما نالت من خصومنا، وربما أراد مخططو زيارة الرئيس وحرمه إلى دار الأمان للأيتام في دمشق أن يذكروا السوريين (المؤيدين تحديداً) بأن لهم قائداً يرعى مصالحهم، وإن كانت في أدنى ما يرضاه الموعودون بتفاح النصر ولحمه وعسله.. ولكن؟

صحيفة محلية نشرت فوق الصورة عنواناً حمّالَ أوجه (صورة أكثر فصاحة من آلاف الكتب).. وهي كذلك الصورة التي لا يمكن إلا أن تقصي كل أشعار التغزل بعيون الرئيس وبطولاته، وأهم كل ما رددته الأبواق في تعداد مناقب سيدة الياسمين.. فها هما يمسكان بطرفي الحبل الذي تقفز فوقه وتحته طفلة يتيمة، أو ليست تعني فيما تعنيه أن هذين هما من صنعا كل هذه القتامة التي تنتظر الأجيال التي لا تعي الآن في أيدي من تقفز.. وفي يدي من يُصنع المصير المجهول.

الأسى لم تصنعه سنوات الحرب العشر الأخيرة فالموت بدأ من عبارة كاذبة مخادعة: (غنوا مع الأطفال والعبوا معهم)

ينشر صحفي معارض مستذكراً سيرة الحبل.. ذات الحبل الصالح لكل الأدوار القاتلة: (ذاته الحبل الذي يلعبان به مع الطفلة اليتيمة جلدا به ظهر أبيها حتى سلخا لحمه عن عظمه.. الحبل ذاته سحباه ليطلق قذيفة المدفع الذي قتل أمها وإخوتها).

أما الواقع فهو ليس وليد اليوم، والأسى لم تصنعه سنوات الحرب العشر الأخيرة فالموت بدأ من عبارة كاذبة مخادعة: (غنوا مع الأطفال والعبوا معهم)، وكانت توجيهاً كبيراً لصناعة ما يسمى منظمة الطلائع التي يرأسها عجوز منافق اسمه أحمد أبو موسى، ومعه ثلة من عجائز البعث الذين ارتدوا (الفولار وجوزة علم البعث)، وقادوا جيلاً بأكمله إلى الضياع والميوعة، وبهم صارت المدارس معسكرات مغلقة تزينها الشعارات المخادعة، ومعسكرات صيفية للوصول إلى المنظمة الأكبر (شبيبة الثورة) التي ستوصلهم ليكونوا بعثيين يرون البلاد مزرعة صغيرة يملكها القائد، ويرون أنفسهم مجرد دجاج يسبح باسم الديك الكبير.

مع بداية الحرب على السوريين أثمرت تلك التربية الشائنة، وبات قطيع البعثيين هو خط الدفاع الأول عن التسلط، وسقطت شعارات الحرية والاشتراكية، ورفعت العصي وهوت على أجساد السوريين في الشوارع والسجون، وفيما كان للمسؤولين أدوار مختلفة في دفع موظفيهم إلى القتل أليسوا من استفادوا من ولائهم وهتافاتهم فقد حان وقت الدفاع عنها، وتحولت المؤسسات إلى سجون ومعتقلات مؤقتة وخير مثال اتحاد العمال ومكاتبه وممثلو العمال من السفلة والضباع.

الصورة لا تكتمل بالحبل وحده.. ثمة صور لا تفقدها الذاكرة ولا تسقطها الأكذوبة.. فقط كيلومترات قليلة حيث تقع غوطتا دمشق شرقاً وغرباً حيث ترتجف أجساد الأطفال حتى اللحظة وهي تصارع خروج الروح البريئة اختناقاً بالغاز، وهناك في أقصى الشمال ثمة أرواح انتفضت من الدخان الأصفر.

في قلب الشام ثمة من ينام جائعاً ومرتجفاً من البرد، ومشردون في شوارع مدينة الياسمين تبتلعهم عصابات اللصوصية والمخدرات

أطفال الخيام في لبنان والشمال والزعتري، ومخيمات الصحراء، وصور لحفاة تحت المطر والثلج، وأرواح صغيرة لم تعرف مدرسة أو كتاباً، وأخرى نسيت طعم الحلوى والشوكولا، وغرقى في البحار التي حملتهم باتجاه النجاة فصاروا طعاماً للأسماك والملح.

خارج الكادر للضحكات المجنونة، والألعاب المزيفة وفبركة القلات ولمس الرؤوس الصغيرة، وفي قلب الشام ثمة من ينام جائعاً ومرتجفاً من البرد، ومشردون في شوارع مدينة الياسمين تبتلعهم عصابات اللصوصية والمخدرات، وحدائق الممنوعات، ومتسولون يرون ولا يأكلون، وأما ليل الشام فهو للعتمة ومن لا بيت له ولا أب.

أما اليتامى الذين يبتسمون لكاميرا التزييف فهم إما أبناء من غرر بهم أو الضحايا، وأما الصورة فلا تصنع تاريخاً لائقاً لمن أرادها وثيقة فنكأت جراح الجميع وصرخت في وجوههم كافة: أنتم خارج الإطار وإن شئتم لا تصدقوا.