دور أميركي جديد في سوريا

2021.03.08 | 09:41 دمشق

zhrt-byl-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لتأكيد الاستقراءات التي دارت حول سياسة واشنطن في سوريا قبيل تشكيل الفريق الجديد لإدارة السياسة الخارجية الأميركية.

لعل التعيينات في فريق السياسة الخارجية التي ذكرتها مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، يوم السبت، تُبيّن كيف سيدار الملف السوري خلال الفترة المقبلة، والتي تتلاقى مع الملامح التي ذهبت إليها بعض التحليلات كان من بينها ما أشار إليه السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، والذي كان قد توقّع قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ أن تكون إدارة بايدن الحامية لكيان كردي صغير، مستقل اقتصاديا بالمقام الأول، ويكون هذا الدعم عبر تحقيق استقلال اقتصادي ودعم اقتصادي واستقرار أمني، والضغط باتجاه إشراك "الإدارة الذاتية" الكردية هناك في شمال شرقي البلاد في وضع دستور سوريا الجديد.

التعيينات الجديدة التي أعلنت عنها المجلة الأميركية، تؤكد علاقات ثقة أكبر بالأكراد واستثمار نفوذهم المدعوم من واشنطن لمنحهم دوراً أكبر بمقابل تعاطي أميركي أقل ليونة مع الجانبين الروسي والتركي، عن ذلك التعاطي الذي ظهرت به إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

يأتي تعيين زهرة بيل المقربة من أكراد "الإدارة الذاتية" مديرة لملفي سوريا والعراق، ضمن الفريق المسؤول عن سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي لـ "البيت الأبيض"، ليُشير إلى علاقات تعاون أوثق، وذات تأثير رئيسي على الدور الأميركي في سوريا، فـ بيل التي كانت أشرفت على جولات الحوار الكردي- الكردي بين "المجلس الوطني الكردي" و "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد - الذراع السياسي للإدارة الذاتية)، ستكون "رأس حربة" التحرك الدبلوماسي الأميركي في الخاصرة الشرقية من سوريا.

المسؤولة الجديدة عن الملف السوري سترفع تقاريرها لبريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وهو الذي سيدير ملف السياسة الأميركية المتعلق بسوريا بشكل مباشر، وذلك بعكس الطريقة التي تمت بها إدارة الملف السوري، خلال إدارة الرئيس ترامب، والذي تم في فترة حكمه تعيين مبعوث خاص إلى سوريا من الخارجية الأميركية (آخرهم جويل رايبرن، وقبله جيمس جيفري).

إدارة الملف السوري من قبل إدارة بايدن ستكون مختلفة عن الإدارة التي سارت بها إدارة دونالد ترامب، فالأخير تميزت سياسته بممارسة العقوبات المشددة ضد إيران ومواجهة نفوذها في سوريا بنهج "الضغوط الاقتصادية" و"الضوء الأخضر" لضربات إسرائيلية مُركزة على مواقع النفوذ الإيراني في سوريا، إضافة إلى تعامل متوازن مع الوجود الكردي والدور التركي والروسي في سوريا، في حين تتجه إدارة بايدن إلى مغايرة تلك السياسة تماماً، من خلال ممارسة ضغوط على روسيا وتركيا مقابل مفاوضات مع إيران، ومنح دور أكبر لأكراد "الإدارة الذاتية" خاصة أن كلاً من زهرة بيل وبريت ماكغورك، وحتى وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، يتناغمون مع علاقات أكثر إيجابية مع "الإدارة الذاتية"، والانطلاق من هذا التعاطي لرسم استراتيجية واشنطن في الملف السوري بكليّته.

بلينكن كان قد عَدَّ أن الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي سوريا سيبقى من أجل تقديم المشورة لـ "قسد" في حربها ضد تنظيم "داعش" وتأمين حقول النفط في المنطقة، مشيراً إلى أن تلك القوات يجب أن لا تكون هناك فقط من أجل النفط، كما كان يرى ترامب؛ فمنطقة وجودهم تمثل نقطة نفوذ لأن النظام السوري يريد السيطرة على الموارد النفطية، ومن ثمَّ فإن إدارة بايدن يجب أن لا تتخلى عن ذلك من دون مقابل.

السياسة المحتملة لإدارة بايدن في الملف السوري، ستؤدي بطبيعة الحال إلى استمرار التفاهمات الروسية التركية في سوريا، وذلك بفعل العُزلة التي قد تفرضها إدارة بايدن على الجانبين

في حين أن ماكغورك الذي سيتلقى التقارير عن سوريا من بيل، كان قد عمل سابقاً في منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، في عهد الرئيسين دونالد ترامب وباراك أوباما، واستمر في منصبه إلى أن استقال نهاية عام 2018، محتجاً على قرار الأخير المفاجئ سحب القوات الأميركية من سوريا، ما مهد لعملية عسكرية تركية ضد الأكراد، الذي كان يؤيد دورهم وتحركاتهم في سوريا.

إن السياسة المحتملة لإدارة بايدن في الملف السوري ستؤدي بطبيعة الحال إلى استمرار التفاهمات الروسية التركية في سوريا، وذلك بفعل العُزلة التي قد تفرضها إدارة بايدن على الجانبين.

قد تُمارس واشنطن ضغوطاً على أنقرة في سوريا من خلال زيادة التعاون والاعتراف السياسي بـ "الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا، وتمثل فيها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" عَصَباً رئيساً، وهي القوات التي تعدّها تركيا امتداداً "لحزب العمال الكردستاني" في الداخل السوري، وهو الأمر الذي يمكن أن يثير غضب تركيا ويُقيّد دورها في الشمال السوري.

وعلى صعيد التعامل مع روسيا، فإن الفتور الذي قد يحكم علاقة واشنطن مع موسكو خلال الفترة المقبلة، سيدفع الولايات المتحدة إلى العمل على تقويض نفوذ الروس في الشمال الشرقي من سوريا، ما يعني أن دعم "الإدارة الذاتية" الكردية سيتأثر به كذلك الروس، الذين قد تزداد معاناتهم في شمال غربي سوريا، إذا ما استخدمت إدارة بايدن ورقة مكافحة الجماعات الإرهابية هناك.