دلالات رفع العقوبات المتبادل بين تركيا والولايات المتحدة؟

2018.11.03 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

شكلت عملية إطلاق تركيا لسراح القس الأمريكي "أندرو برانسون" ضربة البداية في مسار تحسن العلاقات بين أنقرة وواشنطن، والتي بلغت ذروة توترها في شهر آب/ أغسطس الماضي عندما فرض "دونالد ترامب" عقوبات على وزراء أتراك، وعلى قطاع الألمينوم والصلب المستورد من تركيا، مما استدعى رداً مماثلاً من الجانب التركي.

و اعتبر "ترامب" أن عملية إطلاق القس المنتمي لطائفة الكنيسة الإنجيلية بمثابة مكافئة تركية له، على اعتبار أنه سيستغل الحدث في دعم موقفه في انتخابات الكونغرس النصفية، ليتوجه بالشكر إلى تركيا ويعتبر أن ما حصل يفتح الباب أمام تمتين التحالف بين البلدين.

وجاء الرد الأمريكي على قصف تركيا لمواقع "الوحدات الكردية" الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني باهتاً، وعلى العكس من ذلك فإن واشنطن أكدت على أن تركيا شريك مهم وعضو في حلف الناتو، وشددت على أهمية حماية حدودها، ودعتها للتنسيق المشترك معها من أجل تجنيب الجنود الأمريكيين المخاطر بحكم تواجدهم في منطقة شرق الفرات على الأراضي السورية، مع تجاهل تام لمقتل عناصر من "الوحدات".

وبعد التدريبات المشتركة لعدة أسابيع، انطلقت في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر أول دورية بين الجيشين التركي والأمريكي في منطقة منبج، تنفيذاً لخارطة الطريق المتفق عليها في شهر أيار، وترافق ذلك مع رفع متبادل للعقوبات على وزراء أمريكيين وأتراك، كما أعلن وزير الطاقة التركي "فاتح دونماز" أن أمريكا أخطرتهم بأن تركيا ستكون من بين 8 دول ستحصل على إعفاء من تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران.

استهل "جيفري" تحركاته بزيارات إلى حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة

منذ تعيين "جيمس جيفري" السفير السابق للولايات المتحدة في أنقرة مبعوثاً للخارجية الأمريكية إلى سوريا، ظهرت مؤشرات على تبدل في الاستراتيجية الأمريكية حول المنطقة عموماً وسوريا بالتحديد، وقد استهل "جيفري" تحركاته بزيارات إلى حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة وهم: تركيا – السعودية – الأردن – إسرائيل، كما أن المبعوث الجديد يتبنى مقاربة مختلفة عن تصورات القيادة المركزية الوسطى للجيش الأمريكي، وتقوم على تدعيم التعاون مع تركيا للحد من النفوذ الإيراني والتقليل من الاعتماد على "وحدات الحماية" لتجنب إثارة غضب الأتراك، وأيضاً فقد أسهم مع وزير الخارجية "ماك بومبيو" ومستشار الأمن القومي "جون بولتون" بإقناع ترامب بالعدول عن سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا وبالتحديد من قاعدة التنف، والحفاظ على التواجد العسكري هناك لحين ضمان انسحاب القوات الإيرانية، وتحقيق انتقال سياسي ذو مصداقية.

لقد عولت إدارة ترامب منذ قدومها للبيت الأبيض على مسألة التنسيق والتعاون مع روسيا من أجل إخراج إيران من المنطقة وسوريا، لكن النتائج كانت معاكسة دائماً لما تشتهيه الإدارة الأمريكية، ورغم تساهل واشنطن في سيطرة موسكو على الجنوب السوري مقابل ضمانات بإخراج الميليشيات الإيرانية، لكن اليوم إيران تنتشر أكثر من أي وقت مضى بالجنوب السوري وقرب هضبة الجولان المحتلة تحديداً، حيث عمل حزب الله اللبناني طيلة الأشهر الثلاثة الماضية على تجنيد مقاتلين من أبناء المنطقة للعمل لحسابه، وأنشأ مؤخراً قاعدة عسكرية في منطقة اللجاة.

ويبدو أن زيارة  مستشار ترامب "جون بولتون" الأخيرة إلى موسكو ولقاءه مع "بوتين" لنقاش مسألة التواجد الإيراني في سوريا لم تأت بجديد، خاصة وأن "بوتين" قد أعلن صراحة قبل عدة أسابيع أن إخراج إيران من سوريا ليس مسؤوليتهم.

وفي مطلع الشهر الحالي تشرين الثاني / نوفمبر طالب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا "جيمس جيفري" وبشكل صريح بخروج القوات الروسية وجميع الجيوش الداعمة للأسد من سوريا، لتكون هذه المرة الأولى التي يتحدث بها مسؤول أمريكي عن رفض التواجد الروسي بهذه الصراحة.

ومؤخراً أُضيف إلى المخاوف الأمريكية تهديد جديد، وهو تنامي التنسيق بين إيران والصين، وأيضاً دخول الأخيرة على خط الأزمة الاقتصادية التركية ودفعها بنخبة من رجال الأعمال إلى أنقرة لبحث ضخ الاستثمارات، كما برز توجه جديد للإدارة التركية يتمثل ببحث الرد على التصعيد الأمريكي الاقتصادي بإصدار سندات بالعملة الصينية.

ترغب بكين باستغلال التواجد الإيراني في الشرق الأوسط وخاصة سوريا من أجل الوصول إلى منطقة البحر المتوسط

وترغب بكين باستغلال التواجد الإيراني في الشرق الأوسط وخاصة سوريا من أجل الوصول إلى منطقة البحر المتوسط، وفي هذا السياق تندرج تحركاتها في تركيا أيضاً، وهو أمر مقلق لأمريكا التي تعطي ومنذ قرابة عقد من الزمن الأولوية لمواجهة بكين وخاصة في منطقة بحر الصين.

إن الشعور الأمريكي بتنامي التهديدات الإيرانية والصينية وعدم رغبة أو قدرة روسيا على التعاون معها في تلك الملفات، يمثل الدافع الأبرز وراء رغبة واشنطن بضخ الدم من جديد في جسد العلاقات مع تركيا والتي عرفت منذ عام 2010 محطات توتر عديدة، كما أن أنقرة ترغب بالاستمرار في استراتيجتها القائمة على التوازن بالسياسة الخارجية، وعدم الاصطفاف ضمن محور غربي أو شرقي، خاصة وأن كل من أمريكا وروسيا تحتفظان بتواجد عسكري حاسم في سوريا، يضاف إلى ذلك كله رغبة الحكومة التركية بإنعاش الليرة التركية وخفض نسبة التضخم في البلاد قبيل الانتخابات البلدية.

ورغم هذه الاستدارة الجديدة في العلاقة التركية – الأمريكية إلا أن استمرار تحسنها والعودة بها إلى عهدها السابق منوط بمقدار التقدم الذي سيتم تحقيقه بمختلف الملفات العالقة وأبرزها حلحلة الوضع في منبج وشرق الفرات وإنهاء سيطرة "وحدات الحماية" عليها، والتوصل إلى صيغة حل تراعي المخاوف التركية المتعلقة بالكيان الانفصالي القريب من حدودها، كما أن  أنقرة تريد الحصول على الضوء الأخضر لاستكمال عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار وجبال قنديل بالعراق، وأيضاً من المهم لتحقيق المزيد من دفئ العلاقات بين الجانبين التوصل إلى رؤية مشركة بين أنقرة وواشنطن حول الملف السوري تضع أمام تركيا خياراً آخر غير التعاون مع روسيا وإيران، وتخفف من غضب أمريكا بسبب شعورها بتفضيل تركيا العمل مع روسيا على حسابها.