دلالات "المثلث الرومانسي" بين الأسد ونتنياهو وبوتين

2021.03.15 | 05:39 دمشق

bshar_alasd_bwtyn.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتساءل الإسرائيليون عن خلفيات الحديث عن تقارب بوساطة روسية بين نظام الأسد والحكومة الإسرائيلية، بينما يواصل الاحتلال غاراته على دمشق وغيرها في العمق السوري، مع العلم أن قصف إسرائيل لسوريا يتم وقتما شاءت، في حين يتم إبرام صفقة تبادل الأسرى معها، وفي الوقت ذاته، يتم تقديم لقاحات لها، رغم أنها ما زالت مصنفة دولة معادية، ما يدفع إلى طرح السؤال عما يحصل بين تل أبيب ودمشق.

تتزامن عمليات القصف الإسرائيلية لأهداف مختلفة في سوريا، مع مبادرة إسرائيل لتقديمها مساعدات للنظام السوري باللقاحات لمواجهة وباء كورونا، وكل ذلك يشير إلى أنَّ شيئاً ما يحدث بين إسرائيل وسوريا، لكنه في الوقت ذاته مناسبة لطرح سؤال عن كيفية حدوث ذلك تحت القنابل، وما دور روسيا في هذه القصة، وهل هناك احتمال أن يقرر الأسد إلقاء أغنية من أجل السلام مع إسرائيل.

قبل عقد من الزمن، كادت إسرائيل وسوريا أن توقع على اتفاق سلام بوساطة أميركية، ولم يكن حينها سرا، فقد كانت الصفقة آنذاك هي الجولان مقابل إيران، حيث تتنازل إسرائيل عن الجولان، أو جزء منه، وفي المقابل سينفصل الأسد عن إيران وحزب الله، لكن اتفاق السلام هذا عرف طريقه إلى حاويات التاريخ.

في المقابل، شهدنا في السنوات الأخيرة مثلثا رومانسيا ينجح رغم كل الصعاب: "إسرائيل وروسيا وسوريا"، وفق الزعم الإسرائيلي، لأنه قبل عامين فقط، وقبل فترة وجيزة من الانتخابات الإسرائيلية الأولى في 2019، فوجئنا جميعا عندما ساعدت روسيا في إعادة رفات الجندي الإسرائيلي القتيل زخاريا باومل من سوريا، وفي الآونة الأخيرة، حصل مزيد من الدفء في العلاقة، وبدأت التقارير تتحدث عن جهود روسية لترميم عظام الجاسوس إيلي كوهين، ووصلت الذروة بإبرام صفقة تبادل أسرى اشترت فيها إسرائيل لقاحات روسية للأسد.

في الوقت ذاته، نلاحظ ما يحدث على حدود إسرائيل الشمالية في السنوات الأخيرة، فطوال الحرب السورية، تدخلت إسرائيل فقط للإضرار بأهداف إيران وحزب الله، ولم تحاول فعلا إيذاء نظام الأسد، رغم أن استمرار هجماتها في سوريا لا يشكل للأسد أخبارا جيدة، لأنه يضر بصورته، ورغم كل شيء، ينتهي الرد السوري عادة بإطلاق سلاح مضاد جوي أقرب ما يكون للألعاب النارية، لا يضر بالطيران الإسرائيلي بشيء.

الإيرانيون يريدون قاعدة أمامية ضد إسرائيل، وبدؤوا بالتعامل مع سوريا على أنها ساحتهم الخلفية، والأسد مدين بالكثير لإيران

من المرجح أن طهران والضاحية الجنوبية ترغبان في رؤية شيء أكثر أهمية بعد مساعدة الأسد من بوتين على البقاء في القصر الرئاسي، لكن ذلك مدعاة لطرح السؤال: لماذا لا يرد الأسد كما يجب رغم أنه يتعرض للهجوم الإسرائيلي شهريا، وهو الذي سئم من الوجود الأجنبي في سوريا، لكن كل من ساعده في البقاء في السلطة يتوقع منه الحصول على حصة مثيرة؟

فالإيرانيون يريدون قاعدة أمامية ضد إسرائيل، وبدؤوا بالتعامل مع سوريا على أنها ساحتهم الخلفية، والأسد مدين بالكثير لإيران، لدرجة أنه لا خيار أمامه، وهنا يأتي المثلث في الرومانسية الجديدة حيز التنفيذ، لأن فلاديمير بوتين، الداعم القوي لنظام الأسد، يتوسط بينه وبين إسرائيل.

تبدو الأطراف الثلاثة سعيدة بهذا المثلث الرومانسي: الروس يتمتعون بمكانة القوة التي تحكم الشرق الأوسط، وإسرائيل تحصل على الضوء الأخضر لقصف الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية، والأسد يراقب المؤسسة الإيرانية في سوريا التي تتلقى ضربات من السماء بشكل متكرر، كما يمكن لدول الخليج أن تظهر في الصورة، ورغم أنها مولت من ثاروا ضد الأسد، فإنها تصدر أصواتا متتالية لتمويل إعادة تأهيل سوريا.

يعتقد الإسرائيليون أن كل ذلك يتم من أجل تضييق خطوات إيران في سوريا، وكأن لعبة البوكر الشرق أوسطية هذه تمكن اللاعب صاحب اليد الأضعف من التلاعب بالجميع، فاليوم لا أحد يجرؤ على المراهنة ضد بشار، لكن الاهتمام بتفضيله واضح.

في الوقت ذاته، تظهر سوريا منخرطة في قلب الاستهدافات العسكرية الإسرائيلية للناقلات الإيرانية في الخليج العربي، التي باتت ظاهرة لافتة، لأن إسرائيل اكتشفت أنها محور التهريب وغسيل الأموال بمئات ملايين الدولارات التي تمر عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان، وهكذا تجري "حرب النفط".

يدرك الإيرانيون أن هذا الطريق مرئي لأجهزة المخابرات الغربية، بما في ذلك إسرائيل، لذلك فقد حاولوا في 2019 إرسال السفن على طريق طويل لتجنب الإبحار في البحر الأحمر، وعبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، متجاوزين القارة الأفريقية بأكملها، حيث تدخل مضيق جبل طارق ثم تبحر باتجاه سوريا، مع العلم أن الأضرار الإسرائيلية بالسفن الإيرانية التي تهرب النفط إلى سوريا مرتبطة بالرغبة المشتركة لجميع الدول الغربية بوقف تمويل حزب الله، ولذلك فإنه إذا أصابت إسرائيل بالفعل هذه الناقلات، فمن المحتمل أن ذراع البحر والوحدات الخاصة، فوق وتحت سطح الماء، عملت لوقت إضافي، لكنها لم تغرق أي سفينة إيرانية، أو تشتعل فيها النيران.

لم يقل الإيرانيون شيئا، ولم يعترفوا بأن سفينتهم قد أصيبت، فيما لم تنشر إسرائيل ولا الأميركيون أي شيء، وكأن الصمت خيم على كل الأطراف: "لم يرَ أحد، لم يسمع أحد"، ورغم أن الحديث يدور عن سرب الكوماندوز الإسرائيلي 13، الذي ينفذ هذه العمليات، فإن لدى إسرائيل طرقا قليلة ومتنوعة ومبتكرة للإضرار بتهريب النفط الإيراني إلى سوريا دون إحداث ضجيج أو اضطراب.

أي سفينة من هذا القبيل لا تصل إلى وجهتها في الوقت المحدد، أو لا تصل إطلاقاً، تشكل ضرراً كبيراً للنظام السوري والتنظيم اللبناني تحت قيادة رعاته الإيرانيين

يمكن الافتراض أن قطع التمويل عن حزب الله، وخاصة في ما يتعلق بدقة صواريخه جزء من أهداف استراتيجية "المعركة بين الحروب"، أصبح بعضها معروفا للإعلام، والبعض الآخر ما زال سرياً، ومن المعروف أيضا أن عدد عمليات "MBM" في 2020 ارتفع بشكل حاد، وأن الذراع البحرية كانت عنصرًا مهما فيها، وربما من الناحية الكمية عملت البحرية أقل من القوات الجوية، لكن مساهمتها المادية لم تكن أقل أهمية.

إن أي سفينة من هذا القبيل لا تصل إلى وجهتها في الوقت المحدد، أو لا تصل إطلاقاً، تشكل ضرراً كبيراً للنظام السوري والتنظيم اللبناني تحت قيادة رعاته الإيرانيين، والسؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال هو عن ما إذا كان تلوث القطران الصلب على شواطئ إسرائيل، الذي ربما نشأ من سفينة تهريب النفط الإيرانية لسوريا، عملاً انتقامياً إيرانياً على الأضرار التي لحقت بسفنها من الهجمات الإسرائيلية.

وفق كل المؤشرات، فقد انسكب النفط الذي وصل إلى شواطئ إسرائيل في البحر نتيجة عطل، ويبدو أن المهرب الإيراني حاول نقله إلى سفينة سورية يمكنها الدخول بشكل شرعي إلى ميناء طرطوس أو اللاذقية، ومن الصعب الافتراض أن بقعة النفط كانت عملاً انتقاميًا إيرانيًا، لكن ربما كان الضرر الذي لحق بالسفينة التي ترفع علم جزر الباهاما وتخص رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغر، جزءا من القصة.

وهكذا يمكن القول إن هناك الآن حربا نفطية في المنطقة من جميع الجهات، وقبل أيام قصفت بوارج حربية تابعة للنظام السوري وروسيا منشآت لتكرير النفط تديرها فصائل معارضة سورية تنشط برعاية تركية في شمال سوريا في محيط حلب.

الخلاصة أن قيمة أي سفينة إيرانية تستهدفها القوات الإسرائيلية تحمل مئات الآلاف من براميل النفط تبلغ عشرات ملايين الدولارات، ولذلك فإن تأخير مثل هذه السفينة لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر هو ضربة قاسية لحزب الله، خاصة في الفترة الحالية، حيث ينهار النظام المصرفي اللبناني، واقتصاد البلاد بشكل عام، فيما يحتاج الحزب اليوم لكل سنت يتلقاه من الإيرانيين عبر نظام الأسد.