دستورية جنيف.. حوار مع رهائن النظام

2021.10.24 | 06:18 دمشق

16345657401842660402.jpg
+A
حجم الخط
-A

تجري في معظم دول العالم وفي مختلف الأزمات الدولية والعالمية والإقليمية، حوارات بين أطراف ندية لحل أي نزاع أو خلاف أو مشكلة طارئة أو مستمرة أو حل مستعص للوصول إلى حلول جذرية لها، لكن في المأساة السورية ثمة خلل في موازين القوى، وقد يتساءل كثير من السوريين الذين لا يمكنهم الاطلاع على مجريات المفاوضات في الحل السياسي السوري بجنيف عن هذا الخلل، ولا يسمعون سوى خيبات الأمل التي يطلقها مبعوثو الأمم المتحدة على التوالي، ومفاوضو المعارضة، فيما يظن النظام أنه في حوار ورهان خاسر ويجد من الصعوبة بمكان أن يفاوض المعارضة من منطلق القوة.

ورغم كل ما يمكن أن يصل إلى الشارع السوري أو المتابع، من أنها مجرد حوارات عبثية لن تصل إلى نتيجة، والنظرة إلى ما تجري على أنها مجرد مصاريف ومسرحيات تعمل الدول على إتمامها من دون أن تكون هناك نتيجة جدية حقيقية بالفعل، ورغم كل الآمال والتوقعات التي تخيب ولا تحسن الظن، لا بد من ملاحظات وأحاديث تتعلق بالجولات الحاصلة وخاصة الجولة الأخيرة، ومن هنا ثمة نقاط عديدة متعلقة بالوفود المفاوضة والدول الساعية للوصول إلى حل، من دون أن تكون الجولات الفارغة مجرد أموال تصرف في فنادق جنيف.

بداية لا بد من الإشارة إلى الندية في المفاوضات، رغم أن النظام يسعى إلى أن يظهر نفسه بالمظهر المنتصر دائما والمتعالي على المعارضة دون الاعتراف بهم، رغم جلوسه معهم لفترات طويلة ولسنوات سواء في جنيف أو في أستانا، ولكن هل حقيقة الأمر كذلك، بالطبع لا، من يفترض أنه جاء من دمشق ليحل مشكلة سورية مستعصية لأكثر من 10 سنوات ولا إمكانية لحلها عسكريا نظرا للرفض الشعبي لبقاء الأمور على الوضع الراهن، ورغم ادعاءات النظام بانتصاره على الإرهاب هو عمليا انتصر على الشعب ولقمة عيشه وخدمته، هنا يطرح التساؤل الهام، كيف يمكن أن تحاور المعارضة وفدا جاء من دمشق ويراقبه عناصر المخابرات على مدار الساعة والدقيقة والثانية، تكتم على نفسه وتضغط عليه وتمنعه حتى من دخول المرحاض وحده، يلاحق الأعضاء بعضهم البعض، ويكتبون التقارير ببعضهم البعض، فهو وفد أمني ومخابراتي لا صلاحيات ولا مهام له سوى إضاعة وقت السوريين، بالمقابل فإن وفد المعارضة يعمل جاهدا من أجل تقديم ما يمكن البناء عليه، ويستعد بشكل مستمر لتقديم ما يدفع بالعملية السياسية قدما لحل مشكلات وآلام السوريين.

النظام تحجج بالمنهجية وأن ما هو متفق عليه هو فقط لتقديم الأوراق من دون التوصل إلى توافقات

في هذه الجولة التي اختتمت بجنيف، صاغ وفد المعارضة أوراق تتضمن نقاطا مشتركة بين الأوراق التي قدمت، أي ورقته المتعلقة بالجيش والقوات المسلحة والأمن والمخابرات، وورقتي النظام المتعلقة بسيادة الدولة، والإرهاب والتطرف، وورقة المجتمع المدني التي كانت بعنوان سيادة القانون، حتى إنه اقتبس بعض العبارات التي تضمنتها أوراق النظام بنفس الكلمات والتعابير والحروف مما تصلح لأن تكون بالفعل عبارات يمكن وضعها في مبادئ دستورية حقيقية يمكن أن تعتمد، إلا أن النظام تحجج بالمنهجية وأن ما هو متفق عليه هو فقط لتقديم الأوراق من دون التوصل إلى توافقات، وهو ما يدفع بالضرورة إلى تعطيل العملية الدستورية، وبالتالي هنا يمكن القول والتأكيد بأنه كيف يمكن للمعارضة أن تفاوض وفدا يفترض أنه يحتوي على قانونيين وحقوقيين سيكتبون دستور مستقبل سوريا، بالطبع لا يمكن ذلك ولا يمكن لأحد أن يتخيل الأمر.

المتابعون للجولة بتفاصيلها والحراك الدبلوماسي المكثف الذي رافقه من وجود عدد كبير من الوفود الدبلوماسية وخاصة وفود الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران ووفد الولايات المتحدة الأميركية ووفود دول الاتحاد الأوروبي وبحسب اللقاءات التي جرت، كانت هناك ضغوط كبيرة من أجل النجاح بالوصول لأي نتيجة وإن كانت قليلة تبعث الأمل لبناء مستقبل عمل سياسي بين الأطراف السورية، وكان هناك حراك وتفاؤل حذر بهذا الاتجاه، وبذلت روسيا ضغوطا كبيرة على النظام بهذا الصدد من أجل إجباره على القبول ولو بنقاط قليلة ولو حتى بالتوقيع على النقاط الخلافية التي قدمها المبعوث الأممي بيدرسون، حيث كانت له خطة الإطار إما بورقة توافقات، أو ورقتين للتوافق والاختلاف، كما كانت هناك مقترحات لعمل المؤتمر الصحفي بشكل مشترك بجانب بعضهم البعض أو على الأقل بوجود الأطراف نفسها ضمن نفس القاعة كل بدوره، دون أن يكون هناك تحريض أو تشويش وتعطي صورة إيجابية.

ومن هنا بالتأكيد يطرح التساؤل رغم كل ذلك فلماذا فشلت الجولة ومن أفشلها؟ ولماذا لم يحقق الزخم والضغط الدولي نجاحه وأكله في التفاؤل الحذر؟ وكيف انعكس تفجير دمشق المزعوم وقصف المدنيين الأبرياء في أريحا على الأجواء في جنيف؟ لقد استخدم النظام كالعادة الهجوم المزعوم بدمشق كذريعة من أجل تقديم سلوك سلبي وسيئ جدا، وذلك في يوم أربعاء الجولة، لكن تلافاه في يوم الخميس، وبظل رفض روسي عن تبني القصف في أريحا وحديث المبعوث الروسي لافرنتييف للمعارضة بأن التحقيقات الروسية جارية لمعرفة الطرف الفاعل، يبرز هنا الدور الإيراني المعطل والمعرقل لهذه العملية ضد الدول الغربية، الدور الإيراني السلبي وتأثيره على النظام نجح في تعطيل العملية الدستورية، ولإيران الأسباب الكثيرة والعديدة التي تدفع لذلك.

إيران رغبت بتعطيل العملية السياسية لكي لا يبرز أي تقدم لدور الحليف الروسي أمام الدول الغربية التي تربط أي إعادة إعمار في سوريا وعودة للاجئين بتحقيق تقدم في العملية السياسية

لا شك أن مفاوضات البرنامج النووي الإيراني تجري بينها وبين الدول الأوروبية والغربية، وهي حاليا متعطلة ومتوقفة، وتعمل إيران على الضغط عبر عدة مجالات منها بوابة قصف المصالح الأميركية من فترة لأخرى في العراق وسوريا، من دون أن تسقط ضحايا، ولكن هذه الهجمات تحمل رسائل وتهديدات لدفع الدول الغربية للمضي قدما، وكذا الأمر فيما يتعلق بالملف السوري، حيث يعتبر أحد الملفات الهامة التي تطلب فيها إيران تحقيق مكاسب ومنافع، وأكبر دليل على ذلك إطلاق يدها في البلاد بعد تحقيق الاتفاق النووي بزمن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حيث أدى ذلك الاتفاق إلى مآسٍ كبيرة وآلام لم تنته حتى الآن على صعيد سوريا والمنطقة، ولهذا يمكن القول إن إيران رغبت بتعطيل العملية السياسة لكي لا يبرز أي تقدم لدور الحليف الروسي أمام الدول الغربية التي تربط أي إعادة إعمار في سوريا وعودة للاجئين بتحقيق تقدم في العملية السياسية، وذلك في الحوارات التي أجرتها موسكو مؤخرا مع أميركا بهذا الصدد.

وفي الختام يمكن القول إن النظام عبر محاولة تقديم أداء معقول ومقبول أمام المجتمع الدولي بجلوس رئيس وفده أحمد الكزبري مع رئيس وفد المعارضة هادي البحرة على طاولة واحدة، وتقديم أوراق خلال الجلسات وانضباط بالسلوك على أمل الاستجابة لما يشاع بأنه مبدأ الخطوة بخطوة للتطبيع، كلها مجرد أوهام لن يستفيد بها وسيكتفي بتسويق نفسه لدى دول الجوار العربي دون أن يحقق ذلك أي مكانة له أمام الدول الأوروبية والغربية التي تريد رؤية تقدم حقيقي ملموس في العملية السياسية السورية.