درعا وخطوط التماس الدولي

2021.08.30 | 06:20 دمشق

424234-46.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا تقع درعا على عقدة خطوط التجارة العالمية، ولا تمرّ منها قناة السويس، ولا هي عاصمة إمبراطورية آيلة للأفول كإسطنبول نهايات الحرب العالمية الأولى، هي مدينة صغيرة جداً، وتكادُ تكون قرية كبيرة حتى، لكنّ ما يميّزها منذ عشرة أعوام عن غيرها أشياء كُثر. فعلاوة على أنها مهد الثورة السورية، وعاصمة المحافظة التي هزّت النظام في العمق عندما كانت الثورة في طورها السلمي، وبعد أن انتقلت إلى طورها العسكري، وإضافة إلى كونها الوحيدة التي شبّت عن طوق التسويات بشكل أو بآخر بعد استعادة النظام للجنوب، وغير أنها مركز المحافظة التي أسقطت الأسد في انتخاباته الرئاسية الأخيرة قبل أشهر، علاوة على ذلك كلّه فهي تقع على خطّ صدعٍ إقليمي ودولي.

يُدركُ بعضُ أهل حوران أنّهم فعلاً على صدع الفالق بين القوس والهلال، وقد لا يعي كثيرون منهم ذلك، لكنّ الأمر واقعٌ حقيقيٌ لا يغيّر من إدراكه أو عدم إدراكه شيء

ربّما لم يخطر في بال العاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني عندما تحدّث للواشنطن بوست أوائل ديسمبر عام 2004 عن الهلال الشيعي، أنّ درعا ستكون رأس حربة قوس الصدّ العربي في مواجهة هذا الهلال. ورغم أنّ خمسة عشر عاماً تفصلنا عن ذلك الحديث الذي كان إثر التخوّف من سيطرة حكومة موالية لإيران في بغداد بعد الاحتلال الأميركي للعراق، إلا أنّ الرؤية الثاقبة للملك لم تخطئ في استشراف المستقبل. لقد بات الهلال شبه مكتملٍ، وعلى جميع الدول العربيّة في الخليج وفي شمال أفريقيا أن تستعدّ لما هو قادم إليها خلال السنوات المقبلة، خاصّة إن بقي الحال في سوريا على ما هو عليه الآن من دون انتقال سياسي.

يُدركُ بعضُ أهل حوران أنّهم فعلاً على صدع الفالق بين القوس والهلال، وقد لا يعي كثيرون منهم ذلك، لكنّ الأمر واقعٌ حقيقيٌ لا يغيّر من إدراكه أو عدم إدراكه شيء. فالمجريات تدلّ على إصرار نظام ملالي طهران على استكمال السيطرة على الجنوب بشكل كامل، وتقف بعض المدن الصغيرة شوكة في حلقها، منها درعا وطفس وبصرى الشام. وقد كانت محاولة كسر شوكة درعا بضربة قاصمة شيئاً مدروساً بعناية، لأنّ من شأن ذلك أن يسهّل كثيراً قضايا التفرّغ لبقيّة المدن، نظراً لما لدرعا من رمزية في وجدان أبناء المنطقة خاصّة وسوريا عامّة.

يدخل هنا عامل آخر لصالح أبناء المطقة هذه المرّة، ويبدو أنّ سوء الطالع ليس قدراً محتوماً. لحسنّ حظّ المنطقة، أو لسوئه لا فرق، أنها جارة لإسرائيل من جهة، وأنها معبر إلى الأردن والخليج وشمال أفريقيا من جهة ثانية. جعل هذا كلّه من مصلحة روسيا – الفاعل الأقوى في الصراع السوري – أن تثبّت نقاط قوتها هناك. لهذا رأينا حراكاً سياسياً دولياً نشطاً خلال هذه الأسابيع الأخيرة.

كانت زيارة العاهل الأردني لواشنطن قبل عدّة أسابيع لتسويق فكرة التعايش مع سيطرة الأسد على المنطقة، وبالتالي طلب استثناء الأردن من مفاعيل قانون قيصر لما لها من أثر بالغ على اقتصاد المملكة، ثمّ جاءت زيارته لروسيا ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين يوم الإثنين في 23 من آب الجاري استكمالاً لما بدأ في واشنطن. كذلك زيارة وزير الخارجية القطري لعمّان قبل أيام أيضاً، واستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 18 من آب الجاري لمستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وزيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لروسيا وتوقيعه اتفاقيّة تهدف إلى تطوير التعاون العسكري المشترك بين البلدين، إضافة لمحادثاته مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حول سعي البلدين المشترك لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة. كذلك كان للأوضاع في الجنوب السوري نصيب في جلسة مجلس الأمن الأخيرة. كلّ هذه التحركات وغيرها لم تأت من فراغ، بل كان التصعيد العسكري للنظام وحلفائه في درعا بالمركز منها.

لا شكّ بأنّ انتشار عناصر الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله اللبناني الإرهابي على طول حدود القنيطرة وفي مجمل محافظة درعا، ليس بخافٍ عن أعين الجيش الإسرائيلي ولا مخابراته

لن يتوقف الحراك السياسي قبل الوصول إلى حلول تساهم في تخفيف التوتر في المنطقة، والأردن الذي يخشى من استمرار مضاعفات الأزمة السورية على اقتصاده الضعيف، والذي يخشى بشكل أكبر من توسّع النفوذ الإيراني على حدوده، بدأ يأخذ دوراً أكثر فاعليّة بهذا الملف. قد يكون لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت إلى واشنطن تأثيرٌ ما على الوضع في الجنوب، ولا شكّ بأنّ انتشار عناصر الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله اللبناني الإرهابي على طول حدود القنيطرة وفي مجمل محافظة درعا، ليس بخافٍ عن أعين الجيش الإسرائيلي ولا مخابراته. يبدو أنّ إسرائيل ستتجه مع الحكومة الجديدة لتغيير مقاربتها من الوجود الإيراني في المنطقة، وقد يكون هذا من مصلحتنا نحن أهل الجنوب السوري.

يبقى أن نقول في الختام بأنّ الحراك السياسي السوري، المتمثّل بنشاط الجاليات السورية المحموم في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا وغيرها من الدول، وكذلك مؤتمراتهم في الداخل والخارج، مثل مؤتمر جود الذي لم يُكتب له الانعقاد، ومؤتمر السويداء الأول ومؤتمر استعادة السيادة والقرار في جنيف، بدأ يأخذ مساراً جديداً بالتعامل مع الوضع السوري. لقد وعت هذه القوى ضرورة تشكيل مجموعات الضغط، وممارسة سياسة التواصل المستمر مع القوى الفاعلة في الدول الديمقراطية من أجل التأثير على سياسة حكوماتها بالملف السوري. سيكون لهذه الجهود تأثير على المدى القريب والمتوسط، وما موقف أعضاء الكونغرس الأميركي الرافض لإعادة تأهيل نظام الأسد، والذي أوضحوه للعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين صراحة خلال زيارته الأخيرة، إلّا من نتائج عمل السوريين المثابر. سيكون من اللازم تكثيف الجهود السورية للوصول إلى حلّ ينقل البلاد والعباد من خطوط التماس وتضاد لمصالح، إلى خطوط الاستقرار والتوافق من أجل مصلحة السوريين والمنطقة عموماً.