دبابات الناتو وتهديدات الكرملين إلى أين؟

2023.02.21 | 06:26 دمشق

قوات أوكرانية ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب العملية الروسية الخاصة من إتمام عامها الأول وبقراءة دقيقة لتطورات خريطة العمليات على كل الجبهات، ومع الإمدادات الضخمة وخطوط الإمداد الغربية المفتوحة التي تزود  من خلالها "كييف" بوسائط خوض الصراع النوعية المتقدمة، فالملاحظ أن المواجهات الدائرة وخاصة في أشهرها الأخيرة بات يغلب عليها طابع المراوحة في المكان، واستمرار القصف وتدمير البنى التحتية ومحطات المياه والكهرباء الأوكرانية، وذلك بهدف الضغط والتضييق على الحالة المعيشية والأمنية للسكان المدنيين الآمنين، ناهيك أيضا عن تصاعد وتيرة حروب وتكتيكات الاستنزاف التي يتسيدها استخدام كلا الطرفين لكل وسائط الصراع التقليدية المتاحة.

في الواقع ومع إصرار "روسيا" على أن واشنطن والغرب وبمرور الوقت باتوا ينغمسون أكثر وأكثر في هذه الحرب ويخوضون ضدها حربا بالوكالة على المسرح الأوكراني، وأن الخطوط الحمراء وحسب تصريحات الكرملين بالنسبة لموسكو أصبحت من الماضي، يترافق ذلك كله مع التعنت المستمر لكلا الطرفين ورفضهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذ إن لكل شروطه التي يتمسك بها والتي يقابلها الطرف الآخر بعدم القبول والرفض، فروسيا من جهتها تعتبر الأقاليم الأربعة التي احتلتها وأجرت استفتاءات فيها أصبحت أراض روسية (خيرسون، زباروجيا، دونيتسك، لوغانسك) وباتت أمرا واقعا _وتحصيلا لحاصل_، ويبدأ التفاوض إن تم لاحقا على هذا الأساس، أما أوكرانيا فمن جهتها تقول إن التفاوض في هذا الوقت ووفقا لشروط موسكو أمر مستحيل وغير مقبول، ولا مفاوضات قبل تحرير أو انسحاب القوات الروسية من كل الأراضي التي سيطرت عليها  في العملية الخاصة التي أطلقت في 24/2 من العام الماضي. ومع استمرار هذا التعنت وفقدان أي أمل وأقلها على المدى القريب والمنظور في التوصل إلى حل يرضي الطرفين لإنهاء هذا الصراع، وبناء عليه وفي خطوة نوعية مفاجئة تعكس تعاظم الدعم العسكري الغربي للقوات الأوكرانية الذي يمكننا وصفه "كصب الزيت على النار" ، وبعد أن كانت أوكرانيا حتى وقت قريب تواجه مقاومة لطلباتها الخاصة بتزويدها بالدبابات القتالية الرئيسية والصواريخ بعيدة المدى لمواجهة القوات الروسية الغازية، أكدت واشنطن وبرلين أخيرا أنهما سترسلان دبابات ثقيلة متقدمة إلى كييف، حيث أكدت برلين مبدئيا وعلى وجه السرعة إرسال 14 دبابة من طراز "ليوبارد ـ 2" بينما تخطط واشنطن أيضا لإرسال 31 دبابة من طراز "أبرامز" خلال الفترات القليلة المقبلة، بل ولم يتوقف الأمر على ذلك إذ إن الحكومة الألمانية أيضا سمحت ومنحت الضوء الأخضر للعديد من الدول الغربية التي تريد حكوماتها إرسال دبابات "ليوبارد ـ 2" ألمانية الصنع إلى أوكرانيا. ناهيك عن موقف بريطانيا التي أكدت من قبل إرسال 14 دبابة من طراز"تشالنجر" للجانب الأوكراني. إضافة إلى ذلك ستقدم 9 دول غربية أخرى خلال الأسابيع القادمة العديد من الدبابات إلى الجانب الأوكراني، ومن بين هذه الدول :بولندا،، وهولندا، وفنلندا، وفرنسا، وغيرها.

عمليا فإن الدبابات الغربية والأسلحة النوعية الأخرى التي تتدفق ولاتزال على الجانب الأوكراني لاشك بأنها عززت وستعزز من صمود القوات الأوكرانية، وستزيد من قدراتها الحركية، وستمنحها القدرة أكثر على المناورة العالية والهادفة بالنار والحركة، كما ستساعدها أكثر على وقف زحف الجيش الروسي وتكبيده الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات، وربما ستساعد الجانب الأوكراني أيضا إذا وصلت هذه الدبابات بأعداد كبيرة على القيام بالهجمات المضادة التي سيستطيع بها  جيشها من كسر خطوط ودفاعات الجيش الروسي العميقة، واستعادة كل أو أجزاء من المناطق المحتلة التي سيطرت عليها القوات الروسية سابقا، ولكن وبالوقت نفسه يجب علينا أن لا ننسى أنه ستكون هناك صعوبات وتحديات عديدة ستقف في وجه القوات الأوكرانية، ويجب التغلب عليها بسرعة طبعا إن أرادت هذه القوات تحسين وضعها القتالي والميداني، حيث إن هذه الدبابات الغربية ونظرا لتسليح أوكرانيا أساسا بالأسلحة والعتاد والدبابات الشرقية فستبدو هذه المعدات غريبة على الجيش الأوكراني، وستحتاج إلى الطواقم التي تستثمرها وتجري صياناتها والتدريب عليها جيدا، وبالتالي دخولها الناجع إلى ميادين المعارك.

بالتحليل فإن القوات الروسية وميليشيات فاغنر تسابق الزمن، وتعمل على استغلال الوقت جيدا قبل وصول دبابات الناتو للجانب الأوكراني التي تحتاج عمليا إلى عدة أشهر لتشكل فارقا في ميدان المعارك، حيث إنه ومع اقتراب فصل الربيع، وتحسن الظروف الجوية وحالة الأرض، واستقدام التعزيزات القتالية من شبه جزيرة القرم، والزج بأعداد كبيرة من جنود التعبئة الذين باتوا جاهزين تقريبا لخوض غمار الحرب، تستعد موسكو لتطوير الهجوم والقيام بعمليات واسعة النطاق بهدف إكمال السيطرة على كامل بلدات إقليم الدونباس( دونيتسك) بعد أن أتمت السيطرة على بلدة "سوليدار" وسعيها من جانب آخر للسيطرة على بلدة "فوغليدار" وبذلك يتم إطباق الحصار على مدينة "باخموت" الاستراتيجية وقطع طرق الإمداد عنها  من ثلاثة اتجاهات (جنوبا، شمالا، شرقا)، والواقع الميداني يقول إنه من الممكن جدا أن تقوم القوات الروسية بفتح محاور قتال جديدة من الجبهة الجنوبية الغربية باتجاه هذه المدينة المهمة، بهدف تشتيت جهود القوات الأوكرانية الدفاعية والإسراع أكثر في إسقاطها.

دبابات الغرب وجعجعة موسكو

لا شك أن قرار تزويد أوكرانيا بدبابات الناتو والضخ بأسلحة فتاكة جديدة هو قرار خطير للغاية، إذ إن هذه الأسلحة المتقدمة ستوسع من دائرة الصراع الدامي وستنقله إلى مستويات أكثر دموية وخطورة، كما أن هذا القرار سيورط ويغمس واشنطن والغرب أكثر وأكثر في هذه الحرب، ناهيك عن أنه سيعقد ويبعد فرص الوصول إلى حل دبلوماسي قد يكون من شأنه إيقاف هذه الحرب بشكل أسرع. 

لقد أعلن الكرملين في وقت سابق أنه وفي حال قامت الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بدبابات ثقيلة، فإن تلك المعدات والأعتدة ستدمر وتطحن في ساحات المعارك، كما أن المتحدث باسم الكرملين "دميتري بيسكوف" قال في تصريح له أنه "من الناحية التكنولوجية فإن الخطة _أي إرسال الدبابات_  هي خطة فاشلة. وإن في ذلك مبالغة في تقدير الإمكانيات التي ستُضاف للجيش الأوكراني وأن هذه الدبابات ستحترق مثل سواها من الأسلحة. كما جدد الكرملين التأكيد على أن خطر المواجهة الفعلية المباشرة بين روسيا وحلف الناتو باتت جدية وتابع الناطق الرئاسي الروسي قوله إن «الوضع متوتر بشأن التراشق النووي بين روسيا والولايات المتحدة، وروسيا و(الناتو)».

ختاما.. واشنطن والغرب ومن خلال تزويد كييف بكل هذا الكم من الأسلحة والعتاد النوعي والمتنوع، إنما يراد من خلال ذلك  إلى الضغط أكثر على موسكو وصولا لإفشال عمليتها الخاصة، وقطع الطريق وإيقاف زحف القوات الروسية باتجاه العاصمة الأوكرانية، وعدم إعطاء الفرصة لبوتين أوتمكينه من تحقيق إلى أي نصر عسكري سهل، يضمن له علو كعبه في المنطقة، في الجانب الآخر فإن بوتين المعروف عنه تحديه وعناده وإصراره على أهدافه، وعدم قبوله بالهزيمة وقوله إن الخطوط الحمراء بالنسبة لروسيا أصبحت من الماضي. فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هل هذا السيناريو وبتعقيداته سيكون بمنزلة إشعال الفتيل لصدام روسي محتمل مع الناتو وقد تستخدم فيه أخطر المحظورات..؟! ننتظر ونراقب ونرى..!