خيبة الشباب السوريين

2020.06.18 | 00:04 دمشق

thumbs_b_c_34ab2edc234315d63c110990343aa4ce.jpg
+A
حجم الخط
-A

في ظلِّ الظروف الضاغطة والاستثنائية، التي تمر بها سوريا، والتي تزداد شدتها كلَّ يوم، تبرز مشكلة الشباب من بين جملة المشكلات العنيدة، بشكلٍ يدعو للوقوف طويلاً، عند خطورة تداعيات تلك المشكلات، التي تستحيل إلى أزماتٍ، ستطل برأسها من حطام الأمس وضياع اليوم، إلى مساحات غدنا المجهول.

في البَدء كان الشباب السوري، وعلى مدى تسع سنواتٍ مضين، يشكلون الشطر الأكبر من الطاقات المهاجرة، خارج البلاد، والنازحة داخلها، وبهجرتهم فقدت سوريا الحامل الأهم.

وليس الحديث هنا عن الشباب المهاجرين أو النازحين وحسب، فلو قلَّبنا النظر في أعداد المعتقلين والمقاتلين والضحايا، من جميع الأطراف المتخاصمة، على الأرض السورية، لوجدنا أن وقود تلك المحرقة، في غالبيتها العظمى من الشباب، بين سن الثامنة عشر، والخامسة والثلاثين، والذين يشكلون الشطر الأكبر من طاقة العمل والإنتاج والعطاء، والذين نعتبرهم العمود الفقري لمستقبل سوريا، هذا العمود الذي نخر وتهتَّك نسيجه، من كثرة ما لحق به من ضررٍ مستدام.

وربما يكون فقدهم العميق للإحساس بالأمن والأمان، بالحاضر والمستقبل على حدٍ سواء، من أخطر أعراض الأزمة، التي يمر بها الشباب السوري اليوم. هذا الفقد يخلق حالةً مهيمنةً من القلق وضياع اليقين، وربما يأتي هذا متأثراً بالإيقاع العولمي، لنمط الحياة السائلة، السريع الإيقاع، الحاد التقلبات، المليء بالمفاجآت، والمتسم بفرط الاستهلاكية، والذي يستند إلى مجموعةٍ من المعطيات اللايقينية، بدءاً من تدهور أسعار العملات، مروراً بندرة فرص العمل، وندرة الاستقرار فيه، وصولاً إلى تساقط الرموز أو عدم وجودها أصلاً.

تلك الخيبات الكبرى المتكررة بالرموز، وممثلي الرأي العام، والقادة السياسيين، التي عبَّر عنها كثيرٌ من الشباب السوري، في الشكوى من عدم وجود قادة سياسيين مؤهلين، لإدارة هذه المرحلة الصعبة من تاريخ سوريا، إنَّما هم شاغلون لمواقع القادة الغائبين، سمح الفراغ بوجودهم، فكان جلٌّ عملهم الكفاح العنيد، للبقاء في تلك المواقع التي لا تشبههم، وكان الفشل انجازهم الوحيد الذي قدموه، وقد خرج الشباب السوري في بدايات الربيع العربي، خروجاً طهورياً بطولياً، في ظرفٍ سياسيٍّ وقمعي، هو الأسوأ على مساحة  الوطن العربي، ظنّا منهم أن الرائد لا يكذب أهله، فكانت النتيجة أن أضاعهم روّادٌ كثر، كلٌ يغني على ليلاه.

خرج الشباب السوري في بدايات الربيع العربي في ظرفٍ سياسيٍّ وقمعيٍّ معقَّد، وفي ظل نظامٍ أمنيٍّ هو الأسوأ في الوطن العربي، وكلهم أملٌ في تغييرٍ يكونون هم حاملي شعلته

ويزيد الطين بلَّةً استئثار القطاع الأكبر، من ممثلي المرحلة السابقة ورموزها السياسية (1960-2000) بمواقعهم، وعدم بذل أدنى جهد، ليكون لهم خلفٌ من شريحة الشباب، التي كبرت دون أن يكون لها أي إعدادٍ أو تأهيلٍ، يمكِّنها من الاطلاع بمهام السابقين، الذين لم يُخلوا مواقعهم، إلا بسبب الموت أو المرض المقعد.

ويظهر هذا واضحاً وبشكلٍ صارخٍ، في بنية التشكيلات والأحزاب السياسية السورية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فعلى سبيل المثال، جيل الستينيات من القرن المنصرم، والذين تتراوح أعمارهم اليوم بين الخمسين والستين عاماً، كان من الطبيعي أن يتسلم فريقٌ منهم مواقع القيادة من سابقيهم، بعد أن جاوزوا سنَّ الأربعين، أو أن يكونوا شركاء فيها، واقع الأمر، لم يصل كثيرٌ منهم إلى مواقع سابقيهم، باستثناء حالاتٍ قليلةٍ، وصلت لتلك المواقع لكن دون تأهيلٍ كافٍ، فكان وصولهم مخيباً للآمال، وعلَّةً من العلل المضافة.

لقد خرج الشباب السوري في بدايات الربيع العربي في ظرفٍ سياسيٍّ وقمعيٍّ معقَّد، وفي ظل نظامٍ أمنيٍّ هو الأسوأ في الوطن العربي، وكلهم أملٌ في تغييرٍ يكونون هم حاملي شعلته، وشركاء في صنعه وصياغته وإدارته.

لكن أحلامهم تصوحت، وكان عسف النظام الأسدي، بشراكة تخاذل المجتمع الدولي، وهشاشة الطبقة السياسية السورية، الهرم الذي صلبت عليه آمال هؤلاء الشباب.

كلٌّ هذا أفقد شريحةً واسعةً من الشباب، الإحساس بالانتماء، ودفعه للاستخفاف بهذه الهوية، التي طالما كانت الجزء الأهم من كينونته، إلى أن صار الهم الطاغي لديه، سعيه المحموم للخلاص الفردي، المختزل بالحصول على مستقرٍ آمنٍ، وفرصة عملٍ تمكنه من العيش بكرامةٍ، طالما افتقدها في بلده سوريا.

مع قتامة هذا المشهد السوداوي، يفاجئنا ويبهجنا ذلك الأمل العنيد الذي لا يموت، في نفوس هؤلاء الشباب، الذين إن خبت جذوة الأمل في نفوسهم، ضاع كلُّ حلم لنا في مستقبلٍ، ما زال رغم كلِّ شيء، الضوء الوحيد الذي نرقبه في نهاية النفق.