خيارات أميركا لمواجهة انتهاء حظر الأسلحة التقليدية ضد إيران

2020.08.14 | 00:07 دمشق

5a2e7ef295.jpg
+A
حجم الخط
-A

كثفت الولايات المتحدة منذ حزيران/يونيو الماضي جهودها لإقناع شركائها داخل مجلس الأمن الدولي لتمديد حظر الأسلحة التقليدية المفروض على طهران منذ 13 عاماً وسط معارضة روسية وصينية شديدة، وتأييد خليجي، وموقف أوروبي متأرجح، وتلوّح في الوقت نفسه بأنها سوف تتحرك بشكل منفرد وتفرض عقوبات شاملة على إيران في حال فشل المجلس في تمرير قرار جديد بتمديد الحظر، فيما تهدد إيران باتخاذ خطوات غير مسبوقة للرد، وتطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها جراء العقوبات المفروضة عليها.

طبيعة الحظر

في عام 2007 فرض مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 1747 حزمة من العقوبات الأممية في سياق الضغط على طهران للحد من أنشطتها النووية، من ضمن هذه العقوبات حظر شراء الأسلحة من إيران، وقيود طوعية من قبل الدول على تزويد إيران بالأسلحة الثقيلة.

تم تمديد هذا الحظر عام 2010 بالقرار 1929 الصادر عن مجلس الأمن والذي شدد العقوبات السابقة وطالب بمنع طهران من ممارسة أنشطة حساسة مثل تطوير صواريخ باليستية قادرة على نقل وحمل رؤوس نووية، وحظر عمليات التوريد أو البيع أو النقل إلى إيران لأي دبابات قتالية أو مركبات قتال مصفحة، أو أنظمة مدفعية ذات عيار كبير، أو طائرات مقاتلة أو طائرات مروحية هجومية، أو سفن حربية أو منظومات قذائف كما هو منصوص عليه في سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، بما فيها قطع الغيار وعمليات الصيانة، وشمل الحظر أيضاً تزويد إيران بأي نوع من التدريب التقني. 

وفي 14 تموز/يوليو 2015 وبعد مفاوضات شاقة استمرت أكثر من عشر سنوات تم التوصل إلى اتفاق بين إيران والدول الغربية (5+1) والاتحاد الأوروبي عرف باتفاق فيينا أو "خطة العمل الشاملة المشتركة" التي تم إقرارها من قبل مجلس الأمن بالقرار 2231 لعام 2015 الذي رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران بشكل تدريجي مقابل التزامها بالقيود الواردة في خطة العمل. ونص البيان المرفق بهذا القرار (البند 5) على رفع القيد المفروض على استيراد وتصدير إيران للأسلحة التقليدية - إلا بعد موافقة مجلس الامن- بعد مرور خمس سنوات من تاريخ اعتماد خطة العمل والذي يصادف في الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2020، لذلك تحاول الولايات المتحدة منع إيران من الاستفادة من هذا البند وتمديد حظر الأسلحة التقليدية إلى أجل غير محدود بسبب سلوكها التخريبي في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن في حزيران/يونيو الماضي الذي أشار إلى استخدام أسلحة إيرانية خلال الهجمات الصاروخية التي استهدفت منشآت نفطية شرق المملكة العربية السعودية العام المنصرم، وتهريب أسلحة فتاكة إلى النظام السوري وجماعة أنصار الله في اليمن.

وعلى الرغم من أن الحظر لم يمنع إيران على مدار السنوات الماضية من إرسال أسلحة متطورة إلى حلفائها في العراق واليمن وسوريا ولبنان بشكل سري، واستهداف منشآت حيوية لدول أخرى واشعال الحروب الطائفية، إلا أن رفع الحظر سوف يعزز من قدراتها العسكرية ويمنحها قدر أكبر من التحرك بحرية في استيراد وتصدير هذه الأسلحة لوكلائها والميليشيات التابعة لها في العديد من دول المنطقة. لذلك تقول الإدارة الأميركية إنها لن تسمح للنظام الإيراني بالعودة إلى استيراد هذه الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها بشكل يزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط، مؤكدة أنها ستعمل على صوغ قرار جديد للتصويت عليه في مجلس الأمن قبل انتهاء الموعد في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

مشروع قرار جديد

منذ ما يقارب الشهرين وزعت البعثة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة مجموعة عناصر تصلح لأن تكون أساساً لمسودة مشروع قرار لتمديد الحظر إلى أجل غير مسمى، ورغم المشاورات والتعديلات الكبيرة التي أُدخلت عليها خلال الأيام الأخيرة إلا أن بعض بنودها لا تزال تحظى بمعارضة شديدة من قبل روسيا والصين اللتين هددتها بإحباط أي مشروع قرار يخالف ما نص عليه القرار 2231 من خلال استخدام حق النقض (الفيتو).

وتقول روسيا إن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي وبالتالي فقدت حقها القانوني في محاولة استخدام القرار 2231 - الذي أيد الاتفاق- لتمديد الحظر إلى أجل غير محدود. في حين يؤكد الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة، أن أولويتهم هي منع إيران من الحصول على أسلحة نووية من خلال الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة وإبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، وأن تمديد الحظر المفروض على طهران قد يطيح بهذا الاتفاق، وهو ما يخشاه الكثير من الدبلوماسيون الغربيين خاصة في ضوء تأكيد إيران على أن تمديد الحظر سيعني نهاية الاتفاق.

وحتى الآن لا تبدو في الأفق أية مؤشرات تدل على أن مشروع القرار الأميركي بصيغته الحالية يمكن أن يمر داخل مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي – الصيني، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه موافقة أوروبية على تمديد الحظر لمدة قصيرة للخروج من هذا المأزق الدبلوماسي، خاصة وأن رفض المطالب الأميركية بشكل كامل سوف يشعل معركة دبلوماسية جديدة داخل مجلس الأمن الدولي بين مؤيدي ومعارضي تمديد الحظر على إيران.

آلية سناب باك

تعني آلية "سناب باك" إعادة تفعيل العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران بموجب قرارات مجلس الأمن ذوات الأرقام 1696 (2006)، و1737 (2006)، و1747 (2007)، و1803 (2008)، و1835 (2008)، و1929 (2010) التي أُنهي العمل بها عملاً بالفقرة 7 (أ) من القرار 2231 لعام 2015، بالطريقة نفسها التي كانت سارية بها قبل اتخاذ هذا القرار في حال اخلال إيران ببنود الاتفاق النووي، وهو ما تهدد باللجوء إليه الولايات المتحدة في حال فشل مجلس الأمن في تمديد الحظر، في حين يفضل الأوروبيين اللجوء إلى آلية حل النزاع المنصوص عليها في الفقرة 36 من خطة العمل الشاملة بدلاً من اللجوء إلى "سناب باك" مباشرة لأن إعادة تفعيل العقوبات تعني انتهاء الاتفاق النووي وهو ما لا تريده الدول الأوروبية حالياً.

ويبدو أن الإدارة الأميركية قد وقعت في خطأ كبير بسبب استعجالها الانسحاب من الاتفاق النووي، وكان عليها قبل ذلك أن تدرس قضية الانسحاب من كافة جوانبها القانونية وتطلب إثارة آلية "سناب باك" قبل إعلان الخروج الرسمي من الاتفاقية. لذلك تستند روسيا والصين على هذه الثغرة لمعارضة جهود واشنطن في تمديد الحظر على إيران وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الصيني بقوله إن (بند "سناب باك" في الاتفاقية النووية لا يسمح للولايات المتحدة بمطالبة مجلس الأمن بتفعيل الآلية لأن واشنطن لم تعد طرفاً في الاتفاقية)، وهو ما أكده أيضاً مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن في أكثر من مناسبة.

هذا الكلام صحيح من الناحية المبدئية، إلا أن المسألة ليست بهذه السهولة وهي في غاية التعقيد، فالالتزامات المفروضة على أية دولة في مجال حظر انتشار الأسلحة النووية بما فيها إيران ليست مقتصرة على ما ورد في اتفاق فيينا فهناك التزامات منصوص عليها في معاهدة حظر الانتشار واتفاقية الضمانات الموقعة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والقواعد الراسخة في القانون الدولي العام. وبالتالي إذا ما خالفت إيران أي من هذه الالتزامات فيحق للولايات المتحدة تقديم شكوى ضدها إلى مجلس الأمن الدولي. إضافة إلى أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لا يعني أبداً انتفاء أي صلة لها بالنزاع النووي مع إيران، كما أنه لا يعني أنها باتت خارج قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015 الذي أيد خطة العمل الشاملة المشتركة وهو ما يعني أن واشنطن لا تزال تحتفظ بحقها وفقاً لهذا القرار بتقديم شكوى ضد إيران بغية تحريك آلية إعادة فرض العقوبات تلقائياً، المسماة "سناب باك" باعتبار إيران خرقت الاتفاق النووي في الكثير من البنود المنصوص عليها خاصة فيما يتعلق بنسبة تخصب اليورانيوم وكميته وتشغيل أجهزة الطرد المركزية ومفاعلات المياه الثقيلة.

خيارات محدودة

لا شك أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت طيلة السنوات الماضية على إيران هي من ساهم في جلبها إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق عام 2015، لذلك تهدد الولايات المتحدة باللجوء إلى كافة الخيارات لإعادة تفعيل العقوبات على طهران إذا لم يتم تمديد الحظر، عبر استخدام آلية "سناب باك". لكن في حال فشل جميع جهودها الدبلوماسية داخل مجلس الأمن ستلجأ إلى عقوبات فردية شاملة من خلال معاقبة الشركات والاشخاص الذين يتاجرون مع إيران بالأسلحة التقليدية وتقنيات الصواريخ البالستية، حتى بعد انقضاء قيود الأمم المتحدة.

على الصعيد ذاته، يشكك الأوروبيون في إمكانية إعادة العقوبات بالشكل الذي تريده واشنطن، ويحذرون من أن ذلك يمكن أن يقوض شرعية مجلس الأمن. أما على الجانب الإيراني، فيرى مراقبون أن إيران يمكنها الابتعاد عن الاتفاق النووي إذا تم تمديد الحظر أو إعادة فرض العقوبات عليها، وذهب البعض إلى إمكانية انسحاب طهران من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية كما سبق أن فعلت كوريا الشمالية الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة ومن شأنه أن يسرع من خططها لتصنيع قنبلتها النووية الأولى.

ويبدو أن الولايات المتحدة ماضية بشكل منفرد في منع إيران من الاستفادة من البند الخاص بانتهاء صلاحية الحظر المفروض على استيراد وتصدير الأسلحة التقليدية في تشرين الأول/اكتوبر المقبل لذلك تضغط في كل الاتجاهات للتوصل إلى صيغة معينة تحقق مصالحها، خاصة وأنها لم تعد تملك العديد من الخيارات القانونية بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، ويبدو أن تعيين "أليوت أبرامز" منسقاً أميركياً جديداً لشؤون إيران خلفاً لــ "براين هوك"، مؤشراً على صعوبة المأزق القانوني الذي وقعت فيه الولايات المتحدة وتفاقم الصراع بينها وبين وطهران، باعتباره يتبنى مواقف تدعو إلى تغيير النظام في طهران وتبني النزعة العسكرية لمواجهة أنشطة إيران في منطقة الشرق الأوسط.

 أما فيما يتعلق بالموقف الأميركي من الاتفاق النووي بشكل عام فهذا مؤجل حتى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإذا فاز "دونالد ترامب" بولاية ثانية فإنه سيعرض إعادة الدخول في اتفاق جديد، وهو تقريباً نفس الموقف الذي يتبناه المرشح الديمقراطي "جو بايدن"، إذا امتثلت إيران بالتراجع عن خروقات الاتفاق النووي مقابل منح طهران تخفيفاً محدوداً للعقوبات.