خمسون ليرة وأقل فساد.. وملايين منهوبة عدالة اجتماعية وتكافؤ فرص

2018.11.20 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

خمسون ليرة سورية فقط.. انشغلت فيها مواقع التواصل الاجتماعي.. وبعد جهد جهيد تبين أنها سبب خراب الاقتصاد الوطني وانهيار الليرة السورية..

وكما تعودنا من تصرفات وقحة من الحكومة السورية والقائمين عليها.. يقرر وزير الداخلية بعد أن ملّ الجلوس في مكتبه أن يكون بطلاً قومياً لأيام.. ويمسك بيده السيف الذي سيحارب به كل من يرّوج للفساد..

يتجول ضمن أروقة وزارته.. أو أحد فروعها.. لم يقرب عميداً ولا لواءَ.. فهم صيد ثمين ولا طاقة له به.. تململ قليلاً إلى أن وجد ضالته.. بشري صغير بدون رتب ولامناصب.. مجرد عجوز على أبواب التقاعد.. فليجعله بطل قصته وكبش فداء محرقته..

أمام الكاميرات والمراجعين يتم تصوير مقطع فيديو.. ليعرض على كافة الشعب السوري الموجود حالياً

الوضاعة التي رتبت بحق هذا الرجل المسكين حتى لو كان مرتشياً.. هي جريمة أخلاقية كبيرة

بكل أصقاع الأرض.. ويجسد شخصية العجوز المرتشي بخمسين ليرة.. والوزير الفارس المغوار الذي سينقذ البشرية والذي استطاع بحنكة منه أن يسحب إبرة بخمسين ليرة من كومة قش بالمليارت وظهر الحق وزهق الباطل.. وأصبح الجميع يتكلم بالعفة والشرف وعزة النفس.. فالمعروف.. عندما تقع البقرة تتكاثر سكاكينها..

وعاد الوزير مزهواً.. منتصراً بقضائه على بؤرة الفساد بخسارة وقدرها بشري ضئيل حقير.. و"خمسين ليرة سورية فقط"..

لكن سعادته وزهوه لم يدم طويلاً فمقطع الفيديو جعل الشعب السوري يتفق أخيراً على أن الوضاعة التي رتبت بحق هذا الرجل المسكين حتى لو كان مرتشياً.. هي جريمة أخلاقية كبيرة.. لينقلب السحر على الساحر ويتعاطف الجميع معه.. لا بل يسخّفون مبلغ خمسين ليرة سورية مقابل خدمة تقرير طبي

لتكون الطامة الكبرى بعد قليل.. أن الرجل أصلاً لم يكن مرتشيا.. وأن مبلغ الخمسين ليرة الذي أخذه لم يكن سوى حصة 15 % مقابل بيعه التقارير.. وبالتالي ليخرج الرجل بريئاً مما نسب إليه..

وليعتبر ذلك خطأً فردياً شخصياً.. أودى بكرامة الرجل وسمعته إلى الهاوية..

أما الخبر الذي يتكلم عن جعله مرتشياً انتشر كالنار في الهشيم.. بينما الخبر الذي يبين الحقيقة لم يلق بالاً ولا اهتماماً..

ويبقى لهذا الرجل السمعة السيئة التي لحقت به والتي ستلاحقه لفترة لن تكون قصيرة.. ويبقى لهذا المسؤول برتبة وزير أن يتم التغاضي عن أخطائه كما اختلاساته المتراكمة..

وهنا لا أستطيع أن أنسى الاختلاسات التي ظهرت بـ 100 مليار ليرة سورية في وزارة الاتصالات دون أن يحرك أحد ساكناً..

ولو أن هذا الرجل المسكين فقط يفكر أو يتلقى نصيحة قانونية.. لاستطاع أن ينال من الوزير قانونياً ويجعل من قضيته قضية رأي عام..

فقط لو يرفع دعوى إلى المحكمة بجرم الذم والقدح والافتراء والتشهير.. ويستند إلى ادعائه بنص المادة (375) من قانون العقوبات والتي تنص على:

  • الذم هو نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته.

فالذم إذن هو إسناد واقعة محددة من شأنها أن تؤدي إلى احتقار من وقع عليه الفعل، وتنال من شرفه وكرامته كاتهام شخص بالسرقة أو التزوير، وغيرها من التهم التي تستوجب معاقبة المتهم.

والغاية من هذا النص القانوني هي حماية الشرف والكرامة والاعتبار لدى الشخص مما يمسه من أفعال خطيره من خلال إسناد وقائع قد تحتمل التصديق والاحتمال لدى السامع أو القارئ أو المشاهد، ولما تتخذه من علنية تؤدي إلى سقوط شرف واعتبار وكرامة المجني عليه لدى طائفة كبيرة من الناس وهو يؤدي إلى خطر جسيم ذو عواقب وخيمة لا حصر لها. كاختلال الثقة بالمجني عليه من قبل من يتعامل معه، وما يؤدي أخيراً هذا الجرم من إيلام نفس وشعور المجني عليه.

وقوع الفعل علنية: فالفعل لا يقوم إلا بعمل أو حركة يحصلان في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.

وتأتي المادة (570) من قانون العقوبات السوري لتوضح العقوبة المترتبة على التشهير:

إذا وقع جرم الذم أو القدح على رئيس الدولة أو إلى المحاكم أو الهيئات أو المنظمات أو الجيش أو الإدارات العامة أو إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته فإنه يعاقب عليه: بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا وقع على رئيس الدولة.‏

بالحبس سنة على الأكثر إذا وجه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة

المجرم حتى عندما يقوم بجريمته يتم الإشارة إليه بالأحرف الأولى من اسمه دون ذكر اسمه.. فكيف بالتشهير عبر مقطع فيديو وأمام كل وسائل الاتصال المتاحة.. دون دليل مثبت!!!!

أو الجيش أو الإدارات العامة أو وجه إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته بالحبس ثلاثة أشهر على الأكثر أو بغرامة مئة ليرة سورية إذا وقع على أي موظف آخر بسبب وظيفته أو صفته.‏

فالمجرم حتى عندما يقوم بجريمته يتم الإشارة إليه بالأحرف الأولى من اسمه دون ذكر اسمه.. فكيف بالتشهير عبر مقطع فيديو وأمام كل وسائل الاتصال المتاحة.. دون دليل مثبت!!!!

ولو عدنا بالمقطع لنرى الوزير كيف يتخطى كل السلطات ويقول للشرطي الذي بقربه.. ((افصلوا من الشغل وحيلو عالقضاء))

كما في كل التصرفات الديكتاتورية في سورية.. لا احترام لقانون ولا لحريات..

كل من بيده سلطة يستطيع بمبدأ عدم فصل السلطات المعمول فيه في سوريا أن يكون القاضي والجلاد والسجّان كذلك..

ويبقى لنا أن نتذكر النفط السوري الذي سرق على مدى أكثر من خمسين عام بحجة أنه لا يدخل موازنة الدولة و40% من وارداته تدخل لوزارة الدفاع كوننا بلد يعاني من التهديد المستمر حسب زعمهم.

وعندما لجأ النظام إلى استخدام أسلحته لقتل شعبه لم يكن لديه أكثر من طائرات يعود زمنها إلى حرب 73 وكميات فاسدة من البارود التي تم وضعها في براميل للتخلص منها عبر رؤوسنا.

فكم من خمسين ليرة مرت مرور الكرام.. وأية سرقة كبرى تعرضنا لها نحن الشعب السوري أمام مرأى كل الحكومات دون أي حساب أو رادع.

فقط لو يتشجع ذلك البشري الفقير ويقرر أن يسترد حقه بالقضاء..

فقط لو نرفع رؤوسنا من جديد.. لا للظلم.. لا لسرقة جيوبنا.. لا لهدر كرامتنا وطردنا من بلادنا..