خطوات تصحيح التضليل الإعلامي ضد السوريين في تركيا

2022.04.24 | 06:46 دمشق

9483f69e-5c86-41b1-b8d1-ebeb87266514.jpeg
+A
حجم الخط
-A

من المؤكد أن المرحلة التي تمر بها تركيا حالياً هي من الأوقات الأشد على السوريين خلال سنوات اللجوء إلى البلاد التي احتضنتهم خلال عقد من الزمان، وسبب هذا الاشتداد هو تراكمات اجتماعية سببتها خطابات أحزاب وشخصيات سياسية بهدف كسب أصوات الناخبين في الانتخابات، في ظل عدم تحييد الموضوع السوري ليكون فوق التجاذبات السياسية، ولحق به تبعات اقتصادية نتيجة تطورات داخلية وخارجية وأحداث عالمية وارتفاع أسعار وحروب، في ظل جمود بمسار الحل السياسي السوري، وغياب أفق الحل الذي يضمن كرامة السوريين وأمنهم لكي يعودوا إلى قراهم وبلداتهم، ليشكل الوجود السوري في تركيا فرصة للاصطياد بالمياه العكرة من قبل بعض الشخصيات والأحزاب السياسية، ومن قبل إعلام موجه من جهات خارجية.

ويمكن الحديث هنا عن عدة أسباب تقود إلى هذه الحملة، من أهمها محطة الانتخابات التي تنتظرها البلاد العام المقبل، ولكن السبب المهم أن الدعوات الموجهة من الأحزاب السياسية المعارضة تلقى قبولا لدى الشارع التركي، وهنا يجب التركيز على أسباب اقتناع شريحة من الشعب بما يتم سوقه من مزاعم من قبل هذه الأحزاب، حيث تركز أغلبها على الأوضاع الاقتصادية، وحالة البلاد، وتحميل السوريين مسؤوليات وتبعات ما يحصل، ومن المؤكد أن سبب ذلك يعود إلى جملة من الشائعات التي رغم نفيها إلا أنها لم تصل إلى المواطن العادي الذي لم يحتك بعد بالسوريين أو تواصل معهم ولم يدرك حقيقة الأمور حتى الآن.

اللقاءات الرسمية التي تجري وإن تطرقت لهذه القضايا تظهر أنه من الواضح أن ثمة جهود يجب عملها من أجل تصحيح التضليل والتدليس الإعلامي الممارس

من جملة ما يطرح مجتمعياً حصول السوريين على رواتب من الدولة التركية، وإعفاء التجار من الضرائب، ودخول الطلبة السوريين للجامعات دون امتحانات، وأن الأفضلية لهم في المشافي الحكومية، ويتم توظيفهم في مؤسسات الدولة دون اختبارات بطريقة أسهل من المواطنين الأتراك، كما يتم سوق أن سوريا لم يعد بها حربا، والأوضاع الأمنية مستقرة، وهو ما يفتح باب العودة إلى بلادهم، والدليل هو زيارات العيد التي تتم منذ سنوات، ورغم النفي الرسمي بأن الرواتب هي عبارة عن مساعدات بطاقة الهلال الأحمر من الاتحاد الأوروبي، وأن لا صحة للإعفاء الضريبي أو دخول الجامعات دون امتحانات، أو التوظيف من دون اختبارات، والحديث أن العملية السياسية متوقفة وأن الزيارات هي لمناطق آمنة شكلتها تركيا بهدف تشجيع السوريين على العودة، كلها لا تلقى آذانا من السياسيين وبعض الشرائح التي تؤمن بهذه الشائعات.

اللقاءات الرسمية التي تجري وإن تطرقت لهذه القضايا تظهر أنه من الواضح أن ثمة جهوداً يجب عملها من أجل تصحيح التضليل والتدليس الإعلامي الممارس من قبل هذه الأطراف، وهذا يضع جميع السوريين وخاصة من لديهم الصدارة في قيادة المجتمع وتمثيله والمؤسسات الإعلامية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، والسعي للنأي بالموضوع السوري عن أي مناكفات سياسية داخلية، خاصة أن الوجود مؤقت ومرتبط بالتطورات السياسية في المنطقة والعالم وانعكاس ذلك على الحل السياسي السوري، حيث إنه من المؤسف أن تنتهي سنوات من اللجوء بهذه الطريقة التي جعلت السوريين يضطربون ويشعرون بقلق شديد مما يجري، وأفقدتهم القدرة على التركيز بحياتهم الجديدة، وهذا يمكن عبر ما يلي:

  1. إعلام احترافي موجه باللغة التركية وهذه الحلقة المفقودة الأهم ضمن سلسلة الخطوات التي يجب على السوريين القيام بها، وهذا يحمل المؤسسات الإعلامية مسؤولية تاريخية كبرى بأن توجه جزءاً من خطابها إلى الشارع التركي بلغة احترافية قادرة على الإقناع، تصل إلى الشريحة الاجتماعية التركية عبر قنوات عديدة، ومنصات متاحة، وهو لا يعني بالضرورة أن تكون قناة تلفزيونية متكاملة بحاجة لميزانيات ضخمة، قد تكون عبر مواقع وحوارات مسجلة تنشر عبرها، ويتم استخدام المنصات المتاحة، وهو ما يقلل من التكاليف ويرفع من قيمة الأداء وما تأثر الشارع التركي بشائعات الأحزاب السياسية إلا لغياب كثافة الرد عليها بوسائل إعلامية مختلفة وبلغة تركية سليمة وبمؤثرات تشرح حقائق الأمور وتقدم بقوة ناعمة حالة السوريين الطارئة في طريق تحييد الموضوع السوري عن المناكفات، والعمل الإعلامي بالنهاية بحاجة إلى تمويل ودعم مالي.
  2. استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف من قبل الإعلام السوري، نظرا للإقبال الكبير عليه من قبل المواطنين الأتراك، والمشاركة في الأحداث اليومية بشكل دائم عبر حملات مكثفة من المنشورات والمؤثرات البصرية الاحترافية التي تركز على القوة الناعمة، بشكل قادر على الإقناع، ولا بأس بالاعتماد على أطراف تركية احترافية في هذا الصدد لتوجيه الحملات في بدايتها، حيث إنَّ غالبية الشرائح التي لديها مواقف سلبية معلنة هي من الطبقة العاملة التي يبلغ حجمها الملايين في تركيا وخاصة في المدن الكبرى كإسطنبول، إذ إن ساعات العمل الطويلة لا تسمح لهم بمتابعة التلفزيون إلا بأوقات محددة، فيما يمكنهم متابعة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستمر خلال ساعات النهار والليل.
  3. الاهتمام بالمحتوى المقدم عبر وسائل الإعلام الناطقة بالتركية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال التركيز على دحض الشائعات من جهة، والحديث عن حقيقة الأوضاع في سوريا من جهة ثانية، حيث يعتقد كثيرون أن توقف الحرب يعني عودة السوريين دون أن يدركوا تفاصيل وحساسية مقاربة النظام مع الشعب السوري وملاحقتهم واعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم في السجون، توقف الحرب لا يعني أن الأجواء متاحة لعودة السوريين إلى بلدانهم ومناطقهم وأن الخطر الأمني والأسباب الموجبة لنزوحهم ولجوئهم ما زالت قائمة باستمرار عمل الأجهزة الأمنية القمعية واستمرار وجود قوائم المطلوبين وشرح أسباب ذلك، فضلا عن بيان الفرق بين المناطق الآمنة التي يزورها السوريون في الأعياد وبين المناطق الأخرى التي يسيطر عليها النظام في سوريا.
  4. حراك على مستوى المؤسسات والمنظمات وهو يشمل مؤسسات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بلقاء نظرائهم من المؤسسات والمنظمات التركية، وعقد لقاءات ودية دورية تشمل تبادل الآراء والمعلومات والمعطيات وعقد حوارات ومناقشات ومناظرات معها، على الصعيد الإعلامي أو الإغاثي أو الإنساني، ومن خلال الجمعيات ولقاءاتهم، كما يمكن للمؤسسات السورية المختلفة الموجودة في تركيا، تشكيل لجنة مشتركة تعقد لقاءات مع مخاتير الأحياء والمناطق التركية، وخاصة الولايات التي تشهد وجودا مكثفا من السوريين ويمكن طلب عقد هذه الاجتماعات مع لجان شعبية من المخاتير وأعيان الأحياء، وضرورة المرحلة تتطلب حراكا مكثفا في هذا الإطار، فالجهود المجتمعية مهمة للاستماع وتبادل وجهات النظر وطلب تحييد الموضوع السوري عن التجاذبات السياسية.
  5. تعزيز تعلم اللغة التركية إضافة إلى الحفاظ على اللغة العربية، حيث إن تعلم اللغة يقرب بشكل كبير من تعلم الثقافة التركية ومعرفة مكامن التأثير المجتمعي في المناقشات والأحداث التي تجري، وكشف الزوايا التي يجب الدخول منها من أجل نقل الحقائق للأتراك، وتعلم التركية يسهم بشكل كبير في معرفة الحساسيات المجتمعية ما يسهم في تخفيف التوترات إن حصلت، واحتواء أي إشكالية تحصل، وتعلم التركية لا يعني التخلي عن العربية، على العكس فإن الحفاظ على الهوية مطلوب كما هو مهم خطاب المجتمع المستضيف من أجل مزيد من التقارب.

الخطوات السابقة أعلاه هي الخطوط العريضة الواضحة التي يمكن أن تفصل بآليات عمل أكثر تفصيلا يمكن من خلالها أن يبذل السوريون جهودا داعمة للجهود الموجودة من قبل أطراف تركية سواء كانت رسمية أو إعلامية أو عبر المؤسسات، حيث إن جهود هذه الجهات التركية بالنهاية محصورة بشريحة معينة، توافقها الرأي والتوجه، ولكن المهم هو الوصول إلى جميع شرائح المجتمع عبر هذه الخطوات العقلانية، وهي دعوة موجهة لكل سوري بمكانه ومقامه ومسؤولياته بأن يأخذ زمام المبادرة وخاصة التحرك المؤسساتي الإعلامي والرسمي والمدني.