خطاب الكراهية الذي يجمعنا

2021.04.10 | 07:05 دمشق

5bc14d18be539-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

قد يبدو استنتاجاً غريباً ومريراً في أننا شعب باتت الكراهية قاسماً مشتركاً بين مكوناته، وأسقطت سنوات الحرب محفوظاته عن المصير الواحد والدم الواحد والثقافة المشتركة، وصار من ذاكرته البعيدة شعار الشعب السوري واحد الذي رفعه المتظاهرون الأوائل في الشوارع الضيقة بعد أن صرعهم رصاص الإخوة الأعداء.

المصير الواحد أضحى مصائر متعددة، وهذا لسان حال المتعاركين على مواقع التواصل وخطاب بعض وسائل الإعلام، فالسوري ليس فقط ذاك الموالي وهذا المعارض بل هو سوري الداخل وسوري الخارج، ولكلٍ منهم روايته عما حصل وماذا سيكون، ومن يتحمل الوزر في الكارثة، ومن يحق له أن يكون مواطناً، ومن هم ولاة الدم وصولاً إلى أيّ الدم المراق أكثر طهرانية وتقديساً.

سيحرك منشور على الفيس بوك هشاشة المشهد الاجتماعي الذي كان متوافقاً عليه في التعبير عن متانة النسيج الوطني

اختلطت الرؤى المتصارعة بعد أن خرجت سلطة الأسد من كونها بؤرة الخلاف الأهم، واستولدت السنوات المديدة للموت، وتدخلات الآخرين واستثماراتهم لهذا الخراب أشكالاً أشد خطورة على مستقبل البلاد، وهكذا استفاقت الطبقية والعرقية والمذهبية والبداوة وصراعات الريف لتضاف إلى الطائفية شماعة الموت الأولى التي أشعلها النظام كفاتحة لكل هذه الانقسامات النائمة.

سيحرك منشور على الفيس بوك هشاشة المشهد الاجتماعي الذي كان متوافقاً عليه في التعبير عن متانة النسيج الوطني، وسيقول صاحبه إن البداوة طالما ارتبطت بالتخلف والعمالة، ويرد عليه من يكيل التهمة إلى الدمشقيين على أنهم كانوا دائماً في صف النظام الحاكم مهما كان شكله وانتماؤه.

ستحرك المواجع الاقتصادية وهامش الفقر المتسع، وانهيارات الليرة، واقتصاد البلاد، ومشاعر الكراهية بين من يسمون أنفسهم الصامدين في الوطن ضد من خرجوا، وسيحملونهم مسؤولية ما يحصل لهم على الأقل في أنهم قفزوا من القارب المثقوب ونجوا من شراكة العتمة والجوع والمرض.

سيرى آخرون في طوابير الخبز والوقود أحد أشكال انتقام الله من أولئك الذين وقفوا مع النظام وقتلوا إخوتهم، وأولئك الذين اختاروا الصمت والفرجة على موت من ثاروا في وجه الطاغية، ويرد عليهم طرف آخر بأن الشماتة في الميت حرام.

سيكرر آخرون مقولة إن ما حصل في البلاد ليست ثورة وطنية جامعة بل ثورة فلاحين وجهلة اختاروا الخراب كتعبير عن أحقادهم الطبقية، وأن المدن بقيت ساكنة راضية مستقرة وإن خرجت قليلاً لكنها عادت إلى رشدها سريعاً لتنجو من الفوضى.

اللاجئون أيضاً لهم حصة في خطاب الكراهية السوري فالثلوج التي ستدفن مخيمات لبنان، والأمطار التي ستغرق مخيمات الشمال هي فقط جزاء من أراد وطناً بديلاً فليذوقوا مرارة الحرمان، وإن برد الاستقرار وقلة الحيلة في الوطن أقل وطأة من هناءة العيش على حدود الجيران القاسية.

صور اللاجئين السوريين الغرقى في البحار وعلى سكك حديد الهروب استثارت ابتسامات وقهقهات من كانوا يعتقدون أن الأيام التي ستلي إعلان النصر ستكون أياماً طويلة من الرخاء في المجتمع السوري المنسجم الذي وعدهم به الأسد.

في المقابل احتفى كثير ببيته الجديد في مالمو وبرلين وضواحي باريس ومونتريال، ونشر صور الطبيعة الخلابة وشلالات نياجارا وقارنها بصور البؤس في وطن سابق تركه لجموع المؤيدين.

أمام كل هذا القيح الوطني هناك من يبحث عن زوايا تقزّم الهمّ السوري كأن يكون خلع امرأة لحجابها قضية وطنية يجب التوقف عندها

 صور الطعام والولائم مقابل صور الجوع ونكش حاويات القمامة، وخطاب النسوية مقابل حملات التنمر، المخيمات الغارقة مقابل صور دمشق القديمة، الطين والثلج في مواجهة الطوابير والتسول، المدنية مقابل البداوة والشوايا، الوطنية الضيقة التي ترى الوطن في شخص الرئيس مقابل الوطنية التي تراه خارج الكادر، وخريطة مقابل خريطة فهي صفراء هنا وخضراء هناك وحمراء في الوسط.

أمام كل هذا القيح الوطني هناك من يبحث عن زوايا تقزّم الهمّ السوري كأن يكون خلع امرأة لحجابها قضية وطنية يجب التوقف عندها، وأن تتجرأ ناشطة في الحديث عن الجنس أمرأً يجب ألا يمر دون عقاب وسجال، وهكذا يمكن أن نصل إلى استنتاجنا الذي يبدو مستغرباً للبعض: هل بات خطاب الكراهية يجمعنا؟.