خطاب الدكتاتور: عندما يصبح الكذب مستحيلاً

2022.06.17 | 05:54 دمشق

بشار الأسد
+A
حجم الخط
-A

استمعت لمقابلة بشار الأسد الأخيرة على قناة روسيا اليوم بالعربية، كونها المقابلة الأولى التي يجريها منذ فترة بعيدة، وربما لم يعد يجد جديداً يكذب عليه فأصبح لا يعرف كيف يسوغ للكذبة ذاتها، فأطرف ما قاله عندما سئل عن العملية العسكرية التركية المتوقعة شمالي سوريا، أجاب بأنه ليس لدينا الإمكانات العسكرية لكنه حرّض على المقاومة الشعبية ضد "الاحتلال" التركي والأميركي.

كرّر الأسد ذاته قصة المقاومة الشعبية منذ أكثر من خمس سنوات وكأنه لم يعرف وضع السوريين لديه من فقر وتشرد وبؤس، حيث أشارت الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90% تحت خط الفقر، وكأنه لم يسمع بأن السوريين نصفهم أصبح مهجّراً وثلثهم أصبح يعيش تحت كنف هذا الاحتلال، داعياً الله أن يتخلص من الاحتلال الحقيقي حيث الأسد.

والكذبة الأخرى الخاصة بالمعتقلين السياسيين، حيث أجاب "ليس لدينا معتقلون سياسيون" وهي الكذبة التي ما فتئ يكررها منذ أكثر من عشرين عاماً، وكأن كل شهادات مئات الألوف من السوريين وصور أهالي المعتقلين ليست حقيقة.

اشتهر الأسد دولياً بالكذب وربما عبارة وزير الخارجية الأميركية كولن باول الشهيرة عندما وصفه بأنه "كذب علي" ردّدها الكثير من المسؤولين من بعده عند لقائهم به، وهو ما جعله أشبه بالألعوبة التي لا تحترم كلمتها وقرارها، فهو ليس جديراً بالثقة أو بأي كلمة تخرج من فمه لا سيما أنه يكذب دوماً وأبداً. وهو لذلك من شدة كذبه أصبح الكذب نفسه الحقيقة الوحيدة ومن المستحيل أن تصدق أية كلمة يتفوه بها.

يبدو الأسد من المقابلة أيضاً مفزوعاً من نتيجة الحرب في أوكرانيا، فقد انشغلت روسيا بمصيرها واقتصادها ولم تعد مكترثة له أو لمصيره، وهو ما يفسر التصعيد الإسرائيلي في مطار دمشق من دون أن يكون هناك رد فعل روسي على الإطلاق

يبدو الأسد من المقابلة أيضاً مفزوعاً من نتيجة الحرب في أوكرانيا، فقد انشغلت روسيا بمصيرها واقتصادها ولم تعد مكترثة له أو لمصيره، وهو ما يفسر التصعيد الإسرائيلي في مطار دمشق من دون أن يكون هناك رد فعل روسي على الإطلاق، وربما يتوقع الأسد المزيد في المستقبل.

تعرف روسيا أن الحاجة الدولية لنظام الأسد ربما انتهت تماماً، فقد استطاعت الولايات المتحدة ومن خلفها الحلفاء الأوروبيون في استعادة معظم المناطق من تنظيم داعش وعلى رأسها الرقة من دون التنسيق أو التعاون مع النظام السوري، بالتالي استهلكت ورقة "محاربة الإرهاب" التي غالباً ما يتذرع بها النظام لدعوة الأطراف الغربية للحوار معه. وبالتالي يعيش الأسد على أمل تغير المعادلات في أوكرانيا لكنها من الواضح أنها تجري لعكس صالح روسيا.

الأسد اليوم بعيون المجتمع الدولي – ربما باستثناء الرئيس بوتين – هو مجرم حرب بعد كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، وهو ما وثق في مئات التقارير من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة وغيرها الكثير الكثير من المنظمات الدولية، وبالتالي كُلفة أي دعوة للقاء بالأسد أو مساعدته ستكون مكلفة للرأي العام الغربي، وبالمقابل ليس هناك ضمانات أنه سيحصل على أي شيء مفيد بالمقابل من الأسد.

قدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام السوري تصطدم بعقبة رئيسية وهي الرأي العام الغربي الذي لن يتقبل أية محاولة لتعويم "مجرم حرب" أضحت جرائمه في كل بيت وعلى كل هاتف (بسبب ثورة التواصل الاجتماعي)

وبالتالي قدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام السوري تصطدم بعقبة رئيسية وهي الرأي العام الغربي الذي لن يتقبل أية محاولة لتعويم "مجرم حرب" أضحت جرائمه في كل بيت وعلى كل هاتف (بسبب ثورة التواصل الاجتماعي)، وخلف ذلك بالطبع تقف مجموعة من التشريعات والقوانين في البرلمانات والكونغرس الأميركي التي تجعل قضية أي اتصال مع حكومة الأسد أو حتى رفع العقوبات عنه من المستحيلات في الوقت الحالي. وأولها قانون قيصر.

يحصد الأسد اليوم حصاد كذبه المستمر، لكن الشعب السوري للأسف هو من يدفع الثمن الأكبر، حيث البؤس والفقر والتعذيب، لكن يبقى أمل السوريين أن جهود روسيا في إعادة تأهيل الأسد ستتبدد كما تبددت أحلامها سابقاً فيما يسمى إعادة الإعمار.