خادم سيدين

2021.05.20 | 06:20 دمشق

qqivdebssu.jpg
+A
حجم الخط
-A

تهيمن الإمبراطورية على مستعمراتها، فيحيل الإمبراطور قادة البلاد التي احتلها، وسلمت أمرها لجيشه إلى دمىً، يحركها أمام العالم، ويبقي يده فوقها، لتكون أدوات تعمل بأمره وسلطته وبإرادته.

إنه ليس مضطراً حتى دبلوماسياً، لأن يتحكم بها من الخلف، كما في مسرح العرائس، حيث تظهر الشخصيات أمام الجمهور بينما تختفي أيدي المحركين.

بل لا بد له من أن يظهرها قزمة، وتابعة. وقليلاً قليلاً، سيصبح من الطبيعي أن يتماهى هؤلاء القادة، مع من يسيطر عليهم، ليكونوا صورة عنه، يتشبهون به، ففي هيئته وشكله القوة، وماذا يحتاج الذليل التابع، سواها ليقنع الآخرين بأهميته!

الحكايات التي ينقلها التاريخ عن العملاء المحليين للمحتلين، تفصّل في التماهي بين ثقافة هؤلاء وثقافة المستعمرين، ولا سيما في الجوانب الحياتية، إذ يطبع المسيطرون المكان وتفاصيله بطابعهم، ويصير أن يلبس الناس من ثياب صاحب القوة والسيطرة، ويسمعون موسيقاه وأغانيه، ويأكلون من طعامه، ويشربون من شرابه.

وهكذا صار متوفراً وحاضراً الحديث عن الأثر، الذي تركته الحقبة الاستعمارية في البلاد التي غزتها الدول القوية.

كما يزخر هذا التاريخ أيضاً بصور لقادة في الشرق الأقصى والأدنى، يظهرون فيها وكأنهم ينتمون إلى ثقافة مستعمرها، لكن ملامح الوجوه، تبقيهم، خارج دائرته المركزية، فهم على الأطراف، ولا بد سيبقون!

انتهت عملياً تلك المرحلة، بعد الحرب العالمية الثانية، وبدلاً من أولئك القادة الذين يوصم تاريخهم بالعار، صار للدول المستقلة قادتها، الذين كانوا يرددون دائماً شعارات عن الاستقلال، ودعوات التخلص من إرث المستعمرين.

الديكتاتوريات أحالت الدول المستقلة حول العالم إلى بلاد يتحكم بها استعمار محلي، يستغل مقدراتها، ويرتبط عملياً مع الدول المستعمرة السابقة.

وفي عهودها، صار الحديث عن الاستقلال، أشبه بمزحة ثقيلة الظل، وأفق ملبدٍ بالكارثة! تفصح عنه عبارة ابن خلدون الشهيرة: "الطغاة يجلبون الغزاة"!

وبعد أن تقع المصيبة، ويأتي بشار الأسد، بالغزاة إلى سوريا، فيتناسب فعله المحقون بالكراهية والحقد على الثائرين، مع تمددٍ للسيطرة والتحكم الديني الطائفي الإيراني.

فتحتل مناطق سيطرته ميليشيات شيعية مقاتلة تعمل في خدمة المشروع الإيراني، لم تكتف بالدور العسكري المرسوم لها، بل جاءت أيضاً بحمولة ثقافية من الممارسات الطقوسية الدينية، وأنماط محددة من الأشكال التي يجب أن يكون مقاتلوها على هيئاتها، وأغانٍ ولطميات، انتشرت في مناطق وجودها، فتماهى معها مؤيدو النظام، وصاروا على شاكلتها.

ولهذا، سينقل كل من تحدث عن تجربته في المرور على الحواجز في مناطق النظام، أنه كان يرى جنوداً سوريين بلحى طويلة، وعصبات على الجباه، تحمل شعارات إيرانية أو "حزبلاتية"!

ومن فرط كاريكاتورية المشهد، يحفل موقع يوتيوب بتلك الأفلام المصورة، التي تعرض سوريين يسهرون في أماكن اللهو والأنس، يسمعون أغنيات على موسيقا لطميات شيعية، تتغنى بالممانعين، وبالأسد المجاهد، على وقع قرع الكؤوس وهز الأرداف!

الأسد نفسه لم يرخ ذقنه على شاكلة ملالي وآيات الله وقادة الحرس الثوري الإيراني، ولم يتشبه بصديقه حسن نصر الله، بل اختار طريقاً آخر، فظل يظهر بين جنوده وميليشياته بصورة القائد الديناميكي، العملي، غير الملتحي. لكن هذه الصورة لم تعد كما هي، وخاصة بعد أن سلم الديكتاتور المنبوذ قياد مصيره إلى (القيصر) فلاديمير بوتين.

حيث تقاسمت روسيا مع إيران شيئاً فشيئاً كل سوريا، حتى فضاء التماهي، واتصاف المحكومين بصفات حاكمهم، بات مقسوماً بين الجهتين.

الشارع الذي تحتله الميليشيات إيراني المظهر، وكذلك الجبهات.

بينما تظهر سوريا الأخرى في قاعدة حميميم، حيث الصبايا الجميلات وأغاني الروك الروسية، والراقصات السافرات، بينما يراقب الجنود الشقر ما يجري على المسرح بهدوء واتزان، وذلك بحسب ما تنشره القاعدة على شبكات التواصل الاجتماعي، وما ينقله إعلام النظام أيضاً.

وفي هذه المعمعة، بات من الضروري على الأسد الدمية، أن يتماهى مع بوتين، الذي يتحكم به، ويقرر مصيره، فيذهب فريقه الإعلامي وراسمو شكل حضوره أمام مؤيديه إلى أشد الخيارات ضحالة، أي المطابقة بينهما، رغم الفارق الهائل بين موقعي ووضعي كليهما!

وهكذا على أنغام موسيقى طاهر ماملي سيدخل الأسد إلى قصر الشعب ليؤدي القسم، في تقليد ساذج للمشهدية الروسية في مراسم تنصيب بوتين رئيساً.

ولكن، سرعان ما ينتبه المتحكمون، إلى محاولات المحاكاة القوية، فيلجؤون إلى إعادة ضبط الأداء، حتى وإن أدى ذلك إلى إذلال الرجل أمام "جماعته"!

تكرر الأمر مرات عديدة، وصار جزءاً من التكوين المضموني لحضور الأسد، في المناسبات التي يجتمع فيها مع قادة آخرين من الطبيعة ذاتها، أي أولئك الذين يدورون في فلك القيصر الروسي، ولا يعترف العالم كله أصلاً بشرعيتهم.

وضمن هذا السياق، ستكون صورة الأسد الجديدة، التي تظهره بخدود منفوخة، وبعضلات تظهر تحت السترة الرسمية وقميصها، جزءاً من المحتوى الذي يمتلكه، ولا يمتلك غيره، فهو مجرد خادم سيدين، بثياب أنيقة، حتى وإن ادّعى حملة إعلامية وبرنامجاً انتخابياً تحت شعارات فضفاضة، ينافسه فيها كائنان، لا يستحقان أقلّ الجهد في تذكّر اسميهما!

 

* العنوان يتشابه مع عنوان مسرحية شهيرة للإيطالي كارلو غولدوني.