حين يصبح الجوع أمل السوريين الأخير

2021.02.09 | 00:04 دمشق

122032105_1950626025088044_2895375651562673353_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

توشك السنة العاشرة على انطلاق أولى شرارات الثورة السورية أن تنقضي، وفي كل سنة يزداد عناء السوريين وبؤسهم الذي لا يعني سواهم، والذي لم يعد يشغل أصحاب المصالح الكبرى، العابثين في الملف السوري، والمصرّين على تركه يراوح في حيزه الضيق، وكان دأبهم على طول المسار، أن لا يمكِّنوا المعارضة من التقدم للإطاحة بنظامٍ يتصدر قائمة الإفساد والإجرام، ورعاية وتوليد الإرهاب على مستوى العالم، ولا النظام ليحسم الأمر لصالحه.

من يومها وفي كلِّ مناسبةٍ، ينبري معظم المتابعين والمشتغلين في الأزمة السورية، بتحليلاتهم ورصدهم للموقف الروسي والموقف الأميركي، وتأثير أزمة الملف النووي الإيراني على مجريات الأحداث، ومستقبلها في سوريا، ماذا فعل أوباما وكيف تصرف ترامب، والتغيرات التي نترقبها بتسلم الرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن"، وفي الأسابيع العشرة الأخيرة، كان جلُّ الاهتمام منصباً على استشراف، ماذا سيحل بالملف السوري إن فاز ترامب أو منافسه بايدن، مع تأكيد جميع التجارب المستمرة، أنَّ المصالح الأميركية الكبرى، لا تتحول تحولاً ملموساً بتغير اللاعبين، والرموز في الواجهة المسرحية، وإن أقصى قدرٍ لتغييرٍ ملموسٍ في ملفٍ حساسٍ كالملف السوري، لن يتعدى بعض التصريحات والتغريدات ومعاقبة بعض رجال الأعمال المحسوبين على نظام الأسد.

يكاد لا ينقضي شهرٌ واحدٌ، إلا وتخرج علينا مجموعة من المهتمين من السوريين، بمشروعٍ أو مبادرةٍ، تهدف لعرض صيغةٍ من الحل المتوخى للأزمة البالغة التعقيد، حسب وجهة نظرهم، والكثيرون منهم يستهلون طرحهم، بالتأكيد على أنهم ليسوا بديلاً عن أحد، ولا يهدفون لتشكيل جسم سياسي جديد، والحقيقة أنَّ جميع المبادرات التي نشأت منذ عام "2015" إلى الآن لم يكتب لها أن تتقدم نصف خطوة، بالطبع هناك جملة من العوامل الموضوعية المتحكمة بالمسألة، والتي تعيق نجاح تلك المبادرات أصلاً، لكن من الأخطاء الذاتية والتأسيسية التي وقعت بها، أنها طرحت هذه الشعارات الهزيلة، والتي تحاول عبرها طمأنة الأجسام السياسية الأخرى بصيغٍ لا تخفى على الإنسان البسيط، فما جدوى بناء جسم جديد إن لم يكن من شأنه أن يكون جامعاً وبديلاً عن كل التشكيلات الصغيرة، والعاجزة عن إحداث أدنى تغيير بهذا الملف الشائك.

بعضنا يثق بأنَّ الأمل الآن معقود في بناء مجموعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية، ليكون لنا لوبي سوري يعمل في أروقة الكونغرس، ودوائر صنع القرار هناك.

جميع الطرق المتخيلة، التي يمكن للسوريين العمل عليها لإنهاء أزمتهم على وجهٍ مقبول، تنتهي إلى حدٍ كبير نهايةً تشبه في أحسن نتائجها نهاية "الشيخ والبحر"

هل سيكون هذا مجدياً؟ مع إقرار معظمنا أنَّ الإدارة الأميركية كانت الشريك الأكبر، في إيصال الملف السوري إلى ما آل إليه اليوم، الإشكال الذي نعجز إلى الآن عن تجاوزه، أنَّ أيَّ شكلٍ من أشكال هذه المبادرات، وعلى رأسها بناء اللوبي في عواصم صنع القرار، يحتاج إلى جهات ممولة وداعمة بأرقام كبيرة، تعجز عنها أية مجموعة متخيلة، ويكفي أن نعلم أن ترتيب لقاء عبر شركة علاقات عامة، لسيدة سورية أثناء حفل عشاءٍ يحضره الرئيس السابق ترامب بلغت مئة ألف دولار، ولا سيما أنَّ المسألة السورية اليوم في قرارة الموجة، وقد خسرت تعاطف شعوبٍ وحكومات صديقة، لأسباب متنوعة، ربما لا يكون آخرها انشغال العالم بهذا الفيروس الفتاك "الكورونا" الذي دمر اقتصادات ومقدرات دول كبرى، وجعل من أولى أولوياتها الانكفاء للاهتمام بقضاياهم وانهياراتهم الداخلية، والتي توشك أن تفجر أزمات لا يمكن الإحاطة بها.

جميع الطرق المتخيلة، التي يمكن للسوريين العمل عليها لإنهاء أزمتهم على وجهٍ مقبول، تنتهي إلى حدٍ كبير نهايةً تشبه في أحسن نتائجها نهاية "الشيخ والبحر" الذي عاد بهيكلٍ عظميٍّ لسمكةٍ نهشتها أسماك القرش.

لكن كما أن الوقائع تصفعنا كسوريين بالخيبات المتتالية، إلّا أنَّ التاريخ من جهةٍ أخرى يؤكد عبر سيروراته الطويلة، أنَّ الأفق لا يمكن أن ينغلق، وأنَّ الحياة المتبدية بقطرة الماء الضعيفة، يمكن لها أن تخترق الصخر.

هل سيكون عجز النظام عن توفير أدنى متطلبات العيش، سبباً في تأليب الموالين له، ودافعاً لدى ملايين الرماديين والصامتين، ليباشروا ثورتهم من أجل البقاء؟

اليوم يظهر عجز النظام، عن إيصال رغيف الخبز وحبة الدواء، لمواليه قبل معارضيه، وهي حالة غير مسبوقةٍ من الانهيار الداخلي الذي لا يجد النظام من ينتشله منه، وهذا يدفع حتى الطبقة الموالية رغماً عنها للتململ والكفر بهذا الفرعون المستبد، الذي يعجز عن إسكات جوع بطونهم، بعد أن قُتل الشطر الأكبر من شبابهم وهم يدافعون عنه، ويعمد إلى كلِّ السبل الوضيعة لمزيد من التضييق والنهب، تارةً بالاستيلاء على ممتلكات المهاجرين، وأخرى بجباية حفنات الدولارات، من أهالي المتخلفين عن الخدمة العسكري، وغيرها كثير، الأمر الذي يدفع بمحيطه الحيوي للتمزق والبدء بإعادة النظر بأسباب العلَّة الحقيقية وراء هذا الشقاء، الذي لا يجدون منه مهرباً.

هل سيكون عجز النظام عن توفير أدنى متطلبات العيش، سبباً في تأليب الموالين له، ودافعاً لدى ملايين الرماديين والصامتين، ليباشروا ثورتهم من أجل البقاء؟ ربما يكون هذا أملنا الأخير نحن السوريين، أن ننتصر بفضل ثورة الجياع، بعد أن فشلت ثورة الحرية.