حيلة الحمار للفوز في الانتخابات

2021.05.02 | 06:27 دمشق

ro14_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان يا ما كان، كان الحمار ملكاً للغابة!

حاول المؤرخون تفسير المقادير التي جعلت من الحمار ملكاً على الغاب، وبحثوا عن الأسباب، فوجدوا أن سبب توليته العرش أيها الأحباب، أنهم في ذلك الزمان والمغرب والأوان، كانت شعوب الغاب تولّي أكثر الحيوانات صبراً وعملاً وجَلداً، لأن الحكم كان مسؤولية وحملاً ومشقّة، ولا يطلب الدقة والصفقة، وليس له مال ولا جاه، ولا أبواق ولا عرش وأطواق، ثم دارت الأيام، ومرت الأيام، ما بين بعاد وخصام، فتغيرت الأحوال، وتعثرت الآجال، وأمسى الملكُ أعزَّ الناس وهو أخسّهم، وصار الرئيس أكثر الحيوانات دلالاً وفخراً وتيهاً، تُجبى إليه الثمرات، ويملك الغابة بثمارها وأخشابها وكائناتها الزاحفة والطائرة والسائرة، ويحصي عليها أنفاسها، وتؤخذ بجانبه الصور التذكارية، هو الحاضر وهو الماضي، وهو الطبيب والقاضي، هو الكلُّ في الكلِّ، والورد والفلّ، ويُلزم حيوانات الغابة برفع صوره على بيوتهم.

 وقيل إن سبب ذلك أن الحيوانات تأثرت بالبشر، وصار لزاماً على الحمار الرئيس أن يتنافس على رئاسة الغابة مع حيوان واحد على الأقل، للنجاة من نقد الصحف ووكالات الأنباء العالمية، وتحسين السمعة بين الدول.

فحمل الحمار على ظهره همّاً كبيراً، وكانت هي المرّة الأولى التي يحمل فيها شيئاً على ظهره بعد عهود من الدلال والنعمة، فبادرتْ الحاشية وكلها من أقوى الحيوانات وأمكرها إلى النصح والرأي، وكانت هذه الحاشية من البطانة الصالحة، وخشيتْ أن يخسر الحمار، فتخسر نفوذها وأموالها، وقالت للملك الحمار ألّا يحمل همّاً ولا غمّاً، فستقوم بالتزوير كما في كل مرة. 

قال الراوي: وكان الحمار الرئيس قد اكتسب خبرة بالوراثة والحكم الطويل، فأصبح يعرف كل شيء عن شعب الغابة، قوتهم وضعفهم، عقلهم وجنونهم، وعزَّ عليه أن يخسر الانتخابات ويدور عليه الزمان، وخشي أن يشوب التزوير غشٌ وتزوير. أو أن يفوز بنسبة مخزية كالتي يفوز بها الرؤساء في البلاد الديمقراطية، فتعيّره زوجته أو تسخر منه حماته، وكان يفوز في عصر الاستفتاءات وتلفزيون الأبيض والأسود بنسبة مئة بالمئة.

كان الحمار الرئيس قد اكتسب خبرة بالوراثة والحكم الطويل، فأصبح يعرف كل شيء عن شعب الغابة، قوتهم وضعفهم، عقلهم وجنونهم، وعزَّ عليه أن يخسر الانتخابات ويدور عليه الزمان

رأت الحاشية الصالحة أن يسنَّ قانون يمنع على الخصوم الأقوياء التقدم للمسابقة، كأن يشترط للترشح إلى الرئاسة فقط المرضى والمطعونون من بقية أجناس الحيوانات المفترسة التي تهابها الأعداء، مثل الذئب على أن يكون مصاباً بالسرطان، ومتلازمة أليس في بلاد العجائب وأبو حريون.

فرفض الحمار بحكمته المكتسبة من الحكم العريق، والخبرة العتيقة، والملابسة الدقيقة، ولا ينبئك مثل خبير، وقال: أخشى أن يتذكّر المنتخبون عواء الذئب المرعب، وأن أجداده كانت تقيم الحدَّ على الحيوانات المريضة، وتأكلها حتى لا تعدي القطيع السليم وتقتله، فينتخبوه إكراماً لتلك الذكريات والمكرمات. يجب أن نقدّم عرضاً مختلفاً، فقد ملَّ العالم من عرضنا القديم.

ثم اقترحوا الاشتراط على السبع المتقدم للسباق الانتخابي أن يكون سبعاً نباتياً، حليق اللبدة، مبحوح الصوت، وشهادة حسن سيره وسلوكه موقّعة من مختار باب الحارة وصبايا.

 فقال: لا... أخشى أن يتذكر المنتخبون أن جدّه كان ملكاً للغابة، وأن يتذكروا غيرته على عرينه، فينتخبونه، ولا تنسوا أنَّ مشيته فيها تيه وفخر، ليست كمشية الحمير الذليلة، وستخلب الألباب.

اقترحت الحاشية وهم يتبادلون الرأي على الطاولة شبه المنحرفة أن يمنعوا الزرافة من التقدم للمسابقة الرئاسية إلا بعد أن تزيل البقع الزيتية من على جلدها الفاخر.

فقال: أخشى أن يتذكر المُنتخِب أن الزرافة بعيدة مهوى القرط، عالية الشرف، وتأكل من كرام الورق والثمار وتمشي بكبرياء، ورفسَتُها قوية، ولا تنسوا أنَّ لسانها طويل وستغلبني في المناظرة.

قالوا: إذاً لم يبقَ سوى أن تقبل بحمارٍ أهليٍّ مثلك يا مولانا، برفيق حمار جحش من حزبنا الحاكم القائد للدولة والمجتمع والفرد.. قال: لا أيها الرفاق المناضلون، فالحمار الأهلي ما زال صبوراً وجلداً

قالوا: سنشرط على الفيل أن يدخل المسابقة بعد أن يقوم بحمية ويخفف وزنه إلى وزن الريشة.

فقال: أخشى أن يتذكّر الناس حبَّ الفيل للعائلة والعشيرة فيُنتخب، لأنه حيوان وطني وحنون، ويعرف أمكنة المياه في زمن الجفاف.

قالوا: نشرط مولانا بمشارطنا وسيوفنا، والبرلمان التشريعي كله بيدنا وتحت أمرنا، أن يكون المرشح حماراً مثلك، لكن من جنس الحمير الوحشية، فالوحشي علج وغليظ ومتوحش ولن ينتخبه أحد.

قال: أعوذ بالله.. أخشى أن ينتخب المنتخبون حمار الوحش لأنه حمار يحبُّ الحرية، ويأبى الاستئناس والترويض ويهاجر في البلاد ويعبر أنهار التماسيح بشجاعة، وهو مخطط وحسن التخطيط أفضل من كل وزراء التخطيط الذين عينتهم، وقد ملَّ شعب الغابة من لون الأسود التام.

قالوا: إذاً لم يبقَ سوى أن تقبل بحمارٍ أهليٍّ مثلك يا مولانا، برفيق حمار جحش من حزبنا الحاكم القائد للدولة والمجتمع والفرد.

قال: لا أيها الرفاق المناضلون، أخشى من الحمير الأهلية أكثر من كل هؤلاء، فالحمار الأهلي ما زال صبوراً وجلداً، ونهيقه قوي جهير، وسيغلبني أنا العجوز الذي عاش على الخبز الأبيض، لذلك استبعدوه أيضاً.

 ثم اقترح عليهم طريقة تجمع مجامع الطرق، وهي القبول بهرّة حلوة، وقطة مقطقطة من هررة شهر شباط، ماشية على حلِّ شعرها، وكلباً جعارياً من كلاب المزابل، وقرد شمبانزي محمرّ المؤخرة مضحكها، وجاموس مستنقعات، ثم استبعد الجاموس لأنه حيوان كثير النخوة، واستقر الرأي على أن يقصر الترشح للانتخابات على الحيوانات المنزلية والأليفة، وأن يكون عضواً سابقاً في حديقة الحيوانات، لم يرَ غابة في حياته، وأضافوا الخنزير البري، ثم تراجعوا لأنه حيوان شجاع، ويحذر منه الغدر، ويخشى أن يجد الشعبُ الخنزيرَ أفضل من الرئيس الحمار، ثم قبلوا بالخنزير الأهلي، لأن الشعب لن ينتخب حيواناً نجساً حرّمه الله، وأمرهم بأن يكون لهم أمر الحملات الانتخابية، وأن تراقَب كلمات وهمسات الحملات كلمة كلمة، وأن يلبس نباح الكلب للهرة، وأن يجعل مواء الهرة في خطاب الكلب عند البث، وأمرهم أن ينسبوا للقرد تصريحات تزعم أنه أوسم من جورج كلوني وتيم الحسن. وقبلوا بترشيح عدة بغال ونغال، لأن البغال والنغال مجهولة النسب، فالبغل أبوه حمار وأمه فرس، وصوته سحل، فلا هو ينهق ولا هو يصهل، والنغل كذلك، أبوه حصان وأمه أتان.

 وهكذا كان..

وتسابق الجميع، حتى صار خبر الانتخاب خبراً عالمياً، جذب الأنظار أكثر من أكثر ديمقراطيات العالم عراقة.

ولم يفز الحمار الرئيس على الهررة الدلوعات ولا على القرد الحقير، ولا على الجواميس والخنازير إلا بعد خرق الدستور، وبعد التزوير.

كلمات مفتاحية