حول ضبابية الموقف الأميركي في سوريا

2021.05.31 | 06:24 دمشق

-baydn-bshan-almlf-alswry-780x470-1-6zpusk7rq2j3dbuuytazxho003lkdpliiutys2d6r4j.jpg
+A
حجم الخط
-A

تأخذ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خطوة للوراء عندما يتعلق بالملف السوري وتربطه بخطة العودة للاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن وضع احتمالية التقارب مع الروس في سوريا.

مسائل عديدة تعتبر بمثابة الاختبارات الدقيقة للإدارة الأميركية في سوريا خلال الفترة المقبلة، سواء في شكل التعاطي مع الملف السياسي وبث الحيوية من جديد في اللجنة الدستورية، بعدما أرادت كل من موسكو ودمشق إعادة رسم آلياتها وطريقة عملها بعد الانتهاء من "الانتخابات الرئاسية"، فضلا عن ذلك فإن التجديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود (تنتهي مطلع تموز المقبل)، ستوضح إمكانية حدوث تعاون أميركي في سوريا.

لقاء رئاسي فيزيائي سيحدث في منتصف شهر حزيران المقبل بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره فلاديمير بوتين، سيُحدد من خلاله أولويات كلا الرئيسين في الملفات الخلافية بين بلديهما وعلى رأسها الملف السوري، الذي طال أمد الصراع فيه.

واشنطن تنتظر خطوات إيجابية من طهران حيال إعادة تفعيل الاتفاق النووي، حتى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية

ما يميز إدارة الرئيس الأميركي الحالي عن سلفه دونالد ترامب، بأن الأولى تعمل ضمن دبلوماسية مُبالِغة تشير إلى استعدادها الانتظار من الجانبين الروسي والإيراني التقدم خطوة إيجابية دون تصعيد الضغط بشكل عدواني، فواشنطن تنتظر خطوات إيجابية من طهران حيال إعادة تفعيل الاتفاق النووي، حتى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بالتوازي مع استمرار مفاوضات فيينا بوتيرة بطيئة متناسبة.

كذلك فإن خطوات بايدن في إنهاء عمل شركة النفط الأميركية في شمال شرقي سوريا، وإيقاف فرض أية عقوبات ضمن قانون "قيصر" خلال الفترة الماضية، وتأخير إعادة تشكيل مكتب سوريا في وزارة الخارجية الأميركية بعدما كان مقرراً في منتصف شهر أيار، كلها خطوات يريد بايدن من خلالها منع أي تصعيد مع الجانب الروسي، وانتظار انتهاء "الانتخابات الرئاسية" في مناطق سيطرة حكومة دمشق، لعقد قمة رئاسية مشتركة ترسم معالم خارطة الطريق لدى الطرفين على وجه التحديد في سوريا.

وعلى ذلك فإن مفاوضات الجولة السادسة من اللجنة الدستورية ربما لن تعقد قبل بداية تموز المقبل، حتى تتشكل ملامح الرؤية الجديدة في سوريا، فإما جولة تصعيدية جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا تقترب فيها الأخيرة بشكل أكبر من تركيا، أو أن يكون هناك مسار توافقي جديد بطيء الحركة في البداية، متين التفاهمات بشكل تنبني عليه دعائم الحل وإن ابتعدت عن مخرجات القرار الدولي 2254.

الخروج عن إطار المفاوضات السياسية والدخول في مفاوضات أمنية عسكرية، سيناريو يمكن التحقق في حال اتجهت إدارة بايدن للتوافق مع الجانب الروسي على أولى خطوات التفاهم في سوريا ورسم شكل مغاير للحل في سوريا إذا ما خرج عن الالتزام بتشكيل هيئة حكم انتقالي، تؤسس لدستور جديد وتدعو لانتخابات جديدة مُراقبة دولياً.

بوادر التعاطي الأميركي مع روسيا بشكل مختلف عما ذي قبل تلوح في الأفق، بعدما تأخرت واشنطن بإدارتها الرئاسية الجديدة عمداً عن الانخراط في الملف السوري، انتظاراً لتطورات الأوضاع المتصلة بالإيرانيين والروس، ولعلَّ ذلك يعتبر مؤشراً يتضح أكثر مع الأيام القليلة الفائتة باقتراب نضوج المخطط الذي تسعى له موسكو باعتماد نتائج مسرحية "الانتخابات الرئاسية" والانطلاق منها لمراحل سياسية واقتصادية متقدمة في الملف السوري، تتجاوز فيها مرحلة المفاوضات السياسية السورية - السورية.

الرؤية الأميركية الجديدة يسعى من خلالها بايدن إلى تحقيق ما كانت تسعى له واشنطن في أوقات سابقة، والذي يتركز في إنهاء مسار أستانا، من خلال عزل إيران عن الجانبين الروسي والتركي

بأي حال، لا يريد بايدن منح روسيا أي انتصار استراتيجي في سوريا والمنطقة، وهذا لا يمكن أن يتحقق حتى لو وصلت الخلافات بين واشنطن وأنقرة إلى مستوى عال من التصعيد، في حين إن الإدارة الأميركية تريد إنهاء العوائق التي تزيد من استعصاء الحل في الملف السوري الذي قد تراه واشنطن مفككاً لباقي الاستعصاءات الأخرى، لما يخدم مصالحها و استراتيجية التخلص من الأزمات التي طال أمدها في وقت لم تستطع فيه واشنطن طي ملف مكافحة الإرهاب، ومنح المنطقة دفعة استقرار ترسي أسسَ السلام الذي تروج له إسرائيل وتدعمه كل من واشنطن وموسكو ضمن الرؤية الخاصة بهما.

الرؤية الأميركية الجديدة يسعى من خلالها بايدن إلى تحقيق ما كانت تسعى له واشنطن في أوقات سابقة، والذي يتركز في إنهاء مسار أستانا، من خلال عزل إيران عن الجانبين الروسي والتركي، ومُقابِل ذلك قد ترمي موسكو بالورقة الإيرانية في سوريا وتُفاوِض عليها.

في الوقت الذي ستعمل فيه واشنطن على ضبط التفاهمات الروسية التركية في سوريا، في الشمال السوري، ودفع الجانب الروسي بشكل عملي إلى القبول بالتفاوض وفق ترتيبات جديدة تؤسس لوقف العمليات العسكرية وتُهيئ خطوات التغلب على الاستعصاء الحاصل في سوريا.