حول تغير القواعد الانتخابية في كردستان العراق

2021.10.18 | 07:04 دمشق

image_1633885574227498222.jpg
+A
حجم الخط
-A

شهدت الانتخابات البرلمانية العراقية الأربعة السابقة منذ 2005 حتى 2018، أشكالاً مختلفة من التحالفات التي عرفت بتوافقات ما بعد الانتخابات، لعب فيه الكرد دوراً رئيسياً ومحورياً، خاصة وأن تلك التحالفات كانت تُفضي إلى صياغة علاقات جديدة في الكثير من الأحيان، تبعاً للأحجام الانتخابية.

ففي الدورة الانتخابية الأولى في 2005 دخل الحزبان الرئيسان في كردستان، الديمقراطي الكردستاني(البارتي) والوطني الكردستاني (الاتحاد) بتحالفٍ ذي طابع هوياتي صريح، هادفاً إلى حماية العمق الكردستاني، تحت مسمى التحالف الكردستاني، وحصلوا على قرابة الــ 82% من مقاعد مجلس النواب العراقي مع تحالف الهويّات الأخرى المتمثلة بائتلاف الوطن الموحد الشيعي، وجبهة التوافق العراقية. استمر التحالف الكردستاني بحصد المكاسب السياسية في انتخابات 2010، بالرغم من انشقاق كتلة من القيادات والقواعد من صفوف الاتحاد الوطني مشكلة حركة التغيير 2009، وحصل التحالف على قرابة الــ13% من المقاعد البرلمانية، وكان انحياز وإصرار التحالف الكردستاني واضحاً للهويّة الكردستانية لكركوك ضمن عراق عادل ودستوري فدرالي، كما شهد العراق في الــ2010 "صلح أربيل" حيث نجح التحالف الكردستاني في رسم خارطة طريق للأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد نتيجة للانسداد السياسي حول تفسير المادة "76" من الدستور العراقي حول مفهوم أن الكتلة الأكثر عدداً ترشح رئيس الوزراء، هل هي الكتلة الفائزة في الانتخابات أم الكتلة المتشكلة بعد الانتخابات، حيث تحالفت كتلتا ائتلاف دولة القانون والذي شكل حزب الدعوة نواته، وائتلاف الوطني العراقي والذي ضم المجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري كتلة التحالف الوطني، وألحقت بها القائمة العراقية التي ضمت كل القوة والفعاليات السنية ما عدا الحزب الإسلامي، وخرجت اتفاقية أربيل بتفضيل الهويّة العراقية الجامعة وإسناد منصب رئيس الوزراء للتحالف الوطني.

المتغير الرئيسي غير المسبوق في نمطية التعاطي الهويّاتي للتحالف الكردستاني، بدأت منذ 2012، مع اشتداد مرض الرئيس العراقي الأسبق الراحل "جلال طالباني" وما تسبب غيابه بخلق تكتلات وصراعات ضمن أجنحة الاتحاد الوطني، وشاركت خمس كتل رئيسية في انتخابات 2014، هي الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني، والتغيير، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية، وحصلت القوى الكردية مجتمعة على ما يقارب 16% من مقاعد البرلمان، شكلت ضواغط مختلفة على وحدة الموقف الكردي من مختلف القضايا.

المعادلة السياسية والانتخابية والمواقف بين الكتل الكردستانية تغيرت منذ إعلان نتائج فرز الأصوات في 2018

بيد أن العلاقة بين القطبين الرئيسيين الكردستانيين في العراق شهد المتغير الأعمق والأكبر عشية الاستفتاء الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان العراق آنذاك السيد مسعود البارزاني، وما شهده من انسحابات عسكرية من كركوك ومحاولة قوى شيعية الوصول إلى عاصمة الإقليم أربيل، بدأت معها مرحلة جديدة في الإقليم قائمة على تقارب الاضطرار وليس الضرورة أو الرغبة. وبدأت محاولات كسر العظم، التي نجح البارتي في امتصاص تداعيات تحالف الأطراف المعادية للاستفتاء الكردستاني،2017 وتقاسمت سبع قوى كردية هذه المرة، المقاعد في 2018 وهي: الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني، وحركة التغيير، وحركة الجيل الجديد، وتحالف الديمقراطية والعدالة، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية، لتتقاسم معاً التمثيل الهويّاتي لكردستان الذي كان منحصراً على التحالف الكردستاني، ووفقاً للغة الأرقام فإن البارتي حقق المرتبة الأولى على صعيد العراق كحزب نال 25 مقعداً برلمانيا، مقارنة بباقي النتائج التي حققتها الكتل المتحالفة، أي أن المعادلة السياسية والانتخابية والمواقف بين الكتل الكردستانية تغيرت منذ إعلان نتائج فرز الأصوات في 2018، ولم تشهد أروقة البرلمان توافقاً واضحاً في مختلف القضايا المصيرية والمتعلقة بمصير كردستان العراق، وكركوك خاصة.

النقلة النوعية هدماً وانتصاراً للأحزاب الكردستانية في انتخابات 2021، تجلت في تغيير موازين القوة في المعاقل التاريخية التقليدية لتلك الأحزاب، ولو تحدثنا بلغة الأرقام حول الفوارق السلبية والإيجابية التي حققتها الكتل النيابية السياسية الكردستانية، فإن النتائج الجديدة ستغير التوقعات حول توازنات التحالفات اللاحقة للعلمية الانتخابية. وبمقارنة نتائج الانتخابات 2018 إلى 2021 نجد ما يلي: في 2018 حصل الاتحاد الوطني على /3/مقاعد في أربيل، وصفر في دهوك، ومقعد واحد في نينوى، و/5/ في كركوك، ومثلها في السليمانية.. في حين كانت نتائجه في انتخابات 2021 مقعداً واحداً في أربيل، ومثله في كلٍ من دهوك، خورماتو، خانقين، ونينوى، و/3/ فقط في كركوك، و/8/ في السليمانية. وجاءت المفاجأة الكبرى بحصول حركة الجيل الجديد على /9/مقاعد في 2021 توزعت على: /5/ في السليمانية، ومقعد في كركوك و/3/ في أربيل، حيث معاقل الاتحاد الوطني والبارتي على الترتيب، وهي التي لم تنل في دورة 2018 سوى على مقعدين في أربيل، و/3/ في السليمانية، وفقط الأحزاب الإسلامية هي الأخرى انحسر مدها الهويّاتي في البرلمان العراقي ولم تحصد سوى/5/ مقاعد في دهوك /2/، أربيل/2/ السليمانية /1/. وكانت حركة كوران قد حصلت على /7/مقاعد في انتخابات 2018، ومنيت بخسارة قاسية ولم تفز بأي مقعد نيابي، بالرغم من تحالفه مع الاتحاد الوطني الكردستاني في تحالف انتخابي مشترك والعمل على كسب أصوات الناخبين لمرشحي الطرفين، كحال تحالف الديمقراطية والعدالة الذي حصل على مقعدين في 2018، وانتهى وجوده بمغادرة مؤسسه برهم صالح لصفوفه، عائداً إلى الاتحاد الوطني.

في حين أن البارتي سجل مفارقات جمة عن الانتخابات الماضية 2018، وحصل على /8/ مقاعد في أربيل، و/10/ في دهوك، و/7/ في نينوى، ومقعد واحد في السليمانية، ولم يشارك في انتخابات محافظة كركوك، رداً على عمليات التعريب والتهجير وفقاً لبيانات الحزب، النتائج النهائية لحملة البارتي في 2021 حملت العديد من التطورات وحصد /11/ في أربيل، و/10/ في نينوى حيث غالبية المناطق المستقطعة المعروفة بــ/140/، ومن ضمنها شنكال التي حصل فيها على العلامة الكاملة، وعلى /4/ مناصفة في السليمانية وكركوك، على الرغم من الغياب التام للحزب عن المحافظة منذ 2017، لكن الضربة التي تلقاها البارتي كان عبر خسارته لمقعدين في دهوك مقارنة بالدورة الانتخابية الماضية، حيث أكبر وأهم معاقل الحزب في كردستان، ليحصل على /8/ مقاعد فقط.

على تلك الأحزاب أن تعي أن قواعد اللعبة تغيرت خاصة مع حديث حول اتفاق بين الصدريين والبارزانيين حول توزيع منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء

قراءة هذه الأرقام توضح عودة نفوذ البارتي والاتحاد الوطني إلى معاقلهم، وتقليص نفوذ الاتحاد في أربيل وكركوك، مقابل تطور البارتي في السليمانية وكركوك ونينوى وتراجع خطير في دهوك، وصعود اجتماعي-سياسي لحركة الجيل الجديد، ودوماً مقارنة بالدورة الماضية. لكن الــ/3/سنوات الأخيرة منذ 2018 شكلت ذهنية شعبية جديدة متكئة على إرث التراكمات السابقة، فالثابت في العمليات الانتخابية أن نوعية التمثيل مرتبطة بحجم المشاركة الشعبية، وديمومة الانتخابات من المفترض أن تخلق متخيلاً سياسياً شعبياً عارماً، ومقاطعة قرابة النصف من سكان كردستان للانتخابات كانت رسالة واضحة حول تغيير المزاج الشعبي العام ومؤشراً خطيراً وجرسَ إنذار ضخماً على عزوف شرائح عديدة من فئة الشباب عن المشاركة، وأن المواطنين أصبحوا يعون ويهتمون كثيرا في كيفية حصول الكيانات على المقاعد والفوز في الانتخابات، وحيث من المفيد أن يدرك الجميع أن المشاركين في عملية التصويت ربما بغالبيتهم هم من المنظمين حزبياً، وعزف القواعد الجماهيرية غير المنظمة دليل على تضخم كتلة المطالب، وأصبح شعب العراق بمكوناته كلها مدركاً أن الانتخابات تجري كسباق سياسي بشكل رئيسي.

ربما يحتاج البارتي إلى اتفاق سياسي وليس إلى توافق مع الكتل الفائزة في الانتخابات تحديداً كتلة الصدر، وتقدم، وبعض الكتل الصغيرة التي يُمكن للأحزاب الكردية الأخرى أن تعلن عن سياسة واضحة تجاه المادة /140/ والدستور، وعلى تلك الأحزاب أن تعي أن قواعد اللعبة تغيرت خاصة مع حديث حول اتفاق بين الصدريين والبارزانيين حول توزيع منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، لذا فإن وحدة الموقف الكردي في البرلمان وفقاً لقوانين الفائز وقوة الحق هي الأكثر عدلاً للجميع، أو أن الدفاع الهويّاتي عن كردستان ككيان سياسي دستوري سيزداد حمله على البارتي في البرلمان العراقي.