حماية الهزيمة العربية في بقاء الأسد

2021.06.04 | 05:18 دمشق

bshar_alasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

أي منطق عقلاني وسليم يخلص إلى استنتاج أن بقاء الأسد في السلطة بعد عقدٍ من الجرائم والكوارث التي أحدثها بالمجتمع السوري لا يتصل بانتخابات وغيرها، وأي منطق يدرك أنه لا تجرى انتخابات ديمقراطية وحرة في مجتمع محكوم بالقبضة الأمنية لأكثر من خمسين عاما، ولأجل رفع هذه القبضة المستبدة ثار الشعب السوري، وعليه لم يعد بعد أكثر من نصف قرن على هزيمة الجيوش العربية أمام المحتل الإسرائيلي في الخامس من حزيران 67، من طرح سؤال كيف تمت الهزيمة؟

لم يعد الأمر مغرياً للبحث عن الأسباب التي تعايشها أجيال عربية كل يوم، بعد أن سقطت الأوهام وتفككت في مرحلة الثورة السورية والثورات العربية، والتي قادت مجتمعةً للإشارة إلى السبب الحقيقي وقد توج بخديعة إيصال الأسد الأب للسلطة وتوريث أبنه.

من الأمور التي أصبح الاتفاق عليها كاملاً، أن هزيمة حزيران 67، أسقطت مفاهيم كثيرة وبدهيات كانت سائدة في الواقع العربي

في هذه الأيام السورية التاريخية رغم مأساويتها وحراجتها، لم يعد اللسان معقوداً كما في عقود الهزيمة التي عمل النظام على إحداث شللٍ تام في التفكير بوظيفته ودوره وأدائه، لكن دورة الأحداث تدفع لمزيدٍ من التفكير والتعمق، كي يتأكد السوريون من عدم خطئهم في الثورة على نظامٍ سيظل بقاؤه ودوره السبب الرئيس في كوارث سوريا وهزائم عربية، ومن الأمور التي أصبح الاتفاق عليها كاملاً، أن هزيمة حزيران 67، أسقطت مفاهيم كثيرة وبدهيات كانت سائدة في الواقع العربي، وأن الثورة السورية أكملت إدراك المواطن العادي من أن متطلبات مواجهة الهزيمة في الجوهر العام لا تحدث إلا في التغييرات العميقة في الواقع السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي.

فالقوة العسكرية والتسليح، وشعارات التوازن الاستراتيجي التي تغنى بها النظام السوري لنصف قرن، مع كل مخزون القوة وقد بدا أثره جلياً، لا لاستعادة الأرض المحتلة في الجولان، ومسح آثار الهزيمة، بل لتكريسها مع أبد سلالة الأسد، ملايين الأسباب والأدلة غير المرتبطة ببناء القدرة العسكرية للنظام تشير لمسؤولية نظام الأسد الحفاظ على الهزيمة، وكل الملفات التي عبث بها في المنطقة العربية، بدءاً من تكريس الخوف والقهر وبناء المعتقلات، إلى استزلامٍ ومتاجرة بقضية فلسطين وصولاً للمذابح والجرائم والدمار الواسع الذي ألحقه بالسوريين، وعجزت "الهزيمة" الأولى قبل أكثر من نصف قرن عن تحقيقه، ولما كان الفضل الكبير للأسد الأب بتسهيل الهزيمة في الجولان وتسليمها، كانت مكافأته في تثبيت سلالة حكمه ورعايته، ولما كان الانكشاف والانهيار والعري الذي بدا عليه النظام أمام السوريين، كان رده دمويا وغير مسبوق في الحقد على الإنسان السوري وأرضه وحواضره، والتي حملت للسوري والعربي المفجوع بالهزيمة دلائل "مشجعة" على استمرارها في التساهل مع جرائم الأسد.

أوجد مناخ التعاطي الدولي والعربي والإقليمي مع جرائم الأسد وسيطرته وبقائه، وإعادة تنصيبه بالدمار والمذابح بمساندة قوى الاحتلال المختلفة على الأرض، محاولة يائسة لإعادة دوره الأخطبوطي في ملفات عديدة، بينما يتابع السوري الفصل بين هزيمة حزيران 67، التي غُلفت بشعارات إخفاء الخديعة، وتلك المدونة في أحداث ووقائع الثورة السورية، وفي البحث عن جذور الملطشة الهزيمة التي يتلقاها الأسد من المحتل، ورده الوحشي على السوريين، للحفاظ على إرث أبيه في حماية الهزيمة المرتبطة بتثبيت حكمه، بينما يَظهر رهط المحتفلين بدمشق بإعادة تنصيب المجرم على رقابهم، وهم يبحثون عن زوايا يختبئون خلفها حتى تمرّ الجريمة، ولكن يمكن القول سلفاً إن القانون الطبيعي الذي يرافق الهزائم العسكرية أولاً، ونتائجها السياسية ثانياً، لا يسود بالمنطق المجرد، بل عبر صراع طبقي عنيف سيبقى مستمرا على الصعيد السوري بالذات للتأثيرات العميقة التي أوجدتها وحشية النظام التي تصطدم بسيل عظيم من قبول تعويمها.

جرائم الأسد في سوريا بوحدتها وهويتها أقوى إشهاراً، وما أظهره ابن درعا وإدلب والغوطة وداريّا والقصير وحمص وحلب وكل سوري، ممسكًا بهويته النازفة، لتبدو المعادلة أكثر وضوحًا، فالسيطرة الآخذة بالاتساع مع الجرائم، لا يمكن أن تمرّ من دون دروس تظهر نتائجها تباعًا عند المحتل الإسرائيلي، إذ لم يبق سجلٌ من سجلات الممارسات، إلا دوَّن فيه الإسرائيلي ملاحظاتٍ عن المعتقلات وطرق التعذيب والإخفاء والقتل، والتهجير واستخدام الأسلحة المحرمة والدمار الشامل، وصولًا إلى الاستهزاء بالقانون الدولي والانتهاكات المتكررة بحقوق الإنسان، والتي لم يعد الإسرائيلي وحده في ميدان الجريمة، لا من حيث توفر الدعم بـ (فيتو)، ولا من حيث اللوبيات المنتشرة لحماية المحتل والطاغية وبقاء الهزيمة.

حماية حزيران الهزيمة في شقها السوري مرتبط ببقاء سلالة الأسد المبتكرة لأعظم الدروس في القرن الحادي والعشرين

"تنصيب" الأسد كهزيمةٍ لكرامة السوريين وتطلعاتهم، يكشف عن أسى متجددٍ يلازم السوري والعربي في "الهزيمة"، وحماية حزيران الهزيمة في شقها السوري مرتبط ببقاء سلالة الأسد المبتكرة لأعظم الدروس في القرن الحادي والعشرين في سجل الوحشية والتطهير العرقي والتدمير المنهجي، بالرغم من بطولة السوري الحزينة التي اقتضت سيلان دمه، وظلت تفشل في إيقاظ الضمير العالمي في حين نجح الأسد مع محتليه في بث "القدرة" مجدداً للتسليم بدوره الذي يعطي فهماً فعالاً لتذكر حزيران العربي كل عام، وبعدم السؤال عمن يحمي الهزيمة كبدهية لم يعد يعاني منها السوري.