حماس تستجدي ونظام الأسد يتمنّع

2022.09.18 | 06:20 دمشق

حماس تستجدي ونظام الأسد يتمنّع
+A
حجم الخط
-A

منذ سنوات وحركة "حماس" تحاول إعادة وصل ما انقطع بينها وبين نظام الأسد، حيث لم يوفر قادتها، خصوصاً في داخل قطاع غزة، مناسبة، إلا وأطلقوا فيها تصريحات، تحاول التملص مما نسب إليها من مواقف حيال الأوضاع في سوريا بعد ثورة 2011، وذلك عندما طالبها النظام بالمشاركة في الحرب التي بدأها ضد السوريين، أو على الأقل تبرير وتأييد قتلهم، مما اضطرها إلى مغادرة دمشق، وبالتالي لا يخرج البيان الذي أصدرته الحركة، الأربعاء الماضي، وأعلنت فيه مضيها في السعي إلى استئناف علاقاتها مع نظام الأسد، عن نهج استجداء هذا النظام، والتزلف المهين إليه. وهو نهج بدأته الحركة انسجاماً مع تحالفاتها مع محور الممانعة والمقاومة الذي تصطف فيه، وبما يتسق مع رغبة نظام الملالي الإيراني القابع في طهران، ونظام بوتين الروسي، بوصفهما راعيي حماس ونظام الأسد، لذا ليس مصادفة صدور البيان بالتزامن مع زيارة وفد قيادة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، إلى موسكو حليف نظام الأسد، التي لن يكف ساستها عن محاولاتهم الرامية إلى إعادة تلميعه وإرجاعه إلى الحظيرة العربية، على الرغم من الفشل الذي اعترها.

تصوير قادة حماس نظام الأسد بوصفه راعي الفلسطينيين وفصائلهم وتنظيماتهم، فيه مخاتلة سمجة وتناقض كبير، ولا يتسق مع التعامل الوحشي لهذا النظام مع الفلسطينيين السوريين

وحمل بيان حماس الكثير من المخاتلة والرياء، حين اعتبر أن سوريا "احتضنت شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة لعقود من الزمن، وهو ما يستوجب الوقوف معها، في ظل ما تتعرض له من عدوان غاشم"، لأن سوريا تختصر لدى قادة الحركة في نظام آل الأسد، وليس في شعبها الذي احتضن بالفعل الشعب الفلسطيني، واعتبر قضيته أولوية ومركزية بالنسبة إليه، في حين وضع نظام الأسد القضية الفلسطينية في بازار المزاودة عليها وتوظيفها، واعتبرها ورقة بين يديه يطلقها وقتما يشاء، ويلعب بها مع القوى الدولية والإقليمية.

كما أن تصوير قادة حماس نظام الأسد بوصفه راعي الفلسطينيين وفصائلهم وتنظيماتهم، فيه مخاتلة سمجة وتناقض كبير، ولا يتسق مع التعامل الوحشي لهذا النظام مع الفلسطينيين السوريين، حيث أوردت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" في تقرير لها، أن هذا النظام قتل أكثر من 3000 لاجئ فلسطيني في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس 2011، ولغاية حزيران/ يونيو 2018، وقام بقتل 548 فلسطينياً تحت التعذيب في معتقلاته من أصل 1748 معتقلاً فلسطينياً في سجونه، فضلاً عن شنه هجمات عديدة باستخدام مختلف أنواع الأسلحة على مخيمات الفلسطينيين في مختلف أنحاء سوريا، وخاصة مخيم اليرموك في دمشق، الذي حاصره سنوات عديدة، ومنع عنه المساعدات الطبية والمواد الغذائية.

ويحاول قادة حماس تبرير سعيهم لإعادة علاقاتهم مع نظام الأسد عبر بوابة الإدانة الشديدة "للعدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا، وخاصة قصف مطاري دمشق وحلب مؤخراً"، مع أنهم يعون جيداً أن المستهدف من "العدوان الإسرائيلي"، ليست سوريا، ولا نظام الأسد وأركانه وقواته، بالنظر إلى أن ساسة إسرائيل وجنرالاتها لم يكفوا عن تطمين الأسد في مناسبات عديدة، وتأكيداتهم بأنهم لم / ولن يستهدفوه في الغارات والضربات، بل يستهدفون الوجود العسكري والميليشياوي الإيراني، الذي حوّل مناطق سيطرة النظام في سوريا إلى ساحة للمواجهة، ومقر لبناء قواعد عسكرية إيرانية، وذلك في إطار سعي نظام الملالي الإيراني إلى تثبيت تغلغله المتعدد المستويات فيها.

بالمقابل، لم يصدر عن نظام الأسد أي موقف أو إشارة إيجابية حيال محاولات حماس، لأنه لم يغفر بعد لقادتها عدم تبني موقفه حيال قتل السوريين، وذلك على الرغم من وساطة النظام الإيراني وحزب الله اللبناني، حيث ما يزال هذا النظام غير مكترث باستجدائهم وتزلفهم ومحاولتهم التقرّب إليه، وسبق وأن اتهمها بشار الأسد بالخيانة وبمساندة "جبهة النصرة"، ووصفها بمجموعة "لفظها الشعب السوري منذ بداية الحرب ولا يزال"، وأن "الدم الإخواني هو الغالب لدى هذه الحركة... وسارت في المخطط نفسه الذي أرادته إسرائيل"، وذلك انطلاقاً مع اعتباره أن "الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، ويبقى من الداخل إخونجياً إرهابياً ومنافقاً"، لذلك لم يظهر النظام أي بادرة تجاوب مع محاولات وسطاء محور الممانعة الرامية إلى تقريب وجهات النظر بينه وبين حماس.

وتعتبر دوائر نظام الأسد أن "حماس غدرت بالمقاومة"، وأنها ما تزال تتبع جماعة الإخوان المسلمين، لذلك لم تلتفت إلى ما قامت به حماس من تعديل لميثاقها في عام 2017، الذي تنصّلت فيه من علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وأعربت عن سعيها إلى إعادة بناء العلاقات مع العالم واستكمالها، من "أجل تطوير الحركة"، والذي تجسد في توطيد علاقتها مع النظام الإيراني، ومع حزب الله اللبناني، بوصفها جزءاً من محور الممانعة الذي يجمعها مع الأسد تحت الرعاية والدعم الإيرانيين.

لن تستفيد حماس من عودة علاقاتها مع نظام الأسد أي شيء، لأنه ليس أكثر من سلطة أمر واقع مثله مثلها

ويعلم القاصي والداني أن دعم النظام الإيراني لحماس ولنظام الأسد وسواه، يدخل ضمن حسابات وتوظيفات المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة والإقليم، الساعي إلى الهيمنة وبسط النفوذ على دولها وشعوبها، وليس من أجل ممانعة المشاريع الأميركية أو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حسبما يحاول تسويقه ملالي إيران، ويردده قادة حركة حماس وسواهم، عبر لجوئهم إلى خطاب مزيف وطفولي، ينمّ عن قصور وعيهم السياسي، وسلوكهم توجهاً أفقدهم البصر والبصيرة.

ويبدو أن نظام الأسد لم يعد يكترث بعودة علاقاته مع حماس، لأنه لن يستفيد منها في شيء، خاصة وأنه غير معني بقتال إسرائيل التي تقصف مواقع إيرانية في سوريا دون أي رد من طرفه. كما أنه لم يعد يطمح إلى وضع القضية الفلسطينية ورقة في يديه، خاصة بعد انكشاف وجهه الطائفي، وانحسار مزاوداته بالشعارات القومية العربية، وفشل محاولات إعادته إلى الجامعة العربية وسوى ذلك.

بالمقابل، لن تستفيد حماس من عودة علاقاتها مع نظام الأسد أي شيء، لأنه ليس أكثر من سلطة أمر واقع مثله مثلها، ولا يملك سوى أصناف متعددة من المخدرات وخصوصاً حبوب الكبتاغون، وبالتالي فإن استجداء قادتها للنظام لا يخرج عن إطار تنفيذ ما يريده كل من نظام الملالي الإيراني ونظام بوتين الروسي، وهم يعون جيداً أن تقرّبهم من النظام السوري ثمنه بخس.