حكومة الممانعة: إيران تعلن الحرب

2020.01.02 | 16:15 دمشق

9b5dddff-ab70-4911-b18e-b754a2075e87_16x9_1200x676.jpg
+A
حجم الخط
-A

تسعى إيران إلى فتح حرب واسعة مع أميركا لا يمكن توقع مساراتها ونهاياتها، تتيح لها فرصة إعادة بلورة منظومتها التفاوضية والخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب. لا تريد بأي شكل من الأشكال الاستمرار في الصيغة التصعيدية القائمة حاليا، حيث تتعرض لاستنزاف مالي جدي عبر العقوبات، قدره مؤخرا الرئيس الإيراني حسن روحاني بحوالي الـ 200 مليار دولار، إضافة إلى استهدافات مؤلمة ومنهجية لعناصرها وللميليشيات التي تدور في فلكها في العراق.

استجرار الحرب يتطلب تجاوز الخطوط الحمر، وقد فعلت إيران ذلك مع استهداف أميركيين في العراق، ولكن ردة الفعل الأميركية جاءت خارج مدار حساباتها، إذ كانت موجهة ومدروسة ومؤلمة ولكنها بقيت محدودة. كذلك لم تسفر مشهدية محاولات اقتحام السفارة الأميركية في العراق من قبل الميليشيات الموالية لها سوى عن مشهد استعراضي، لم ينجح في أن ينتج مسارات ضغط أو تفاوض، بل سرعان ما نتجت عنه تدخلات أدت إلى انسحاب الميليشيات من دون أن تنجح في تحقيق أي هدف ملموس.

لا يعني ذلك أن أجواء التصعيد تراجعت بل يعمل كل طرف على تعزيز موقعه الخاص في الصراع، فأميركا التي عززت حضورها الميداني عبر إرسال دفعة من عناصر المارينز ستليها دفعات أخرى، تحرص على تمكين موقعها الدفاعي وتمكين

ليس من قبيل الصدفة تزامن التصعيد الإيراني في العراق بتسريع  حزب الله لعملية إنجاز تشكيل حكومة اللون الواحد بقيادة حسان دياب في لبنان

قدرتها على إطلاق ردود أفعال مباشرة وسريعة ومنظمة ضد أي اعتداء إيراني محتمل، بينما تحاول إيران توسيع دائرة التصعيد إلى أكبر قدر ممكن وإيصاله إلى حدود حرب يكون العراق مسرحها المباشر ولبنان، اليمن، وسوريا، ساحاتها الخلفية.

 من هنا فإنه ليس من قبيل الصدفة تزامن التصعيد الإيراني في العراق بتسريع  حزب الله لعملية إنجاز تشكيل حكومة اللون الواحد بقيادة حسان دياب في لبنان، وذلك لاستكمال مبدأ فصل الساحات تمهيدا لخلق مناخ يسمح لأدوارها بالتكامل في إطار خدمة مشاريع إيران الحربية والتفاوضية.

منذ فترة أعلن قائد حزب الله اللبناني حسن نصر الله أن إيران قادرة على الرد على أي عدوان يستهدفها من إيران، ما يعني أنها ليست في حاجة لتدخل حزب الله.

كان هذا الكلام محاولة لطمأنة ملغومة للشعب اللبناني حول عدم نية الحزب بافتعال حرب في هذه المرحلة، ولكن حزب الله كان يدفع عمليا في اتجاه حرب من نوع آخر،هي حرب حكومة حسان دياب، بما تعنيه من إقفال تام للساحة اللبنانية على مشهد إيراني واحد ووحيد، يضمن للحزب ومن معه من حلفاء السيطرة التامة المغلفة برداء الشرعية والقانون على كامل مشهدية الدولة، واحتكار تمثيلها والنطق باسمها.

هذه هي صيغة الحرب التي تطلقها إيران في لبنان، وعملية فصل الساحات التي تنتهجها لا تعني على الإطلاق تحييد الساحة اللبنانية، بل على العكس فهي تدرج لبنان بشكل مباشر في إطار العملية الحربية عبر ضمه إلى منظومتها بشكل رسمي. أولى علامات النزوع نحو فرض هذه المشهدية يتجلى في تلك اللامبالاة الواضحة التي يبديها حلفاء الحزب بكل ما يخص علاقات لبنان الخارجية من ناحية، وفي ما يخص تنظيم موارد الدولة وإدارتها من ناحية أخرى.

تعلن مشهدية تهريب رجل الأعمال اللبناني كارلوس غصن من اليابان وإعادته الى لبنان عبر عملية أمنية معقدة، وما يخرج من معلومات تفيد أنها تمت من خلال جهات رسمية لبنانية، أن لبنان الإيراني الجديد هو بلد صمم ليكون جزيرة إيرانية معزولة.

وكذلك يمكن القول إن رفض التجديد لشركتي الخلوي وإعادتهما إلى كنف الدولة في ظل الظروف القائمة يعني ببساطة وبشكل مباشر أن حزب الله قد قرر عبر إحكامه السيطرة على كل الدولة أن يتخذ من نهبها وسيلة لتمويله، ما يضعنا أمام سيناريوهات مغرقة في الهول، يتحول فيها ما تبقى من موارد الدولة الهزيلة أصلا إلى مال قذر، ينظر إليه العالم بوصفه مالا مموّلا للإرهاب.

وفي إطار تبرير هذا المسار كان رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد قد أعلن أنه في ظل الفوضى فإن الأقوى سيحكم.

لا شك أن الفوضى التي يقصدها رعد هي وصفه الخاص لما تقوم به الثورة، وهكذا فإن ما يرمي إليه هو أن تسليم الحزب مقاليد السلطة الرسمية يعود إلى ما أنتجته الثورة من فوضى. يحاول من خلال بث هذا المنطق وتعميمه أن يخلق حربا بين الثورة وبين

يخوض حزب الله حربا لصالح إيران من خلال أخذ البلد رهينة وعرضه في سوق التفاوض، ويرد الأميركيون والأوروبيون والعرب عليه بالإهمال والتجاهل

الجمهور السني الذي اعتبر إقصاء سعد الحريري عن موقع رئاسة الحكومة والإتيان بحسان دياب استهدافا له ولموقعه، كما يسعى كذلك، ومع التصعيد المتوقع من قبل الثوار في الفترة القادمة بعد إعلان تشكيل الحكومة، إلى رفع وتيرة القمع الأمني عبر المؤسسات الأمنية الشرعية التي باتت قيادتها موضوعة بالكامل تحت سيطرته.

يخوض حزب الله حربا لصالح إيران من خلال أخذ البلد رهينة وعرضه في سوق التفاوض، ويرد الأميركيون والأوروبيون والعرب عليه بالإهمال والتجاهل، ويتركون اللبنانيين فريسة له لينهشها كما يشاء. لذا لا حل أمامنا، نحن الواقعين تحت نير الزمن الإيراني الأسود، سوى بالثورة الجادة والجدية ضده وضد كل من لا يبالي بنا وبمصائرنا في كباشه مع إيران الذي تختلف أسبابه عن أسبابنا.