حكايات رفعت الأسد الغريبة

2021.10.11 | 06:54 دمشق

rft-alasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

الحكاية الأولى: ورع

ليس مزاحاً، وليست سخرية: جاء ذات مرة على لسان أحد محبي رفعت الأسد (المولود سنة 1937)، أو ربما أحد أفراد أسرته، أن حياته حافلة بالتقى والورع. المقصود بهذا الكلام المديح طبعاً، مع أنه برأيي المتواضع، ينطوي على ظلم، وتقزيم للرجل، إذ هل يعقل أن تقتصر حياة رفعت الأسد على التقى والورع؟

بالمناسبة: التقى والورع صفتان ملازمتان للناس العاديين، الفقراء، الدراويش، الواثقين أن الدنيا ليست لهم، فقرروا أن يربحوا الآخرة، وهذا لا يعني أنه لا يوجد بين المثقفين والعلماء والقادة الكبار تقاة ورعون ولكنهم قلة.

الحكاية الثانية: رفعت واتحاد الكتاب العرب

هذه الحكاية ليست من تأليفي، ولكنني كنت طرفاً فيها.. يا سيدي، في سنة 2011، وأنا مقيم في سوريا اتصل بي الشاعر والصحفي حسام الدين محمد من لندن وأعلمني أنه ومجموعة من أدباء سوريا بصدد تأسيس رابطة الكتاب السوريين، وعرض علي فكرة الانتساب إليها. قلت له تلقائياً: سجل اسمي. وبذلك أصبحت واحداً من الأعضاء المؤسسين في الرابطة.

وكان رئيس اتحاد الكتاب العرب، يومذاك، أستاذ جامعي هو الدكتور حسين جمعة، الذي اشتهر بكتابه "الحيوان في الشعر الجاهلي"، وفيما بعد، في سنة 2021، أشرف على 14 باحثاً وألفوا كتاباً ذا عنوان مدهش هو "الإمام الحسين وآفاق المستقبل"! حسين جمعة، للأمانة، رجل طيب ولم تكن له من العادات الشاذة سوى واحدة هي أنه كان يثور ويغضب و(يحشّك) إذا كتب أحد موظفي الاتحاد اسمه الدكتور حسين جمعة، هكذا ناشفة فالمفروض أن يكتب (الأستاذ الدكتور حسين جمعة)، ويجوز في بعض الحالات استعمال الرمز: أ.د.

المهم، علم أ.د. حسين جمعة بانتسابي لرابطة الكتاب، فرجع إلى قوانين الاتحاد وتبين له أنني خالفتها ففصلني. والنكتة ليست هنا النكتة أن القرار تضمن بندين، الأول؛ فصل خطيب بدلة لانتسابه إلى رابطة الكتاب السوريين والثاني؛ فصل الدكتور رفعت الأسد لتقاعسه عن تسديد الاشتراكات المالية.

(ملاحظة: من حق القراء أن يعتقدوا أنني أمزح، فما رويته يشبه المزاح بالفعل).

الحكاية الثالثة: كيف أصبح رفعت عضواً في الاتحاد؟

اعتاد المجرمون الكبار، عبر تاريخ البشرية، على تلميع أنفسهم ليظهر الواحد منهم أن شخصيته القيادية متكاملة. لم يكن نادراً أن ترى زعيماً انتهى من ارتكاب مجزرة مروعة بحق مجموعة من أبناء شعبه، وذهب من توه إلى الديار المقدسة، مع مجموعة كبيرة من الحرس والمرافقين، يفتحون له الطريق حتى يتمكن من أخذ صورة بثياب الإحرام، وخلفه الكعبة، وسرعان ما يعود إلى بلاده لارتكاب المزيد من المذابح. وبعد ذلك لا يكاد مواطنو دولته يعبرون شارعاً إلا ويرون صورته بثياب الإحرام قرب الكعبة في خلقتهم.

ورفعت الأسد لم يكن يهتم للجانب الديني، مع أنه لم يكن رجلاً طائفياً بدليل التصريح الذي نقل عنه ويقول: (أنا ضد الطائفية والسنة). لذا قرر أن يذهب باتجاه العلم، فاشترى له مرافقوه شهادة دكتوراه اقترنت بنكتة تقول إنه حصل عليها وهو جالس تحت شجرة تين، يتأمل الطبيعة الغناء، ويصغي إلى هسهسة الأغصان، وتغريد البلابل.. وانتسب إلى اتحاد الكتاب العرب، وبقي محتفظاً بالعضوية طالما كانت ظروفه المادية ميسورة، ولكنه بعدما حط به الزمان ولم يعد قادراً على دفع الاشتراكات فُصل.    

ملاحظة على هيئة أسئلة بريئة:

1- من الذي قبل عضوية رفعت الأسد في اتحاد الكتاب؟ أليس علي عقلة عرسان الذي حكم الاتحاد من 1969 إلى 2005؟

2- ألم يكن علي عقلة وأعضاء المكتب التنفيذي يعرفون أن رفعت الأسد مجرد عسكري مجرم، لا علاقة له بأدب أو ثقافة أو علوم؟

3- لماذا لم يفصلوه من الاتحاد، حتى بعد مشكلته مع حافظ 1983، التي انتهت بإعطائه مبلغاً ضخماً من المال وسفره خارج البلاد؟

الحكاية الرابعة: رأس عبد الحليم خدام

استناداً إلى الأسئلة البريئة أعلاه، أقول: إن إقدام أ.د. حسين جمعة على فصل القائد رفعت الأسد ينطوي، في الحقيقة، على جسارة تصل حدود التهور.. فالمتتبع لمواقف سلطة آل الأسد في مواجهة الشخصيات المحترقة، أو المنشقة، أو المعارضة، سيلاحظ أن رفعت كان، وما يزال، يحظى بمكانة خاصة لدى المتسلطين، وأنتم تذكرون حفلة النواح والندب والردح التي أقامها مجلس التصفيق والدبكة يوم 31/12/2005، بمناسبة انشقاق عبد الحليم خدام، فقد وصل فيها الهزل إلى حد قول أحد أعضاء المجلس إنه يلاحظ، منذ زمن طويل، أن عبد الحليم عميل للإمبريالية والصهيونية العالمية! وأنشد عضو آخر بيتاً من الشعر قال فيه:

خدامٌ إذا ضرب الحذاء برأسه

قال الحذاءُ بأي ذنبٍ اُضْرَبُ

وأما رفعت، فلم يكن يأتي ذكره، حتى في الإعلام الممانع، بسوء، وقد حضر إلى سوريا في صيف سنة 2000، وحضر جنازة شقيقه، وخرج من المطار دون أن يقول له أحد (ما أحلى الكحل في عينك)! والسبب، بتقديري، أن حافظاً، وزوجته، وأولاده، وأشقاءه، وأنسباءه، وكل أفراد العصابة، يعرفون فضل رفعت عليهم، فهو الذي تولى المهمة الأكثر صعوبة، وقذارة، في التاريخ، وهي قمع الشعب السوري وإذلاله، وهذا الاتفاق في الرأي حول شخصه، هو الذي دفعه، إلى التفكير بالعودة إلى دمشق، ليس التفكير فقط، بل والتأكد من أنه سيستقبل بالترحاب.

ملاحظة: لولا إجرام رفعت الأسد هل توجد دولة في العالم تقبل بأن يكون هذا الرجل المهزوز بشار الأسد رئيسها؟

الحكاية الخامسة: لحية عصام زهر  الدين

في نظام الجيش السوري، لا يحق لأحد أن يربي لحيته، خشية أن تتخللها بعض الحشرات التي تتغذى بالشعر، كالقمل، ولكن العميد عصام زهر الدين (1961- 2017) أطلق لحيته، ويبدو أن قادة الجيش غضوا النظر عنه إذ رأوه منشغلاً بمكافحة الإرهاب. وقد سرب بعض عناصره خبراً مفاده أن لحيته قملت بالفعل، وكان ذلك قبيل تصريحه المصور الذي قال فيه:

- المعارضين اللي طلعتوا من سوريا، نصيحة من هالذقن (المقملة) لا ترجعوا، لأني إذا القيادة سامحتكم أنا ما راح أسامحكم.

صدقني يا عصام، يا أبو لحية المقملة، لو رجع رفعت الأسد قبلما أنت تموت، لوقفت في حضرته مثل القملة المفروكة.. ولن ينتظر منك أحد أن تسامح أو لا تسامح.