حصة الدب المُهَدَّدة في الفطيرة السورية

2021.12.06 | 05:12 دمشق

aadt_alamar.jpg
+A
حجم الخط
-A

هناك مثل إنكليزي يقول:

"you can’t eat the pie, and keep it "/

"لا يمكنك أن تأكل الفطيرة، وتحتفظ بها"؛

هذا ما تصوّر بوتين أنه يستطيع فعله في سوريا؛ إلا أنه اكتشف أن له شركاء كُثرا في هذه الفطيرة، ولكن أخطرهم هو شريكه الإيراني. ومن هنا، وخلال كل تلك الأعوام في سوريا، سعى إلى الاستئثار بها، أو على الأقل أن تكون العلاقة والشراكة في الفطيرة متوازنة، رغم التناقضات التي لا حصر لها بين روسيا ومتدخلين كُثرا، وخاصة إيران. لقد تناقض مع إيران في سوريا بكل شيء، وكانت لهما "أجندات" متناقضة في كل شيء؛ ولكنهما اشتركا فقط في مسألة واحدة وحصرية تحديداً الإبقاء على منظومة الاستبداد الأسدية.

ذا كان عنوان التعاون أو التحالف الروسي-الإيراني مبنياً على هدف غير طبيعي وغير أخلاقي؛ ألا وهو نصرة الباطل القاتل على الحق في الحياة الحرة الكريمة، فمصيره الفشل حتماً

إذا تركنا التناقض التاريخي بين روسيا وإيران جانباً، وعلى رأسه تسخير "إيران الشاه" من قبل الغرب - خلال الحرب الباردة - كحاجز صدّ في وجه السوفييت، فإن روسيا اليوم لا تختلف رؤيتها من أن ملالي طهران لن يترددوا من لعب هذا الدور في وجه روسيا؛ وإذا ما تمعنّا بانفتاح إيران على الصين، ومغازلتها للغرب عبر مزاحمة روسيا كمصدر طاقة لأوروبا؛ وانتقلنا إلى الفجوات بين موقفي البلدين حاضراً، ابتداءً من الملف النووي - وعدم اعتراض روسيا على عقوبات فُرِضَت دولياً على إيران -مروراً بالتناحر الاستثماري في بحر قزوين، وصولاً لصراع مبهم في جنوب القوقاز؛ فإن ذروة التناقضات بينهما هي الساحة السورية، حيث ذروة تحالفهما؛ فهل هذا التحالف غير المقدس يصل إلى نهايته مع شبه الإجماع الدولي على اقتلاع إيران من سوريا، وفي ظل كثافة الاستهداف الإسرائيلي لمواقع عسكرية إيرانية في سوريا، إثر لقاء رئيس وزراء إسرائيل الجديد وبوتين مؤخراً؟

إذا كان عنوان التعاون أو التحالف الروسي-الإيراني مبنياً على هدف غير طبيعي وغير أخلاقي؛ ألا وهو نصرة الباطل القاتل على الحق في الحياة الحرة الكريمة، فمصيره الفشل حتماً؛ حتى ولو حقق نجاحاً مؤقتاً. في النهاية، ما مِن عصابة إجرام، إلا واختلف أعضاؤها. فكما احتاجت روسيا آلة قتل على الأرض لتنجز أهدافها، كذلك احتاجت إيران آلة قتل من الجو لتنفذ هدفها الميداني. وأي خلل في هذه المعادلة يعني الفشل، على الأقل لأحدهما؛ والمثال الصارخ شهدناه في الجنوب السوري، عندما خذَل طيران بوتين ميليشيات ملالي طهران وبقايا عسكر بشار الأسد في درعا.

ضمن الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، هناك إقرار ضمني- وحتى عالمي- أن اليد الروسية هي الأعلى في سوريا؛ ولكن مع الوجود الإيراني- الذي يرى نفسه الأحق في احتلال هذا الموقع، بحكم عضوية العلاقة مع منظومة الأسد- فإن اليد الروسية في حالة اهتزاز واضحة. فما هو "طيّب المذاق لأحدهما، سُمٌ رعاف للآخر. فإيران تشعر أن الخطر الأكبر على مشروعها في المنطقة لن يكون إلا روسي الصناعة والتدبير".

لم يعد خفياً على أحد أن التوجس والخوف وعدم الثقة يعشش في كل خطوة يشتركا أو يلتقيا بها على الأرض السورية؛ فكما اشتركا وتحالفا على قهر الشعب السوري والسعي لهزيمته، وعلى إعادة تكرير منظومة الأسد، يتناقضان ويختلفان ويتزاحمان بكل شيء، وعلى كل شيء. فهل من مصلحة روسيا مثلاً تحويل إيران لسوريا إلى هيكل بلا روح تنخره المخدرات والفقر والتهتك المجتمعي السوري؟ ألا تجعل سيطرة إيران على ما تبقى من عسكرة في سوريا من الذراع الروسية أداة هشّة تدور في الفراغ؟! وهل بقيت أي موارد في سوريا لم تمتد اليد الإيرانية إليها سيطرة أو عبثاً أو تخريبا؟! ألم تطرق أسماع الروس تلك الانتقادات الجارحة والأصوات التي تمنّن روسيا بأنها لولا إعطاؤها الفرصة للدخول إلى سوريا، لما عادت إلى الساحة الدولية؟! ألا يتوقع الروس أن تصلهم لاحقا فتاوى وإدانات من مجلس إيران الفقهي الذي تم تشكيله مؤخراً بقرار إيراني؟!

إيران، إيديولوجياً وديموغرافياً واقتصادياً، أوصلت الأمور للإفقار والمخدرات؛ بحيث أضحت أمنية مَن في الداخل السوري الخروج من مكان ليس له غيره

صحيح أن روسيا فعلت ما فعلت عسكرياً في سوريا، وحمت "النظام" في المحفل الدولي سياسياً، وسوّقت سَرْدِيّات متناقضة تُجافي حقيقة وجوهر الصراع في سوريا؛ ولكن إيران، إيديولوجياً وديموغرافياً واقتصادياً، أوصلت الأمور للإفقار والمخدرات؛ بحيث أضحت أمنية مَن في الداخل السوري الخروج من مكان ليس له غيره؛ فإن أكملت روسيا ما تتضح معالمه كقرار بفك هذا الترابط غير المقدس، وتجاوبت مع اجتماع بروكسل الأخير- الذي لا يزال متمترساً عند محددات القرارات الدولية بخصوص سوريا - وفكّت هذا الترابط غير المقدس مع ملالي طهران، ألن يكون ذلك القفزة الروسية الدراماتيكية المطلوبة في القضية السورية.

هكذا فقط تكفّر روسيا عن كثير من مآسٍ تسببت بها في سوريا؛ وهكذا تقطع  الطريق على ما تصوّره باستمرار تدخُّلاً أميركياً معطِّلاً؛ وأرضت إسرائيل التي تطمح لعلاقة متميزة معها؛ وأراحت دول الخليج، وأشعرتهم بشيء من الطمأنينة؛ واقتربت من منجز سياسي تتطلع إليه. ربما عندها تكون حصتها في الفطيرة السورية، ليس فقط أكبر من غيرها، بل إنها تحمي ذاتها من مستنقع يتجاوز السقطة السوفييتية الأفغانية، التي تتمناها لها إيران؛ والأهم تريح نفسها، وتخلّص السوريين من هذا الوباء؛ فهل تفعلها موسكو؟!