حسابات جولة الإعادة في الانتخابات التركية وانعكاساتها التي تميل سلبياً على السوريين

2023.05.19 | 06:07 دمشق

كمال كليتشدار أوغلو
+A
حجم الخط
-A

من نافلة القول إن أثر الانتخابات التركية الجارية لا يقتصر حالياً على الشعب التركي وكيفية التعاطي مع الملفات الداخلية والخارجية فحسب، بل، إن أثر الانتخابات يمتد بعيداً على المستويين الإقليمي والدولي، وما يعنينا هنا كسوريين هو الانعكاسات المتوقعة لنتائجها على الشعب السوري، سواء فيما يتعلق بملف اللاجئين المترقبين بحذر، أو عموم الجغرافيا السورية بدرجات متفاوتة.

من حيث المبدأ ينحاز اللاجئ السوري في عواطفه إلى تحالف الشعب والرئيس أردوغان، بوصفهم التيار السياسي الذي ما يزال رغم كل التشدد في السنوات السابقة تجاه السوريين، من يحافظ على سياسة يمكن وصفها بالمعتدلة، عبر التمسك بمبدأ العودة الطوعية الآمنة مع ملاحظة الفوارق الجوهرية بين الحزب القومي أحد أبرز حلفاء حزب العدالة والتنمية، تجاه قضية اللاجئين، إذ يميل الأول للتشدد أكثر.

لكن، مع إسدال الستار عن نتائج الانتخابات الرئاسية التركية في جولتها الأولى، وعدم تمكن أيّ من المرشحين من حسمها، عبر تحقيق النصف +، وإعلان اللجنة العليا للانتخابات، التوجه لجولة ثانية، برز المرشح الخاسر "سنان أوغان"، مرشح تحالف الأجداد كصندوق أخير سيلجأ الطرفان لمحاولة استمالته، بغية الحصول على أصوات إضافية، يرجّح أنها ستكون حاسمة في الجولة الأخيرة.

الأمر الذي يطرح بدوره تساؤلاً هاماً عن انعكاس التطورات في السباق الانتخابي على السوريين؟ ومدى تأثير مساعي كل من المتنافسين لاستقطاب "أوغان" إليه؟

تتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات تعريجاً سريعاً للحديث عن سنان أوغان، وبرنامجه الانتخابي وأحدث مواقفه، بغية تحديد نقاط التوافق والاختلاف مع برامج كل من المرشحين وتحالفاتهما الحزبية وبرامجهما الانتخابية أيضاً، وبالتالي إمكانية استمالته، وهو ما يسمح باستشراف انعكاسات ذلك كله على الملف السوري واللاجئين على وجه الخصوص..

صاحب "الصوت المؤثر في الجولة الثانية من الانتخابات"، قدّم في برنامجه الانتخابي مجموعة من النقاط؛ كان من أبرزها: العودة إلى النظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي، ترحيل اللاجئين وخاصة السوريين مع توفير عودة آمنة لهم، واستعادة الجزر من اليونان، بالإضافة إلى التركيز الاقتصادي على الإنتاجية والتجارة الخارجية.

من حيث المبدأ ينحاز اللاجئ السوري في عواطفه إلى تحالف الشعب والرئيس أردوغان

ومعلوم أن السيد "سنان" ينحدر سياسياً من حزب الحركة القومية، وانتخب كنائب برلماني عنها في انتخابات 2011، قبل أن يفصل نهائياً عام 2017 ويشكل مع آخرين "تحالف الأجداد" ذوي الطابع القومي المتشدد.

وبالاستناد إلى هذه الرؤية يمكن القول: إن التوافق الرئيسي مع الطاولة السداسية يتمثل بترحيل اللاجئين السوريين والعودة للنظام البرلماني، في حين يتمثل التوافق مع التحالف الحاكم في المواجهة الخارجية عبر ملف البحر المتوسط، والحدة تجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والتنظيمات الموالية لها، إلا أن عاملاً هاماً يبرز في هذا السياق، وهو حسابات الفائدة الشخصية من التحالف، إذ باتت الطاولة السداسية سباعية سابقاً ومع انضمام "سنان" ستكون ثمانية إن صح التعبير، مما يقلّص من مكاسبه المحتملة في ظل ازدحام المتقاسمين للسلطة المأمولة، والعكس غير صحيح في حالة التحالف الحاكم.

وإذا كان انحيازه تجاه التحالف الحاكم أمراً ظنياً، إلا أن انعكاسات أي من خياراته ستكون جلية على ملف اللاجئين السوريين. ذلك أن انضمامه لتحالف المعارضة سيؤدي لتعزيز فرصها بالفوز من جهة وتعزيز التيار الرافض للسوريين فيها وفي السلطة لاحقاً وهو ما يزيد من سوداوية المشهد القادم.

أما في حال تحقق سيناريو آخر وهو انضمامه للتحالف الحاكم فإن شروطه التي ستفرض نسبياً ستؤدي إلى سياسات أكثر تشدداً تجاه السوريين بكل تأكيد، وإن كانت درجة هذا التأثير موضع جدل.

إذ إن خطوات التحالف الحاكم ممثلاً بالرئيس "أردوغان" على مدار العامين الماضيين قد أخذت بالفعل شكلاً تصاعدياً تجاه اللاجئين، بدايةً من خطط إعادة نحو مليون لاجئ سوري في تركيا إلى شمال غربي سوريا، وليس انتهاءً بالسعي للتطبيع مع نظام الأسد وقضية اللاجئين أحد أهم دوافع التوجه الجديد الذي يبدو أنه لن ينتهي بمجرد انتهاء الانتخابات.. ومع وجود تأثير إضافي لتحالف الأجداد في حسم الانتخابات الحالية، فإن دوافع المضي بخطوات سلبية جديدة من منظور الشعب السوري ستصبح أكثر احتمالاً.

تقودنا هذه التقاطعات السابقة إلى القول: إن المعركة الانتخابية القادمة بين التحالفين المتنافسين على رئاسة تركيا، ارتبطت بشكل أو بآخر بوجود الطرف الثالث، الذي يلعب دوراً حاسماً في المعركة الانتخابية، وهذه التقاطعات تتبلور فيها سيناريوهات متعددة، يتلخص السيناريو الأول بدعم "أوغان" لتحالف المعارضة، يدعم هذا السيناريو بتلاقي أحد أبرز أهدافهما معاً، بملف ترحيل اللاجئين وعلى وجه الخصوص السوريين، وهنا، أضحى لدى تحالف المعارضة صوت قوي معاد للاجئين وأكثر تشدداً.

فيما يتلخص السيناريو الثاني، بدعم "أوغان" لتحالف الحزب الحاكم، مدفوعاً بوجود الحركة القومية ضمن التحالف، والتي تعبر بشكل أو بآخر عن النزعة القومية لدى "أوغان" _وإن كانت متشددة الطابع_ لتصبح كتلة وازنة داخل تحالف الحزب الحاكم، وبالتالي ترتفع إمكانية فرض التشدد تجاه قضية اللاجئين والتعامل مع الموضوع بحدّة أكثر.

وبذلك يمكن القول مبدئياً: إن جولة الإعادة بشكلها الحالي _ومع الأسف_ تحمل في طياتها مضامين سلبية تجاه السوريين أينما توجهت التحالفات، وكيفما كانت النتائج مع مراعاة الفوارق في التأثير.

أما السيناريو الثالث وهو السيناريو المستبعد لكنه الأفضل، وفق البرنامج السياسة المطروحة، يتمثل بتوجه "أوغان" إلى دعم تحالف المعارضة، وفوز التحالف الحاكم رغم ذلك، والتي إذا ما أضيفت إلى نجاح التحالف الحاكم في الحصول على الأغلبية البرلمانية فإن عملية "ليّ ذراع" العدالة والتنمية والرئيس أردوغان من بوابة اللاجئين ستكون قد سقطت بشكلها الانتخابي والقانوني على الأقل.