حزب الله يهندس الحكومة ويفاوض في الترسيم ويقفل طريق فرنجية

2022.09.05 | 06:21 دمشق

حزب الله يهندس الحكومة ويفاوض في الترسيم ويقفل طريق فرنجية
+A
حجم الخط
-A

بدأ العد التنازلي. بعد 57 يوماً سيرحل ميشال عون من قصر بعبدا للمرة الثانية والأخيرة في حياته، فولاية "الرئيس القوي" تنتهي بتعميق مستمر للأزمة وبألم يعيشه كل لبناني مقيم كان أم مغترب، والدولة في عهد عون باتت تعيش حالة تفكك كامل والمؤسسات الأخيرة تنهار، ويستمر الشلل الحكومي بسبب تمسك عون المستمر بحكومة يديرها ولو خارج القصر الرئاسي، لكن بالنسبة إلى ميشال عون ، قد يكون الأسوأ بالنسبة له في مكان آخر، فقبل أسابيع قليلة من مغادرته القصر الرئاسي يخشى الرجل على إرثه السياسي والسؤال الأبرز بات ماذا سيتبقى من العونية أو العونيين بمجرد أن يترك عرشه في القصر والذي دفع اللبنانيون أثمانا باهظة من أموالهم وأرواحهم ليصل عون لهذا الموقع ويتركه خرابة مدمرة.

وثمة أسباب تحول دون تشكيل حكومة العهد الأخيرة. بسبب أن الحسابات القائمة بين مختلف الأطراف حول المشكلة الحكومية تطاول مرحلة الفراغ الرئاسي الذي يستعد له الجميع، وعليه فقد بات جلياً أن خيار الذهاب إلى حكومة من ثلاثين وزيرا من خلال إضافة 6 وزراء دولة لن تقبل به الأطراف المناوئة لعون وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومعه الرئيس نجيب ميقاتي وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

لأنه ووفقاً للثلاثي الرافض فإن تعيين 6 وزراء دولة سيعطي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الثلث المعطّل في الحكومة التي ستدير الفراغ الرئاسي، كونه الجهة التي ستسمّي الوزراء المسيحيين الثلاثة، لذا فإنّ هذه التسميات ستكون سياسية بامتياز، وتنتمي مباشرة إلى القوى السياسية المعنية. وهو ما يعني إعادة إحياء حضور باسيل المباشر من خلال تياره، في وقت من المفترض أن يشكّل خروج رئيس الجمهورية ميشال عون من القصر الجمهوري عامل إفقاد باسيل كثيرا من عناصر قوته، وتأثير باسيل بعد 31 تشرين الأول سيكون مختلفاً عن المرحلة التي سبقت. لأجل ذلك يرفض خصوم باسيل منحه ورقة الإمساك بالحكومة مهما كان الثمن لذلك.

رئيس الجمهورية لن يوقع على أي تشكيلة لا تتوافق مع طموحات صهره في الإمساك بخيوط أي سلطة سياسية كانت

وعليه فإن الجميع يتصرف وكأن الفراغ الرئاسي أصبح حتمياً. وهناك مساع لتجنّب الدخول في صراع دستوري أو جدل دستوري حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في إدارة البلاد بعد رحيل ميشال عون. الواقع الذي نجح رئيس الجمهورية بفرضه، سيقود إلى خيار إعادة تشكيل الحكومة نفسها مع السعي لضمان حصولها على ثقة المجلس النيابي، أو أن أي تعديل وزاري أو تغيير بالصيغة لا يمكن أن يقتصر على وزيرين فقط، إنما يجب أن يكون أشمل وأوسع، لا سيما أن رئيس الجمهورية لن يوقع على أي تشكيلة لا تتوافق مع طموحات صهره في الإمساك بخيوط أي سلطة سياسية كانت.

والنزاع الحقيقي الدائر حول التشكيل الحكومي لا يوحي بحلول قريبة. لأن رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه ميقاتي وجنبلاط وربما سليمان فرنجية، يعتقدون أنّ باسيل يعمل على إعادة خلط الأوراق في الاستحقاق الرئاسي بعد الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي، ويريد ورقة حضور قوية في الحكومة المقبلة لإعادة ترجيح حظوظه الرئاسية على الطاولة في ظل لقاءاته السرية مع هوكشتاين وغيره من الوسطاء لرفع العقوبات الأميركية عنه، وهذا ما يجعل خصومه يرفضون فكرة إضافة وزراء الدولة الستة. 

لذلك بات واضحاً سبب تدخل حزب الله على خط التأليف عبر وفيق صفا وحسين الخليل واللذين يطوفان بين باسيل وبري وميقاتي، لطرح فكرة إعادة تعويم الحكومة الحالية ومنحها الثقة من دون أي تعديلات أو حتى تبديل وزيرين، لأنّه لا معنى لذلك،  لكن وبالمقابل فإن الحزب إياه يريد حكومة شرعية كاملة المواصفات في مرحلة الفراغ الرئاسي، خشية أن تمتد لأشهر طويلة فتصبح حكومة تصريف الأعمال، عبئاً عليه بسبب واقع داخلي وخارجي ضاغط، وحيث من المرجح أن تشهد مرحلة الفراغ الرئاسي مفاوضات صعبة مع العواصم الغربية عبر الفرنسيين والقطريين على الأرجح للتفاهم على تحديات المرحلة المقبلة.

بالتوازي فإن العديد من المطلعين يؤكدون أنه ليست الضغوط المحلية وحدها هي التي ستؤدي إلى تعويم الحكومة الحالية أو حتى تعديل وزيرين فيها، فهناك ضغوط خارجية أيضاً لحسابات مختلفة ومتعددة تقف وراء هذا الأمر. فالموقف الأميركي واضح حول ضرورة الذهاب لحكومة تدير الفراغ وهذا الأمر سمعه الجميع من السفيرة دورثي شيا، وكذلك فإن الفرنسيين يضغطون يومياً على كل الأطراف للإتيان بحكومة سريعة قبيل الدخول في المحظور الدستوري، بالمقابل فإن جهداً قطرياً قد يتكثف خلال الأيام المقبلة للذهاب إلى صيغ تسوية تعيد ترتيب المشهد اللبناني بالتزامن مع التحديات الإقليمية الجارية.

وتشير الأوساط ذاتها إلى أن هذه الحكومة سيكون أبرز مهامها مواكبة مسار ترسيم الحدود والعمل على الوصول إلى اتفاق بحري قريب. فهناك حاجة لإصدار مرسوم بعد حصول الاتفاق. وبما أن حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على الانعقاد، وفي حالة الشغور الرئاسي يتحول كل وزير إلى صاحب صلاحية بتعطيل أي مرسوم، لأن القاعدة التي عمل بها أيام حكومة الرئيس تمام سلام في فترة الفراغ الرئاسي، كانت تنص على أن أي مرسوم كي يصبح نافذاً يحتاج إلى توقيع كل الوزراء.

وعليه تشير المعطيات إلى أن مهمة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين باتت في أضيق المراحل الدقيقة ما اضطره للاستعانة بالبيت الأبيض، فهو يشير لكل من يلتقيه أنه أنجز الأمور التقنية المتعلقة بالترسيم والحقول والخطوط، وانتقل إلى مرحلة الضمانات لحمايتها وضمان تنفيذها، وعليه فإن الحركة الدبلوماسية واكبتها الإدارة الأميركية على مستوى مستشار الأمن القومي الأميركي والرئيس جو بايدن الذي فتح خطوط تواصله مع يائير لابيد بغية الضغط باتجاه إنجاز المرحلة الأخيرة التي وصل إليها مبعوثه.

وهوكشتاين كان واضحاً في نهاية جولاته الأخيرة على بيروت وتل أبيب بالإضافة إلى لقاءاته في اليونان وفرنسا وألمانيا، بهدف تطمين الأوروبيين حيال ملف أمن الطاقة بعد العقوبات على النفط الروسي وما يمكن أن يزيدها حدّة إن أقدمت موسكو على قطع إمداداتها عن الدول التي ما زالت مستثناة من برامجها حتى اليوم، ومواجهة الحاجة المتزايدة لمصادر الطاقة من المناطق الأقرب إليها كمنطقة الشرق الأوسط.

لذا فإن هوكشتاين، التقى رئيس مجلس إدارة شركة توتال في العاصمة الفرنسية باريس، وتم البحث في التزامات الشركة في لبنان لا سيما بالمنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، وهذا اللقاء الذي جمع المبعوث الأميركي بالشركة ليس اللقاء الأول، فهناك فريقٌ تقني قدّم مساعدة تقنية لهوكشتاين سابقاً ليتبين أنه من فريق "توتال".

الحزب ليس في وارد الإتيان برئيس حليف أو قريب من خطه السياسي، وخاصة بعد تجربة ميشال عون ما يعني إقفال الطرق أمام سليمان فرنجية والذي تعارضه دول خليجية بالإضافة للولايات المتحدة

وأمام هذا التسارع في الأزمات يعول حزب الله ومن خلفه الإيرانيون على إنجاز مجموعة من الملفات أهمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والحزب كان قد أبلغ كل من يعنيهم الأمر في المنطقة وخلال لقاءاته مع الفرنسيين والقطريين وحتى مع وسطاء ينقلون رسائل للأميركيين والسعوديين، ومفاد هذه الرسائل أن الحزب ليس في وارد الإتيان برئيس حليف أو قريب من خطه السياسي، وخاصة بعد تجربة ميشال عون ما يعني إقفال الطرق أمام سليمان فرنجية والذي تعارضه دول خليجية بالإضافة إلى الولايات المتحدة.

وهو يريد رئيساً على علاقة تفاهم معه لكنه أيضاً محسوب على أطراف أخرى، وهذه الإستراتيجية تهدف إلى إشراك الجميع في أي انهيار أو أزمة مستقبلية، فيتخفف هو من أثقال الأزمات، ويعطي انطباعاً واضحاً أنه غير ممسك بالدولة والرئاسة والحكومة. أما في ملف الترسيم فهو يريد أن يكون صاحب القرار الأخير والنهائي وفق شعار أنه يقف خلف الدولة وأنه يلتزم بما تقرره، وأن أي تحرك يقوم به يأتي لإحاطتها بدعم لموقعها السياسي والتفاوضي.