حزب الله يسقط العهد

2019.12.12 | 17:24 دمشق

images_6.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع انفجار الثورة اللبنانية أطلق حزب الله على لسان أمينه العام رسائل واضحة حول عهد الرئيس ميشال عون، أكّد فيها أنه لن يسمح بإسقاطه في الشارع. لم تترك تلك التصريحات مجالا للشك في أن حزب الله يلبس العهد ويتقمصه ويتوحد به، ويعتبر أن المس به إنما يعني استهداف سلاحه و مشروعه وحضوره في البلد.

 ما تلا ذلك من مستجدات خلق بسرعة لافتة جملة من الوقائع المستجدة، تحوّل فيها العهد إلى هيئة لا يمكن لحزب الله احتمالها. إطلالات الرئيس عون الكارثية على كل المستويات واستعراضات صهره وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال كشفت عن مشهد مغاير تماما لكل ما يريد حزب الله من العهد تظهيره.

تجلت كل الهشاشة التي يعاني منها البلد في مشهدية ترهل العهد، وقد وجدت نفسها مكثفة في صورة الرئيس وفي سلوكات صهره الذي لا يوفر جهدا في سبيل إشاعة العداوات والخلافات أينما حل. هكذا وجد حزب الله نفسه إزاء التصاق صورته بالعهد يعاني بشدة من آثار هذه الصورة وعواقبها التي لا تتيح له التحرك والتصرف.

عرف حزب الله مبكرا أنه سيكون خاسرا في مشروع حرب داخلية في ظل انهيار اقتصادي لم يعد وشيكا، بل وقعت البلاد فيه فعلا، ولا يمر يوم من دون أن تترسخ معالمه وتتعمق، وقرأ بوضوح أن هذا الانهيار شامل ويطال الجميع

بات العهد أزمة حزب الله الجدية لأنه لا يمكن الإبقاء عليه ولا استمرار حضوره في الساحة اللبنانية إلا من خلال حرب لا يريدها أحد سواه

ولا يمكن التعامل معه بوسائل القوة، لا بل كان أول ما أصيب بالشلل، إزاء ارتفاع وتيرة الأزمة الاقتصادية والمعيشية، هو السلاح ومفاعيله وقدرته على فرض الحلول.

من هنا بات العهد أزمة حزب الله الجدية لأنه لا يمكن الإبقاء عليه ولا استمرار حضوره في الساحة اللبنانية إلا من خلال حرب لا يريدها أحد سواه، بينما لا يمكن الحفاظ على بنية السلطة أو تركيب نسخ جديدة منها تحفظ للحزب موقعه في التركيبة الداخلية للبلد إلا من خلال التسويات التي يقترحها الغرب، بما يعنيه ذلك من استبدال صيغة العهد القوي بصيغة حكومة سعد الحريري القوية.

تختلف عناوين عهد سعد الحريري الحكومي المنتظر عن عناوين عهد عون الذي يسعى حزب الله للتخلص منه، فالغرب يعرض على لبنان صفقة إنقاذية مقابل جملة إصلاحات وشروط إدارية وسياسية ظهر بشكل واضح أنه لا يمكن تنفيذها في ظل عهد عون.

جاء رفض وجود باسيل في أي تركيبة حكومية عاما وشاملا من الغرب وخصوصا من فرنسا، ومن الداخل بعد أن أجمع على رفضه كل من نصر الله وبري وكذلك الحريري، كما لا يوجد أي طرف مسيحي يستسيغ حضوره أو يقبل به. يضاف إلى ذلك أن إعلانه الانتقال إلى صفوف المعارضة بما يعنيه ذلك من محاولة احتلال ساحات الثورة سيضعه في مواجهة معها.

بذلك تحول باسيل فتى العهد إلى مشكلة لحزب الله وللبلد عموما، وبدا أن أي حل ممكن يتطلب إخراجه من المعادلة، وقد عمل الحريري بشكل لافت على تركيب شروط هذه المعادلة بقبوله إسقاط حكومته ثم إسقاط نفسه والاكتفاء بدور الداعم والمؤيد لأي مرشح ممكن لتولي رئاسة الحكومة. وقف يراقب وراء الكواليس تهاوي الأسماء واحدا تلو الآخر في انتظار نضوج المعادلات التي تربط بين وجوده على رأس حكومة تكنوقراط وبين إنقاذ السلطة في البلد عموما.

خلقت هذه المعادلة تباينا حادا في المشاريع بين حزب الله وعهد الرئيس عون في بنيته الباسيلية العميقة، إذ إن حزب الله يعرف أن الانهيار الاقتصادي سوف يفكك كل بنى السلطة بشكل تام، بينما يعتقد العهد أنه بالإمكان

اللحظة الحالية التي يسيطر فيها العنوان الاقتصادي أخرجت التيار العوني تماما من دائرة الحسابات، كونه لا يملك في يده أي ورقة ترتبط بالعنوان الاقتصادي

تركيب بنى السلطة وفق المعايير القائمة من خلال تنظيم عملية خداع عامة للغرب والعالم وحتى للحزب نفسه.

يعتقد العهد القوي أن بإمكانه خداع الجميع وبموافقتهم، ولا يريد أن ينتبه الى أن الثورة القائمة في لبنان والتي أجبرت حزب الله على إعادة النظر في كل أدواته قد حولته إلى شبح.

اللحظة الحالية التي يسيطر فيها العنوان الاقتصادي أخرجت التيار العوني تماما من دائرة الحسابات، كونه لا يملك في يده أي ورقة ترتبط بالعنوان الاقتصادي، بل على العكس من ذلك، فإنه ومع كل يوم جديد من عمر الثورة تتوجه إليه بشكل خاص أصابع الاتهام في ملفات الفساد والهدر، وبشكل خاص بسبب الوقاحة العامة التي يتناول بها وزراؤه ونوابه وقضاته الشأن العام.

لم يجد حزب الله إزاء هذا الواقع بديلا عن إسقاط العهد لصالح استعادة سلطة لا يرجى منها أن تنقذ البلاد، بل أن تبلور واقعا جديدا لا مجال فيه للعهد بصيغته الحالية.

لا يعني ذلك أن شبكة الأزمات المرشحة للانفجار في القادم من الأيام في وجه عهد الحريري وما سينتجه ستكف عن التوسع والتمادي. ما سينتجه تكليف الحريري وتشكيل حكومة يرضى عنها الغرب لا يعدو كونه إنفاذا لمشاريع هذا الغرب الرامية إلى تحويل لبنان إلى مستودع للأزمات. كل ما سيقدم من دعم لا يخرج عن هذا العنوان العريض، أي تأمين صيانة هذا البلد بوصفه خزانا للأزمات وجدارا عازلا يحول دون انتقالها إلى أوروبا.

يطرح على اللبنانيين الاختيار بين الأيرنة أو الفرنسة، أي بين موت مجرّب أو البقاء في غرفة الإنعاش الى الأبد.