حرب المفاجآت في المعتقلات الإسرائيلية

2021.09.07 | 06:34 دمشق

image-130.jpg
+A
حجم الخط
-A

صباح السادس من أيلول/سبتمبر كانت فلسطين المحتلة على موعد مع حدث تاريخي، حيث أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية عن فرار ستة أسرى فلسطينيين، من ذوي الأحكام المؤبدة من سجن جلبوع، عبر نفق حفروه على مدار أشهر بأدوات بدائية، وامتد النفق إلى بعد أمتار قليلة خارج أسوار السجن.

يأتي هذا الخرق الأمني لمنظومة سجن جلبوع الأكثر شهرة من نواحي التحصين الأمني، ليضاف إلى قائمة الصفعات التي تلقتها حكومة نفتالي بينيت منذ توليه الحكومة الإسرائيلية، فنفتالي الذي استعرض قبضته الحديدية الأمنية في أثناء حملته الانتخابية، واجه كسر إرادته في سلسلة أحداث، من منع مسيرة الأعلام في القدس، إلى عمليات الإرباك الليلي في جبل صبيح، وصمود المقدسيين في الأحياء المقدسية المهددة في الشيخ جراح وسلوان، إلى قنص الجندي الإسرائيلي (شموئيلي) في حدود غزة من المسافة صفر، إلى تراجع شعبية سلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال بفعل خنق الحريات العامة، وأمام كل هذه التحديات التي فرضت على حكومة نفتالي بينيت، فهو يعاني من جملة أزمات داخلية في حكومته لم يكن آخرها هشاشة الحكومة بسبب تركيبتها الحزبية المتناقضة.

كل هذه التحصينات والإمكانات لم تمنع ستة أسرى فلسطينيين من تجاوزها تحت ستار من السرية، متحدية أخطر منظومة أمنية معقدة في إدارة السجون

يضاف الحدث إلى سلسلة الخروقات الأمنية لنظام أمن الاحتلال، ويشكل علامة فارقة في كسر أسطورة الحصانة الأمنية الإسرائيلية لعدة أسباب، فسجن جلبوع المسمى بالخزنة، دلالة على حصانته الأمنية، هو سجن مبني وفق النظام الأميركي الحديث في بناء السجون، ويتميز بإمكاناته الأمنية الإلكترونية والكادر البشري في حراسة السجن ضمن نظام مراقبة كاميرات على مدار الساعة، كل هذه التحصينات والإمكانات لم تمنع ستة أسرى فلسطينيين من تجاوزها تحت ستار من السرية، متحدية أخطر منظومة أمنية معقدة في إدارة السجون وسط صدمة في المستويات الأمنية الإسرائيلية.

تتمثل أهمية الحدث على عدة مستويات:

المستوى الأول: تحقيق الرعب المتبادل ضمن الحرب الاستخباراتية والأمنية بين المقاومين الفلسطينيين والاحتلال، وذلك في جميع أماكن وجودهم حتى في أكثر سجون الاحتلال حصانة، وهذا من شأنه أن يربك حسابات الاحتلال الأمنية، خاصة أن الاحتلال قد تعرض لصفعة أمنية بالغة الدقة في معركة سيف القدس التي أنزلته إلى الملاجئ وتحكمت في حياة المدنيين، وعطلت الحياة داخل دولة الاحتلال، ونجحت في إفشال حصر المعركة في نقاط محددة يحددها الاحتلال دائماً بشكل بعيد عن تأثر الحياة في دولته، هذا الرعب المتبادل والخسائر التي حصلت في منظومة دولة الاحتلال في هذه الأحداث المتلاحقة تحرج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وتكسر صورتها التي تسوقها عالمياً أمام الراغبين في الاستيطان في فلسطين المحتلة وأمام من نجحت في إقناعهم بذلك، حيث شهدت فترة ما بعد المفاجآت الأمنية موجة هجرة معاكسة لخارج دولة الاحتلال.

المستوى الثاني: اتساع الرقعة الجغرافية لعمليات المقاومة الفلسطينية إلى داخل السجون، تمثل عمليات مقاومة الأسرى من معارك الأمعاء الخاوية، إلى محاولات انتزاع الحرية عبر تخطي المنظومة الأمنية هاجسا أمنيا كبيرا لدولة الاحتلال، خاصة في سجن جلبوع الذي يضم الأسرى الفلسطينيين المعروفين بقضايا أمنية، وحققوا توازنا في حرب المفاجآت بين الطرفين، فكل محاولة انتزاع حرية من زنازين الاحتلال أثبتت في تفاصيلها قدرة لدى الأسرى الفلسطينيين في التفوق على المحتل الإسرائيلي في حرب كسر الإرادات.

الحدث أتى بعد أسبوع من لقاء الرئيس الفلسطيني عباس مع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في رام الله في ٢٩ آب أغسطس، حيث احتفل قادة التنسيق الأمني الفلسطيني بما سموه إنجازات وطنية لا شعارات

المستوى الثالث: تأجيج الغضب الشعبي على سلطة التنسيق الأمني التي تشارك في عمليات البحث عن الأسرى الأحرار يداً بيد مع أجهزة دولة الاحتلال، وتقزيم هذه السلطة أكثر في كل حادثة بطولية فلسطينية، وإظهار مدى انسجام أدوارها مع الاحتلال، فالحدث أتى بعد أسبوع من لقاء الرئيس الفلسطيني عباس مع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في رام الله في ٢٩ آب أغسطس، حيث احتفل قادة التنسيق الأمني الفلسطيني بما سموه إنجازات وطنية لا شعارات، تمثلت تلك (الإنجازات) بتفعيل خدمة ٤ جي،  والحصول على خمسة آلاف جمع شمل للعائلات الفلسطينية، حيث سوقت الشخصيات الفلسطينية المتورطة في التنسيق الأمني مع الاحتلال كلا الأمرين على أنهما إنجاز وطني كبير، واتخذتهما مجالاً للمزاودة على المقاومة الفلسطينية والتحريش بها.

المستوى الرابع: إثبات إمكانية الوحدة الفلسطينية وتذليل الاختلافات في حال كانت الغاية هي الحرية، في الوقت الذي تشهد فيه جهود المصالحة الفلسطينية تدهوراً، فالسلطة الفلسطينية التي تصارع من أجل تسهيلات من طرف واحد، وفي ظل عدم إجماع وطني على أدائها فشلت في مواطن كثيرة ولم تنجح في إلغاء حاجز واحد للاحتلال، وتمسكت بمكتسبات طبقة محدودة في داخلها، ويمثل الحدث إحراجاً لها وإعادة لتسليط الضوء على الأسرى الفلسطينيين ومعاناتهم داخل سجون الاحتلال، في الوقت الذي جعلت أجهزة أمن السلطة عدداً من أبطال معارك الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال مادة لقمعها واعتقالاتها السياسية.

نجح زكريا الزبيدي (٤٦) من مخيم جنين والمعتقل منذ العام ٢٠١٩ والمحسوب على كتائب شهداء الأقصى/ حركة فتح، بقيادة محمد قاسم عارضة (٣٩) عاماً، وأيهم نايف كممجي (٣٥) عاماً، ومناضل يعقوب انفيعات (٢٦) عاماً، ومحمود عبد الله عارضة (٤٦) عاماً، وهم المحسوبون على سرايا القدس/حركة الجهاد الإسلامي، ووحدوا إرادتهم في كسر وهم الانقسام الفلسطيني، ووحدوا الإرادات نحو الحرية، وحفروا نفقاً نحو هدفهم، وهذا بحد ذاته إنجاز مزدوج وموجه نحو قيادة التنسيق الأمني التي تتداول خطاب المستحيلات في تحدي عبقرية المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، وموجه أيضاً في تحدي خطاب القبضة الأمنية الحديدية التي يلوح بها القادة الإسرائيليين في المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية.