حدود القعر السوري

2023.05.20 | 06:09 دمشق

دوما بريف دمشق
+A
حجم الخط
-A

في لقاء مؤخراً مع شخص قادم من محافظة السويداء، وهي لم تطلها يد التدمير العمراني ولم تكن ساحة قتال، ردّ مجيباً عن سؤال عن الوضع الاقتصادي هناك: البيت الذي لديه شخص لاجئ أو شخص مهاجر يكون وضعه الاقتصادي مستقراً. ما عدا ذلك فإن الأمر أكثر من صعب لأن دخل المواطن الشهري ما يعادل عشر دولارات ومصروفه اليومي عشر دولارات، فكيف سيدير حياته؟ وما المشكلات الناجمة عن ذلك بكل المسارات؟

صديقٌ آخر يعيش في دولة أوروبية ومفاهيمه في الحياة ذات جذور دينية يحدثني عن مفهوم جديد لـ (الصدقة الجارية) قلتُ له ما هو: قال أن تساعد محتاجاً للجوء أو تساعد في إيصاله إلى أوروبا حيث سيكون مورداً اقتصادياً لعائلته المباشرة والشبكات المحيطة بشكل أو بآخر، دعكَ من جانبه التنويري من خلال أخباره وما سيحققه في الحياة الجديدة وأثرها هناك، اعترضتُ: ربما لدى كثيرين صار (وجعه التدميري بدلاً من التنويري) لأن التحولات التي مر بها لاجئون كثيرون لم تعد تنويرية، بل مثالاً لخيبات الأمل وعدم القدرة على قبول كمّ التغييرات الفكرية والاجتماعية الذي فرضته الحياة الجديدة.

من بقي هناك في الوطن الأم كذلك تعرض لآلاف الخضات والنكسات والنكبات، إنه القدر السوري المؤلم، حيث الجميع تصيبهم الزلزلة والاهتزازات، فما هي حدود الاحتمال؟ وحدود الألم؟  لنقل ما هو القعر السوري؟

الاحتجاجات العربية التي بدأت قبل عقد ونصف تقريباً أدت إلى تغيرات كثيرة في مختلف الجوانب داخل الدول العربية وخارجها، ولدى المواطنين المقيمين والمهجرين والنازحين واللاجئين والذين على طرقات السفر.. ويبقى السؤال اليومي إلى متى؟ وإلى أين؟ وكيف؟

من بقي هناك في الوطن الأم كذلك تعرض لآلاف الخضات والنكسات والنكبات، إنه القدر السوري المؤلم، حيث الجميع تصيبهم الزلزلة والاهتزازات، فما هي حدود الاحتمال؟ وحدود الألم؟  لنقل ما هو القعر السوري؟

من منا كان يتخيل أن ما تشهده القمة العربية من استقبال لمجرم كرئيس دولة طبيعي يمكن أن يحدث، حتى في الأفلام الهندية، أو السرديات العجائبية أو الغرائبية؟

بالتأكيد هذا جزء من مشهد عالمي جديد ومتغيرات و(تكويعات) لا تخطر بالبال، يمكن العثور على عشرات الأمثلة منها في السياسة العالمية مؤخراً! ليست التحولات السياسية موضع حديثنا، السؤال هو عن الضحايا! من سيساعد الضحايا؟ أم أن على الضحايا وذويهم أن يطووا الصفحة؟ لا، الضحية لا يمكن لها أن تطوي صفحة ما تعرضت له إلا إن كان هناك عقاب من نوع ما، لها أن تغفر، ولها أن تنظر في الأمر، ولها أن تراجع قناعاتها في نوع العقاب، لكن أن تعضّ على جرحها وكأن جريمة لم تحدث، أن تجبر على النسيان، أو أن تغمض عينيها لتنام!

إن استقبال مجرم وتكريمه بحجة اللاجئين السوريين أو فتح قنوات معه أو تغير المشهد العالمي على أمل أن يحدِث تغييراً لا تسلم لأدنى حدود المناقشة البسيطة، لأن استقباله تأجيل لمناقشة حقوق آلاف الضحايا، وآلاف المشاكل الناجمة عن ذلك، إن الضغط على بنزين السيارة  إلى الأمام، من دون وجود وجهة لها سيخرجها من الطريق وستتابع تدمير كل من يقف في وجهها، لأن قوتها التدميرية لا يمكن صدها أو توجيهها.

أحسبُ أن طائرته لو تمّ تفتيشها جيداً لوجدت فيها آثار من كبتاغون، ربما ليس عبر هذه الرحلة بل عبر رحلات أخرى قامت بها، وبالتالي فإن حجج قوته "الكبتاغونية" ليست سبباً كافياً ليتم له هذا الاستقبال والتكريم.

سنعود إلى السياسة وملعبها، سنترك طريقة تفكير الثوار جانباً، حسناً، ما هو المتوقع وما هو المنتظر من رئيس قتل عشرات الآلاف من البشر؟ ماذا سيقدم؟ نعم إنه يدير جزءاً من دولة اسمها سوريا، ما هي الخطة، فليخرج علينا وزير خارجية عربي ويقول: إن الاتفاق مع بشار الأسد تم وفق الجدول الزمني التالي على العناصر التالية..؟

يحدثونكَ عن المصالح والسياسة والتوافق وتصفير المشكلات والتغيرات، لن نناقش في أي من هذا، سنقر به، ونرفع له الأيادي موافقين، وننتقل إلى: قولوا لنا نقطة واحدة تمّ الاتفاق عليها وسيتم تنفيذها!

كان هناك في الصحراء والقرى النائية، أهل خبرة مهمتهم إخراج ما في البئر الجافة من شوائب وإعادة ترميمها على أمل أن ينزل المطر وتمتلئ الآبار ثانية، وعلى الخبير هذا أن يخرج تراباً يدل على أنه وصل إلى قاع البئر تلك، السؤال الآن في المشهد السوري، ما هي حدود البئر؟ وأي مطر عربي ينتظره السوريون؟ وما هي حدود القعر للبئر السورية؟ وهل سنتعلم أنه ما من نازح لبئرنا ومعيد المياه لها سوى أيادينا المتعبة والمنهكة والمكسرة والمعفرة!

ولو حاولنا الحفر أكثر مع الأيادي العالمية والعربية في وجعنا السوري فإنه لا قاع لها، وبالتالي المزيد من التقعر والتصحر!