حافظ الأسد.. كابوس سوري طويل

2021.06.13 | 06:07 دمشق

ed7d3543-3e27-4041-9c1e-7ed6aef1561e.jpeg
+A
حجم الخط
-A

مضى زمن طويل على موت حافظ الأسد في العاشر من حزيران/يونيو عام 2000. ورغم مرور عقدين على دفنه، فإن الحدث يبدو قريبا في الذاكرة السورية. كأنه لم يمت كليا، واستمر الحديث عنه، كما لو أنه لم يوارَ الثرى تماما، كما يحصل عادة لكل الموتى. بقي الخوف مهيمنا، وحتى مجرد ذكر اسمه لا يزال يثير الرعب في النفوس. ولأنه بلغ منزلة خاصة لدى السوريين، صار الشارع يتداول مرويات تتراوح بين الجد والهزل. حكايات تقول إنهم شاهدوه يتجول ليلا في منطقة المرجة وسط مدينة دمشق، يحاول أن يتحدث مع المارة. ولم يكن ذلك أكثر من وحي جديد للكابوس الذي دام ثلاثين عاما، وظل جاثما على الصدور رغم موت الطاغية، بل إن المنسوب العالي من الخوف تسلل إلى لاوعي الناس، وصار من الصعب على الأغلبية أن تتحرر منه بين يوم وليلة.

حين تجرأ شخص مثل رياض الترك، وقال على قناة الجزيرة "مات الدكتاتور"، أخذوه إلى الزنزانة المنفردة من جديد، تلك التي سبق له أن أمضى فيها نحو 15 عاما بأمر من الدكتاتور

استمر الكابوس لأن كل ما يخص الدكتاتور ظل في مكانه. تماثيل الأسد بوضعيات لا تحصى، بقيت على ما كانت عليه في الساحات العامة والإدارات الرسمية. صوره الشخصية وحده، ومع أولاده تحتل الشوارع، وليس ذلك على سبيل تخليد الرئيس فحسب، بل من أجل تأبيد الخوف في حياة السوريين، وهذا أمر معمول به في دكتاتوريات عائلية أخرى مثل كوريا الشمالية. وحين تجرأ شخص مثل رياض الترك، وقال على قناة الجزيرة "مات الدكتاتور"، أخذوه إلى الزنزانة المنفردة من جديد، تلك التي سبق له أن أمضى فيها نحو 15 عاما بأمر من الدكتاتور الذي كان يتحدث بلذة طافحة، عن أنه وضع في المنفردة رجلا مثل الترك المحامي والمعارض وصاحب مشروع تجديد السياسة في سوريا، ولم يقبل أي وساطة للإفراج عنه. ولولا الضغوط الدولية، لاسيما الفرنسية، لبقي الترك في المنفردة وربما مات هناك مثلما حصل لآخرين قرر الأسد أن يتركهم يذبلون في المنفردة مثل نور الدين الأتاسي وصلاح جديد. وحين تحدث الترك بلا خوف عن رحيل الأسد، فإنه أراد أن يعلن وفاة الدكتاتور على الملأ، ليسمع ويعرف الذين كانوا يشكون بأمر الوفاة، وكي يرجع الناس إلى حياتهم وأعمالهم من دون كابوس الأسد. ولكن الابن بشار الذي عدلوا له الدستور ليتولى الحكم مكان والده، لم يغير الطريق الذي سار عليه أبوه، وتبين مع الأيام أنه حفظ الدرس العائلي من الأب، ذلك الذي طبقوه في حماة عام 1982.

تعبر الوحشية التي مارسها الأسد الابن خلال سنوات الثورة عن نوع من الوفاء لتراث الأب، وتطبيقا للقواعد التي وضعها من أجل استمرار حكم العائلة

لم يمت شيء من حافظ الأسد، حتى عبادة الفرد لا تزال منتشرة وراسخة في أوساط ما بقي من النظام الذي أسسه لتحكم به العائلة، وهو لايزال صامدا في مكانه وعصيا على كل المحاولات التي جرت لزعزعته. دفع الشعب السوري تضحيات لا مثيل لها في تاريخ الدكتاتوريات، ولكنه لم يتمكن من إسقاط النظام الذي بناه الأب بصورة محكمة. وتعبر الوحشية التي مارسها الأسد الابن خلال سنوات الثورة عن نوع من الوفاء لتراث الأب، وتطبيقا للقواعد التي وضعها من أجل استمرار حكم العائلة.

يبدو تاريخ رحيله الأسد لم يذهب بعيدا في القدم بالنسبة للذين كانوا ينتظرون موته بفارغ الصبر، هو الذي وقف عائقا بين ملايين السوريين وحياة أخرى جديدة، بعد أن دفعوا ثلاثين عاما من أعمارهم في ظل حكم الضابط الذي حول البلد إلى "مملكة للصمت" والألم. ومن يراجع سجلات عهد الأسد يجد أنه بنى من السجون أكثر من الجامعات والمشافي، وحبس وشرد وقتل من السوريين ما يعادل جيلا بأكمله، لمجرد أن الناس كانوا يحلمون بحياة أفضل لا أكثر، خالية من الخوف والكوابيس.