جولة كوشنير… التطبيع بديلاً لصفقة القرن

2020.09.05 | 00:05 دمشق

1280x960.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التمهيدية والاستطلاعية الأسبوع الماضي، قام مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير بجولة أخرى في المنطقة الأسبوع الجاري زار خلالها إسرائيل ودول عربية غير تلك التي زارها بومبيو مع مركزية تل أبيب في الجولة الثانية، أيضاً واعتبار التطبيع العربي الإسرائيلي البند الرئيسي على جدول أعمالها لاستثماره في الحملة الانتخابية للرئيس ترامب من أجل البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.

يبدو التطبيع هنا وكأنه بديلاً عن صفقة القرن الأميركية الهادفة إلى حل بل تصفية القضية الفلسطينية، وفي الحالتين تجيير الإنجاز لصالح إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ومن ثم لترامب نفسه في جهوده المحمومة للبقاء في سدة الرئاسة.

كانت إسرائيل إذن هي المحطة المركزية في جولة مستشار الرئيس الأميركي وبعد الخطاب التقليدي عن أمنها واستقرارها وتفوقها الإقليمي انطلق كوشنير برحلة مباشرة لشركة الطيران الإسرائيلية من إسرائيل إلى الإمارات في تدشين رسمي للخط الجوي التجاري، كما التطبيع الرسمي أيضاً بين البلدين.

كوشنير سافر إلى أبو ظبي على رأس وفد أميركي إسرائيلي كبير بدا حتى وكأنه يترأّس الوفد المشترك، كما أشرف بنفسه على المفاوضات الإسرائيلية الإماراتية من أجل وضع بنود اتفاق السلام بين الجانبين الذي سيتم توقيعه برعاية أميركية رسمية في البيت الأبيض خلال الأسابيع القادمة.

الوفد الإسرائيلي كان ضخماً جداً ضمّ مدريرين عامين لعشر وزارات "مدنية" وناقش ملفات عديدة تجارية ومالية وسياحية وتعليمية وصحية وتكنولوجية وعلمية، وحتى فضائية في تأكيد على أننا أمام تحالف وليس مجرد تطبيع أو اتفاق سلام تقليدي بين الجانبين.

إلى ذلك بدا لافتاً خلوّ وفد الدولة العبرية من مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية ومسؤولين أمنيين آخرين ممن قادوا مباحثات التطبيع التمهيدية مع الإمارات في محاولة واضحة طبعاً لإخفاء الجانب الأمني من جهة. وإعطائه الأهمية التي يستحقها من جهة أخرى. بعيداً عن الإعلام والأضواء، حيث سيتم العمل خلال الأسبوعين القادمين على اتفاق أو بروتوكول أمني منفصل وطبعاً ثمة سبب آخر يتعلق بإبعاد طلب الإمارات الحصول على طائرات إف 35 عن التجاذب السياسي الإعلامي والاتفاق ككل، علماً أن أبو ظبي تكاد تخرج عن طورها للتأكيد على أن اتفاق التطبيع - التحالف ناتج عن قناعات فكرية سياسية ومصالح مشتركة ثنائية وإقليمية وليس فقط رغبةً في الحصول على الطائرات الأميركية الأكثر تطوراً في العالم.

استحوذ كوشنير على المشهد تماماً في أبو ظبي بشكل متعمد، وبعدما أدار المحادثات الرئيسية بين الجانبين أطلق سيلا من التصريحات عن مغزى اتفاق السلام التاريخي بين الإمارات وإسرائيل بزعم أنه يكرّس حقبة جديدة من السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، مع إشادة بمقاربة ترامب الذي حقق ما عجز عن تحقيقه رؤساء كثر قبله خلال ثلاثة عقود تقريباً.

بعد الإمارات جال مستشار وصهر الرئيس ترامب على دول لم يزرها وزير الخارجية مايك بومبيو باستثناء "البحرين" التي زارها صهر الرئيس أيضاً، إضافة إلى الأردن والسعودية وقطر.

بدا لافتاً طبعاً مرور جاريد كوشنير على الأردن قبل وصوله إلى إسرائيل، والهدف كان تهدئة رد فعل عمان تجاه التطبيع الإماراتي وصفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية، ولضمان ألا تؤثّر المواقف الأردنية على الجولة بشكل عام، مع الانتباه طبعاً إلى أن عمان ليست على جدول الأعمال الأميركي الجدّي أقله في المدى المنظور نتيجة رفضها الصفقة الأميركية التي تمس مصالحها بشكل مباشر. كما لموقفها البارد والحذر من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي وانعكاساته السلبية على القضية الفلسطينية والمصالح والحضور الأردني فيها، كما على دور عمّان الإقليمي بشكل عام.

كوشنير زار الرياض لشكرها على السماح بمرور طائراته في الأجواء السعودية، كما الرحلات بين إسرائيل والإمارات بشكل عام، علماً أنه يمارس ضغوط مكثّفة على صديقه محمد بن سلمان للالتحاق بقطار التطبيع قبل الانتخابات الأميركية – تشرين ثاني/ نوفمبر القادم - وفي الحد الأدنى إرسال مبعوث سعودي رفيع إلى حفل توقيع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بالبيت الأبيض، إضافة طبعاً إلى حثّ المنامة على التطبيع بعدما ربطت موقفها بشكل مباشر بمواقف الرياض.

العاصمة البحرينية مثلت مفاجأة سلبية خلال زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو وبعدما كانت المرشحة الأولى للتطبيع مع إسرائيل بعد أبو ظبي أبلغت بومبيو تمسكها بالمبادرة العربية التي تربط العلاقات مع إسرائيل بحل عادل للقضية الفلسطينية في انعكاس للموقف السعودي المُعلن قبل أن تتغير لهجة الخطاب البحريني نسبياً إثر استقبال كوشنير، وتعود التسريبات عن التحاقها بقطار التطبيع نهاية العام وربما حتى قبل الانتخابات الأميركية.

في الدوحة سمع مستشار الرئيس الأميركي لغة مختلفة عن التسوية العادلة للقضية الفلسطينية وحل الدولتين وفق الشرعية الدولية والمبادرة العربية، وأعتقد أن المحطة القطرية كانت مخصصة أصلاً لحلّ الأزمة الخليجية وربما أيضاً للاطمئنان على عدم عرقلة قطر لمساعي التطبيع بشكل عام ليس سياسياً وإنما إعلامياً أيضاً.

إلى ذلك سعى كوشنير خلال جولته العربية بوضوح لعزل وتحييد الفلسطينيين وحتى التعالي وإلقاء الدروس عليهم وادعاء رغبة أميركا في تقديم المساعدة لهم، بينما ترفض قيادتهم ذلك في تحريض واضح عليها وتصريح علني عن جدية واشنطن في استبدال القيادة الفلسطينية بأخرى أكثر تساوقاً وخضوعا لسياساتها وخططها.

مستشار ترامب ادعى أن العرض الأميركي ما زال على الطاولة مع ضمانات لحماية أمن الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أنه لم يشرح ما هو العرض بالضبط – كما قال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات - علماً أنه أي العرض خارج عن الشرعية الدولية وينتهك الحقوق والآمال الوطنية الفلسطينية المشروعة في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير.

عموماً يمكن التأكيد أن الاستنتاج الأهم من جولة جاريد كوشنير يتمثل بسعيه لتكريس قاعدة التطبيع بدلاً من صفقة القرن وإزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال السياسي الإقليمي مع المضي قدماً في تنفيذ الصفقة بشكل غير رسمي ودون صخب بما في ذلك ضمّ إسرائيل الفعلي للأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات اليهودية المقامة عليها عبر مشاريع وخطط متعددة الجوانب والأبعاد تشمل ربط المستوطنات بشبكات المواصلات والطاقة الخاصة بالمدن الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1948.

طبعاً تهدف الفكرة أو المعادلة نفسها إلى خدمة ترامب انتخابياً وحصد أصوات مؤيدي إسرائيل، خاصة من طائفة الإنجيليين الصهاينة بعد فشل تطبيق صفقة القرن بشكل رسمي ومُعلن وصاخب واحتفالي، كما أراد الرئيس الأميركي.  

في كل الأحوال لا ضمان لنجاح المعادلة الأميركية الجديدة، في ظل العناد الفلسطيني بمواجهتها ورفع الغطاء السياسي عن المطبعين، ورأي عام عربي رافض ومقاومة جدية للتطبيع ليس فقط شعبياً، وإنما رسمياً في عديد من الدول الخليجية والعربية الصامدة أمام الضغوط الأميركية وعلى سبيل المثال لا الحصر تمكن الإشارة إلى الكويت وقطر وعمان والمغرب والسودان، بينما لا تسعى الإدارة الأميركية باتجاه تونس والجزائر حيث الموقف محسوم أصلاً ضد التطبيع والعلاقات مع إسرائيل.