جوزيف عون رئيس حكومة ما بعد الانهيار والحرب

2021.05.29 | 05:26 دمشق

jkii.jpg
+A
حجم الخط
-A

شغّل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير محرّكات وصايته العامّة على البلاد بغية إنعاش الوضع الحكوميّ الّذي يعاني من استعصاءات بسبب الخلافات الحادّة بين رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل.

لا يعني الدّفع في اتجاه تشكيل الحكومة تقديمًا لأولويات النّاس والهمّ الاقتصاديّ والمعيشيّ على العناوين الخلافيّة الكبرى، بل وعلى العكس من ذلك يتزامن هذا السّعي الجديّ لإنجاح تشكيل الحكومة مع تسارع مؤشرات الانهيار وتفاقمها، وتعسّر توفير الحلول لها، وكذلك يتزامن مع عناوين أميركيّة وأوروبيّة تكشف عن سحب تام للمبادرات الخاصة بالشّأن الحكوميّ وتركيزها على عنوان دعم الجيش والمؤسّسات الأمنيّة.

التقطت رادارات إيران هذا العنوان الأخير ووجدت فيه نوعًا من الحرب غير المباشرة ضدها، فليس من قبيل الصّدفة ذلك الإصرار الأميركي على دعم مؤسسة الجيش وسائر المؤسّسات الأمنيّة.

الاحتفاء الضّخم بقائد الجيش المتلازم مع الجهود الأميركيّة الحثيثة لتمكين هذه المؤسّسة يقول إنّ المقاربات القديمة سقطت بالكامل

من ناحية أخرى يكشف الاحتفاء غير المسبوق الّذي رافق زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى فرنسا عن تغيير كامل في المقاربة الفرنسيّة للشّأن اللّبنانيّ، بعد أن كانت تعتبر أنّه لا بأس في الحفاظ على شكل النّظام القائم حاليًّا في لبنان والمعادلات التي تحكمه، مقابل اتفاق يؤمن الحدّ الأدنى من الاستقرار، ويحول دون الانفجار التّام.

الاحتفاء الضّخم بقائد الجيش المتلازم مع الجهود الأميركيّة الحثيثة لتمكين هذه المؤسّسة يقول إنّ المقاربات القديمة سقطت بالكامل، وإنّ التّحضير يجري لمرحلة ما بعد الانهيار المحتوم وإنّ الجيش هو الطرف المقبول لإدارة هذه المرحلة الّتي لم يعد يساور عواصم القرار في العالم شك كثير حول حتمية سقوط لبنان في هاويتها.

يفسر هذا المناخ سعي نصر الله لتشكيل حكومة في هذا التّوقيت وإصراره على عدم استبدال سعد الحريري، وتعطيله لمساعي حليفه رئيس الجمهورية الرامية إلى نزع شرعيّة تكليفه من بوابة المجلس النيابي.

السبب في ذلك هو ضمان وجود حكومة تتحمل وزر الانهيار العام وما يترتب عليه من انفجار اجتماعي، في حين يتفرغ وحزبه للتّعاطي مع مشروع استجرار حرب إسرائيليّة على لبنان لدعم مسار إيران التّفاوضي المتعثر مع أميركا والأوروبيّين.

الحرب على غزة أسفرت عن تحوّل في الموقف الأوروبيّ الرّافض للتّفاوض المباشر مع حركة حماس، وكشف عن ليونة لافتة في هذا الصدد وقبولا بالنّظر إلى حماس بوصفها مفاوضا أساسيّا في المنطقة.

لا شك أنّ إيران قرأت هذا التّحول بدقة، ورأت فيه فرصة لتمكين وضعها التّفاوضي عن طريق التّصعيد العسكري وتحويل حلفائها في المنطقة إلى مفاوضين مستقلّين، وخصوصًا أن منطق التّفاوض الّذي تركّبه أميركا يبدي ميلا إلى قصر العنوان التّفاوضي على الشّأن النّوويّ، في حين تبدي أوروبا إصرارًا واضحًا على إضافة عناوين السّلاح الصّاروخي ونشاط الميليشيات.

من أجل ذلك رفع نصر الله عناوين التّهديد الموجه ضد إسرائيل محذّرا من أنّ استهداف القدس والمسجد الأقصى سيعني حربًا إقليميّة، وهو الأمر الذي استجر بدوره تهديدات إسرائيلية باستهداف بنك أهداف عريض في لبنان.

ما يدفع إلى التّأكيد أن سيناريو الحرب بات وشيكًا وهو ما حققته حماس من نجاح في اختراق الجمود التّفاوضي بالنسبة لإيران، وكذلك في رغبة إيران في استعادة القبض على القضيّة الفلسطينيّة والاستفادة من ديناميتها المتصاعدة، وذلك عبر المدخل الّذي اختبرت قدرته على إثارة الحماسات وإسكات كلّ الأصوات وهو المدخل الصّاروخيّ والحربيّ.

تحاول أميركا بناء عملية ضبط تمنع بموجبها تصعيدًا شاملًا، ولكنّ الفرصة الّتي أتيحت لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو لإعادة بناء شعبيّته المتهالكة، والنّتائج غير المرضية للعدوان وعمليّات الضبط الهشة له المترافقة مع استمرار الانتهاكات في القدس ومساعي الإخلاء القسري لسكان حي الشيخ جرّاح تجعل من قرار الحرب يحظى بشرعيّة كبيرة.

يضاف إلى ذلك أنّ سيناريو الحرب الصاروخيّة في غزّة خلق جملة مخاوف كبيرة عند الإسرائيليين، وضخّم من حجم تهديدات صواريخ حزب الله الأكثر عددا والأبعد مدى والأكثر فاعليّة.

كل هذه العوامل تجعل قرار الحرب هو الأقرب، ويبدو أن عواصم العالم قد شرعت في الاستعداد لمترتبات هذه الحرب وتوقع نتائجها، إذ إنّه على الأرجح سيتاح لإسرائيل فيها تجاوز كثير من الخطوط الحمر قياسا على عمق التهديد الّذي تحرص على تصويره.

تاليا من المتوقع أن تقوم بمجازر كبيرة في البيئة الحاضنة لحزب الله تهدف إلى فك ارتباطها به، إضافة إلى جملة اغتيالات عامّة لقيادات الحزب بالتّزامن مع تدمير البنية التّحتيّة للبلد وشلّه، وتحويله إلى حالة إغاثيّة بالكامل.

تمهيدا لهذا السيناريو المتوقع يحرص نصر الله أن يكون في واجهة المشهد الحكومي سعد الحريري، ويُرجّح أن تسفر المساعي عن تشكيل حكومة الانهيار وبعدها سوف يتعاطى العالم مع البلد كحالة طوارئ، تستوجب حكومة عسكريّة بصلاحيات استثنائيّة بعد وضع البلد تحت الوصاية الدولية بوصفه بلدًا منكوبًا.

الدّفع بجوزيف عون إلى واجهة الحدث يأتي تحت هذه العناوين، ويعني قبل كلّ شيء نهاية النّظام الرّئاسيّ في لبنان مباشرة أو غير مباشرة، وربما قد تكون محاولة نصر الله لخلق حكومة تنطلق من طموحات معاكسة لمجرى الأمور إذ إنّه يتوقع أن يخرج من الحرب منتصرا، وتكون مهمة الحكومة هي التمهيد لانتخابات نيابيّة مبرمجة بالكامل تمهّد لمنحه الشّرعيّة البرلمانيّة في المرحلة المقبلة.

يخطئ نصر الله كثيرا هذه المرة لأنّ الحرب التي يحاول فتحها لتمكين وضع إيران هي حرب غير مسموح بربحها ولا حتى معنويّا، لأنّها حرب إعادة بناء الخرائط وتوزيع النّفوذ.

حكم الجيش والإعلاء من شأن قائده جوزيف عون الّذي تؤيده عواصم القرار في العالم لا يعني امتيازا بقدر ما يعني تصنيفا عدميًّا للبلاد

إيران قد تبقى بعد خضوعها لشروط أميركا وانكفائها إلى الدّاخل ضمن حدود نظام تسعى لتكريسه في انتخاباتها الّتي يرجح أن تعزّز استمرار الخامنئيّة في شخص إبراهيم رئيسي المرشح الأوفر حظا لتولي الرئاسة.

ولكن حزب الله ليس مرشحا للاستمرار لأن النظام الذي يرعاه في البلد لم يعد قابلا للحياة، والانهيار الذي يحاول ضبطه والاستفادة منه سيجرفه معه، كلّ ذلك مضافًا إلى ما يٌتوقع أن تفرزه الحرب الّذي سيجد نفسه مجبرًا على خوضها لا يعني سوى نهايات عريضة لا مجال معها حتى لرفع رايات النّصر فوق الأنقاض.

حكم الجيش والإعلاء من شأن قائده جوزيف عون الّذي تؤيده عواصم القرار في العالم لا يعني امتيازا بقدر ما يعني تصنيفا عدميًّا للبلاد، بأنها البلاد الخارجة من الحداثة والزمن، والتي لا بد فيها من حكمها بالعسكر تحت رعاية العالم لتجنّب خطرها من ناحية، ولإبقاء مكوّناتها الرّاغبة في التّناحر تحت سقف الضّبط.

 ستكون البلاد أمام مصيرين لا ثالث لهما وهما إعادة الإنتاج بكلّ ما للكلمة من معنى أو التّفكك المتسارع وصولا إلى التّبدد التّام.