جنرالات الأزمات وكرسي السلطة

2023.05.09 | 00:35 دمشق

حميدتي
+A
حجم الخط
-A

بعد اندلاعها بشكل مفاجئ وبعد شهر من الاقتتال الدموي والقتال الطاحن فلا يزال القتل والدمار الذي يقوم به جنرالا الحرب المتقاسمان للسلطة منذ انقلاب 2021 عبد الفتاح البرهان، والجنرال دقلو "حميدتي" قائد ما يسمى قوات التدخل السريع في السودان مستمرا وعلى أشده، وهذه الأخيرة واقع الحال يقول إنها ليست سوى ميليشيات عسكرية غير نظامية كما أنها غير مؤتمرة بأوامر الجيش السوداني، أما قائدها حميدتي وشقيقه الجنرال عبد الرحيم فيأملان أن تبقى ما تسمى بوحدات التدخل السريع كقوة موازية لا تقبل الاندماج في الجيش والقوات المسلحة إلى أجل غير مسمى وربما كانت هذه إحدى أهم الأسباب المباشرة والشرارة التي أدت لاندلاع الصراع على السلطة والثروة الذي تدور رحا معاركها الآن._الصراع _ الذي ذهب ضحيته حتى هذا الوقت المئات من الضحايا المدنيين، ولا يزال عدّاد الموت والدمار مُفعّلٌ، فعلى الرغم من الهدن الفارغة الكثيرة التي لاتتوافر بها شروط ومقومات الهدن و غير المراقبة دوليا التي يقبل بها ويعلنها كلا الطرفين فلا تلبث الحرب أن تستأنف دورانها لتطحن مزيدا ومزيدا من أرواح وأملاك السودانيين وكالعادة فكل جانب من المتصارعين يتهم الجانب الآخر أنه من خرقها مثلها مثل أي هدن بين جانبين متقاتلين.

الهدن الهشة المتعددة ومفاوضات جدة الأخيرة بين الطرفين المتنازعين جاءت بالتأكيد ثمرات دبلوماسية لتواصل واشنطن والسعودية وأطراف دولية أخرى مع قادة الطرفين ولكن هذه الهدن جميعها للأسف لم تصمد وأقلها حتى الآن نظرا لإصرار كل من أحد الطرفين على إنهاء الآخر، وعاود الجنرالان جولات الاقتتال وعاودت رحا الحرب لتطحن الشعب السوداني بين حجريها، وتحدث مزيدا من التدمير للمرافق الحيوية والبنى التحتية التي هي بالأصل تعاني كثيرا من الإهمال والمشكلات وبالتأكيد حرب الجنرالات العبثية هذه إن استمرت أكثر فإنها ستعيد السودان إلى دول العالم العاشر وليس الثالث كما هو تصنيفه الآن.

بالتأكيد وبعد بدء الصراع الدموي لاتزال تجري كثير من المحاولات والتحركات الدبلوماسية لإجبار الطرفين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ولكن وللأسف وعلى حساب الشعب السوداني وآلامه فإن كل من الجنرالين يحاول أن يفرض شروطه التي يراها ويثبت أنه الأحق والأقوى في الميدان وأنه يملك من إمكانيات وأساليب قهر الآخر مايملك. وعليه فأطراف دولية متعددة تدعو الأطراف المتنازعة إلى حل خلافاتها بالحوار وعدم الإصرار بالوصول الحتمي إلى تمزيق البلاد سياسيا وجغرافيا واجتماعيا والوصول به إلى حرب أهلية لانهاية قريبة لها.

عمليا فإن التدخلات الحاصلة في الشؤون السودانية إن من دول الإقليم أو من عدة دول أخرى داعمة لأحد الطرفين ستزيد حتما وتفاقم وتُسعِّر من حدة الصراع وشدته، وهذا يعني إيقاع مزيد من الخسائر  المادية والبشرية والدخول من أوسع الأبواب في أتون الجوع والخراب والحرب الأهلية الطويلة التي لا تبقي ولاتذر، فها هو الأمين العام للأمم أنطونيو غوتيريش يشير إلى هذه التدخلات حينما أكد "أن الحرب في السودان ليست وكما تبدو صراعا بين جنرالين على السلطة والنفوذ، وإنما هناك أدوار  مشبوهة لأطراف أخرى، وعليه فإن تدخلات الدول الإقليمية في السودان لا شك أنها موجودة وتعمل كل دولة من خلف الكواليس على إذكاء الصراع والنفخ فيه وإطالة أمده فلكل دولة استراتيجياتها وأجندتها التي تريد أن تحققها من خلال دعم طرف على حساب الطرف الآخر، وبالتأكيد وفي ظل هذا الحديث المستمر عن تورط بعض الدول في تلك الحرب فهذا يعني عمليا وتكتيكيا ولعدة معطيات استحالة في حسم المعركة على الأرض وانتصار طرف على آخر وإنهائه، كما أن هناك صعوبات جمة ربما في عودة الثقة بين طرفي الصراع والجنوح إلى السلم وانتهاء الأمر بالتفاوض، لأن كلا الجنرالين لا يزال متعنتا ومتمسكا بشروطه ويريد الانفراد في حكم السودان بكامله وليس جزءا منه، وهذا بحد ذاته ما يعزز المخاوف من استمرار الحرب لفترة طويلة وتحول السودان إلى ميدان دام لتصفية الحسابات ولحروب بالوكالة لاتبقي ولاتذر، وخاصة في ظل انشغال القوى الدولية الفاعلة بالحرب المستمرة في أوكرانيا، ورغبة أطراف عديدة في المنطقة وخارجها لبسط نفوذها في تلك الدولة المنكوبة، وتنامي المخاوف من استغلال الأراضي السودانية لتصفية حسابات قديمة بين أطراف إقليمية عبر طرفي الصراع" الأخوة الأعداء".

في السياق ومن الجدير ذكره هنا أن قوات الدعم السريع أسست بالأصل لغايات ميليشاوية وأساسها قبائل الجنجاويد لتقاتل في دارفور خارج إطار الجيش السوداني، وقاتلت في ليبيا لدعم اللواء حفتر، وقد بلغ عديد قوات الدعم السريع حسب بعض المصادر 100 ألف مقاتل مزودة بالأسلحة الثقيلة، وهي قوة لا يمكن الاستهانة بها نظرا لعظم مواردها المالية ونتيجة سيطرتها على مناجم الذهب الذي يُشكلُّ 40% من نسبة صادرات السودان، ومناجمه التي تقع ضمن مناطق سيطرة الجنرال حميدتي ما جعلها أي- قوات الدعم السريع- ذات امتداد ونفوذ قوي لدى بعض القبائل السودانية المنتشرة في العديد من مناطق البلاد وذلك نتيجة إغرائهم وإغراقهم بالمال    .

ختاما.. إن الجنرالات العرب من حميدتي إلى البرهان إلى الجنرال المبتسم في سوريا وغيرهم للأسف هكذا تكون بطولاتهم، فهم لايستعرضونها إلا في بلادهم وعلى شعوبهم وارتكاب مذابح لا توصف بحقهم فانتصارات وإرهاب الجنرالات هؤلاء وكما بات معروفا لا يمكن أن تكون إلا على الشعوب المغلوبة على أمرها إذا حدث يوما وأرادت المطالبة بالحرية والإنتفاض للتخلص من طغاتهم وجلاديهم.

لاشك أن الجنرالات العرب وحربهم على شعوبهم وحرق ما اخضرَّ وما يبُسَ من بلادهم وتهجيرهم وقتلهم لشعوبهم لا قيمة له عندهم، فهم يصفون ما أحدثوه وما يحدثونه في بلادهم من خراب ومجازر ومآسي وويلات وضياع البلاد والعباد بأنه أزمة أو مؤامرة كونية خارجية، فقد سبق أن وصف الجنرال المبتسم في سوريا المجرم بشار الأسد الإرهاب والإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق السوريين والتهجير والاختفاء القسري والبراميل المتفجرة والكيماوي على أنه أزمة لا أكثر بل ربما أقل من الأزمة من وجهة نظره، وها هما الجنرالان حميدتي والبرهان يصفان ما يمر به السودان بنفس وصف الجنرال المبتسم ووصفهما للحرب التي أشعلاها وما جرّت وستجر إليه السودان من مآسٍ وويلات وتدمير البنى الفوقية والتحتية له وقتل الشعب السوداني وتجويعه بفعل جرائمهم بأنها مجرد "أزمة" كأزمات الشاي أو السكر  أو أزمة سير في وقت الذروة.