جمود دبلوماسي في الملف السوري

2021.05.09 | 06:29 دمشق

alia9.jpg
+A
حجم الخط
-A

ثمة إجماع على أن الدبلوماسية الدولية حول سوريا تمر في مرحلة جمود كبيرة بسبب تطورات الأوضاع الدولية على مختلف الساحات والجبهات في مختلف دول العالم، تجلى مظاهر ذلك في إصرار روسيا على إجراء ما يسمى بـ "الانتخابات الرئاسية" التي يجريها النظام، والموقف الدولي من هذه الانتخابات، وهذا الجمود لا شك مستمر منذ دخول الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة الانتخابات قبل نحو عام، وعدم وجود خارطة طريق أميركية ودولية حيال سوريا، فضلا عن قلة اللقاءات الثنائية بين الدول المعنية والدول الضامنة، ومن جانب آخر، تطورت المواجهة الدبلوماسية والميدانية بين روسيا والدول الأوروبية والغربية على الجبهة الأوكرانية، وتراجع العلاقات الدبلوماسية بينها إلى وضع غير مسبوق ينذر بمواجهة شاملة ستكون بالطبع الساحة السورية ميدانا لها في إحدى تجلياتها، في حال انزلقت الأوضاع أكثر إلى المواجهة، حيث لا يزال التصعيد المتبادل والعقوبات وطرد الدبلوماسيين تعصف بالعلاقات الروسية الغربية.

طرح الانتخابات الرئاسية من قبل النظام، مظهر يتجلى فيه عمق الخلاف الدولي حول سوريا

وتشير عدة مصادر مطلعة على الملف السوري، إلى أن ثمة جموداً يسيطر على الملف السوري بين الدول المعنية، ومنها الدول الضامنة، حيث لا توجد حاليا لقاءات تجرى بينها لتناول تطورات الأوضاع السياسية والميدانية والعسكرية والإنسانية، ولا توجد مشاورات لعقد جولة جديدة للجنة الدستورية السورية برعاية أممية، وحتى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام، تطرق بالتأكيد في جانب منه إلى الملف السوري، ومن الواضح أنه جرى الحديث على مواصلة الوضع الراهن، بانتظار كل دولة تبلور مستجدات تدفع بالملف إلى التقدم الإيجابي قدما.

ومن المعروف أن طرح الانتخابات الرئاسية من قبل النظام، مظهر يتجلى فيه عمق الخلاف الدولي حول سوريا، حيث طرح الإعلان عن الانتخابات بشكل متأخر، وتجري كل مراحلها بوقت سريع، وكأنه استحقاق روسي يجب الانتهاء منه بأسرع وقت ووضعه إلى جنب وإغلاق باب المفاوضات على الانتخابات الرئاسية، والتفرغ للمواجهة مع الغرب بأريحية، وبهذا الإطار تتوقع المصادر المطلعة أن اللقاءات التركية الروسية حيال سوريا ستعود مجددا بعد انتهاء الانتخابات لتناول باقي الملفات حيث إن الخلاف الروسي الغربي يفتح الآفاق لمزيد من التوافقات التركية الروسية حول سوريا.

ويعتبر الملف الميداني والتطورات في إدلب هو الملف الأهم الذي يشغل بال السوريين، خاصة الموجودين فيها من أبناء المنطقة والنازحين، حيث يتخوف هؤلاء من أن تكون إدلب، ساحة لتصفية الحساب في الخلافات الدولية، كما حصل في المواضيع الدولية السابقة بين الأطراف المعنية، وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن الهدوء الحالي قد يستمر حتى نهاية الانتخابات المزعومة، إذ ترغب روسيا في أن تنتهي من هذه المحطة لمزيد من تجميد الملف السوري واستخدامه وتوظيفه دوليا، واستمراها في محاولاتها تعويم النظام والدفع به، كما أنه في هذا الوقت سيتوضح أكثر مصير المواجهة الروسية الدولية في بقية الملفات، وإن كانت ستعطي نتيجة للجهود الدبلوماسية الساعية لتخفيف التوترات، وصولا إلى لقاء محتمل بين الرئيسين الروسي والأميركي في حزيران/يونيو المقبل، وبناء عليه ربما يستمر الهدوء الميداني في إدلب حتى نهاية الشهر المقبل.

جمود الملف السوري يحمل في بعده الثاني المتعلق بالميدان، خطر التصعيد من جانب آخر، وهذا التصعيد بالتأكيد مرتبط بالتطورات الدولية، فالمواجهة الروسية الغربية بالتأكيد ستكتسب بعدا جديدا في حال أقدمت الدول الغربية على خطوات إلى جانب أوكرانيا، ومن أهم وأبرز هذه الخطوات هو ضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي، وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من التوترات، إذا سيدفع ضم كييف إلى حلف الشمال الأطلسي لتفعيل مواد تتعلق بالتضامن بين دول الحلف لمساعدتها بأي أخطار تتعلق بأمنها القومي، وهو ما يفتح المجال إلى مواجهة مفتوحة مع روسيا، وهذا المواجهة مع حصولها، ستدفع بروسيا بالتأكيد إلى الرد عبر عدة خطوات، وبنظرة سابقة للخيارات الروسية للرد على الغرب، من المؤكد أن الساحة السورية ستكون إحدى ميادين الرد الروسي على الدول الغربية.

 

وتسعى روسيا بالرد عبر ملف إدلب بالضغط على أوروبا بملف إنساني عبر القصف واستهداف المدنيين وإجبارهم على النزوح باتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا، ومن المؤسف أن روسيا تلجأ إلى هذه الوسيلة بشكل مستمر لابتزاز الدول الغربية وتركيا في هذا الملف، مستغلة وجود ملايين السوريين في هذه المنطقة وتعتبر بالنسبة لهم الملجأ الأخير، وفي حال حصول هكذا خروقات وفي ظل صعوبة التقدم الميداني بعد إنشاء تركيا للدرع العسكري الفاصل أمام قوات النظام والميليشيات الإيرانية، فإن غالب الظن ستلجأ روسيا عبر قواتها إلى الغارات الجوية والقصف المدفعي.

ومهما تكن الخيارات والاحتمالات وفي ظل الموقف الأميركي المستمر حول سوريا، فإن الفترة المقبلة تبشر بجمود للملف، ولن يحركه سوى اللقاءات المنتظرة بين الرئيس الأميركي والروسي، والأميركي والتركي، وبناء عليها ربما تحدد كل من تركيا وروسيا تموضعاتها الجديدة في سوريا، حيث إن الموقف التركي بإدلب يحظى بالدعم الأميركي، فإذا ما كانت خلاصة اللقاءات التركية الأميركية تفضي إلى اقتصار الموقف الأميركي في سوريا بالدفاع عن ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية وحسب، والتركيز على مناطق شرق الفرات، فسيكون لتركيا مواقف أقرب إلى التعاون مع روسيا، وكذا الأمر مع روسيا التي ستبني لقاءاتها مع أميركا موقفا جديدا، خاصة أن روسيا تطالب بأموال وعائدات النفط من أجل إنعاش النظام وبدء مرحلة إعادة الإعمار، فإذا ما كانت المواقف الأميركية سلبية في هذا الإطار مع تركيا وروسيا، فمن المؤكد أن هذا الوضع سيفتح مجالا للتعاون بين تركيا وروسيا من أجل تبني استراتيجيات واتفاقيات على المدى المتوسط.

سيكون الموقف الأميركي أكثر وضوحا بعد لقاء بوتين مع بايدن، لأن الموقف الأميركي المعلن حتى الآن لا يعتبر مؤشرا واضحا على الاستراتيجية الأميركية

وخلاصة ما سبق تظهر أن الملف السوري الذي يشهد جمودا دوليا منذ دخول الولايات المتحدة الأميركية مرحلة الانتخابات، ينتظر مزيدا من الحراك بعد نهاية الشهر المقبل، حيث سيكون الموقف الأميركي أكثر وضوحا بعد لقاء بوتين مع بايدن، لأن الموقف الأميركي المعلن حتى الآن لا يعتبر مؤشرا واضحا على الاستراتيجية الأميركية والأهداف المستقبلية، بل هو تكرار لما هو قائم عليه منذ الإدارة الأميركية السابقة بالحديث عن الانتقال السياسي وفق القرار الأممي 2254، وهو موقف منسجم مع تطلعات المعارضة وتركيا الداعمة لها، وبالطبع فإن أروقة الدبلوماسية تخفي بين جدرانها كثيرا من التفاصيل والاتفاقيات التي لا يعتبر فيها مصالح السوريين أولوية، حتى إن السوريين غير مشاركين في صنع قرار مستقبلهم المرهون بهذه الأطراف الدولية، منتظرين نتائج تلك الحوارات والنقاشات الدولية، في ظل جمود للملف السوري.