جمود الملف السوري

2020.11.20 | 23:01 دمشق

2202017191958955.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد أن شهدت الأشهر الماضية تطورات عديدة على الصعيد الإقليمي والدولي، منها ما هو كان مجدولا، ومنها ما هو أمر وقع بشكل طارئ مفاجئ، عاد العالم ليدخل إلى مرحلة من الجمود مجددا بسبب تطورات مواجهة وباء كورونا وتأثيراته على العالم وحالات الإغلاق التي تتم منعا من حصول انتشار كارثي مع فشل العالم حتى الآن في إيجاد اللقاح اللازم لمكافحة الفيروس.

وهذا الجمود بالطبع يشمل الملف السوري على صعيد الأجندتين الإقليمية والدولية، يضاف لها مصير الانتخابات الأميركية التي لم تصدر نتائجها الرسمية بعد، ولكن من الواضح أن المرشح الديمقراطي جو بايدن هو من حسم المعركة الانتخابية، وإن لم يعترف الرئيس دونالد ترامب بالهزيمة حتى الآن، إلا أن النتائج الموجودة حاليا لا تدفع بالمراقبين لتوقع أي تغيرات فيها، ولهذا بدأ العالم يعد نفسه للتحاور والتواصل مع الإدارة التي يعتزم بايدن تشكيلها لإدارة الفترة المقبلة من حكم الولايات المتحدة الأميركية، على عكس فوز ترامب الذي سيدفع دول العالم إلى مواصلة الحوار مع إدراته، واستكمال ما تم البدء به سابقا، بدلا من انتظار الإدارة الجديدة.

وباء كورونا والانتخابات الأميركية، أعطيا نوعا من الجمود على الملفات الهامة في سوريا، وأهمها ملفا إدلب وشرق الفرات، حيث إن تفرغ الأطراف الدولية والمحلية لمواجهة انتشار الموجة الثانية من الوباء على مستوى العالم، يـضع في أولويات أجندة جميع دول العالم الوباء فقط دون غيره، وخاصة أن الوضع الميداني السوري لا يحتمل في هذه الظروف مزيدا من المأساة الإنسانية، في ظل الظروف الصعبة السائدة في مناطق سيطرة المعارضة، كما أن الدول المعنية بالملف بشكل مباشر هي بحد ذاتها سواء في روسيا وتركيا وأميركا وإيران منشغلة جميعا بسبل مواجهة الوباء وتطبيق السياسات المناسبة لها، كما أن السياسة الأميركية العامة وإن كانت ثابتة فإن تغيرات وترتيبات وزارة الخارجية وترتيبات البيت الأبيض ربما تستدعي أشهرا لتحديد طريقة التعاطي الجديدة للرئيس الجديد، كل هذه المعطيات والظروف، تدفع بملفات سوريا إلى المرتبة اللاحقة من أجل حلها، وهو ما يعني مزيدا من الانتظار، وربما يكون من فوائده مزيدا من الهدوء للشعب السوري النازح واللاجئ المرهق في هذه المنطقة، رغم أنه يطالب بالهدوء الشامل.

على جبهة إدلب، كانت التطورات التي ارتبطت بالتصعيد شرق المتوسط بين تركيا والاتحاد الأوروبي ومحاولة استغلال ذلك من قبل روسيا، حدثا هاما في الأشهر السابقة وحملت معها تهديدات عديدة وقلقا من انزلاق الأمر للأسوأ، تبعه بدء معركة تحرير أذربيجان لإقليم "قره باغ"، بعد توتر الأوضاع على الحدود مع أرمينيا، وكان ملف إدلب دائما حاضرا كما حصل في الملفات السابقة في ليبيا مثلا، أمام المفاوضات التي تجريها روسيا مع الدول المعنية، ومنها تركيا لترسيخ التوافقات ووقف إطلاق النار في إقليم "قره باغ"، وتم تبادل الرسائل مع تركيا والضغوطات، حيث تم قصف معسكر تدريب لفيلق الشام المدعوم من تركيا، تبع ذلك انسحاب نقاط المراقبة التركية الموجودة في مناطق سيطر عليها النظام، وتموضعها في نقاط جديدة داخل مناطق المعارضة، وتغير مواقع نقاط المراقبة هذه كلها كانت بعد الضغوط الروسية للتواصل إلى حلول، رغم الرفض التركي للانسحاب، لكنها جميعها جاءت لترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار في "قره باغ"، وهو ما أدى لعودة الهدوء مجددا إلى إدلب وتجميد الوضع الراهن حاليا، وهو هدوء يبقى بالنهاية مؤقتا طالما لم يحصل اتفاق نهائي شامل في المنطقة، ولكن التمسك التركي

تركيا ستواصل المطالبة بتسليم تل رفعت وقراها التسع إلى المعارضة، والتوصل إلى اتفاق نهائي وتحويل إدلب لمنطقة آمنة

بإدلب وتعزيز الوجود العسكري فيه، سيجعل من العمل العسكري من قبل قوات النظام أمرا شبه مستحيل، إلا إذا ما دخلت روسيا بقواتها المسلحة في المواجهة المباشرة، وهو أمر مستبعد، لما له من تطورات على الساحة، فضلا عن تفضيل تركيا وروسيا للتفاهم بدل التصادم، ولكن المفاوضات عامة تجري من سقف عال من الطرفين.

وفي حال حصول لقاءات فنية تركية روسية حول إدلب مستقبلا سواء باللقاء المباشر، أو عبر لقاءات افتراضية، فإن تركيا ستواصل المطالبة بتسليم تل رفعت وقراها التسع إلى المعارضة، والتوصل إلى اتفاق نهائي وتحويل إدلب لمنطقة آمنة، وربما تواصل روسيا بدورها بالمطالبة بجنوب الطريق، وهو ما سيصدم برفض تركي، وروسيا باتت غير قادرة على مطالب كبيرة في ظل الانتشار التركي بالمنطقة، وهذه المفاوضات بالنهاية ستقود إلى الترتيبات النهائية الشاملة وتحول إدلب لمنطقة آمنة، في حال لم تحصل تطورات جديدة على الصعيد الإقليمي والدولي، وهو ما سيتطلب مزيدا من المفاوضات، ولحين الوصول إلى تلك المرحلة ستؤجل جائحة كورونا والأوضاع بأميركا الترتيبات النهائية، وإن كانت وجهات النظر التركية والأميركية قريبة للتطابق في إدلب، سواء مع الإدارة الجديدة أو الإدارة السابقة، وهي إلى جانب المدنيين وترفض تقدم قوات النظام والسيطرة على هذه المنطقة، ولكن ربما تكون هناك خلافات كبيرة بين أنقرة وواشنطن في ملف شرق الفرات، والعلاقة مع "قوات سوريا الديمقراطية".

على صعيد شرق الفرات، سعت أميركا في الفترة المنصرمة إلى محاولة فتح وتأسيس حوار بين تركيا والقوات المدعومة من قبل واشنطن، من أجل الوصول إلى التسوية السياسية، وتدخل تلك الأطراف لاحقا إلى العملية السياسية في جنيف، وهو ما ترفضه تركيا حتى الآن ووضعت فيتو على هذه المشاركة، فضلا عن أن أنقرة وضعت خطوطها الحمراء في هذا الملف، وتلخصت مطالبها بطرد جميع عناصر تنظيم "بي كي كي" الموجودة في جميع مناطق الإدارة الذاتية ومن جميع سوريا إلى خارج البلاد، وانسحاب هذه القوات مسافة لا تقل عن 30 كم عن الحدود التركية داخل الأراضي السورية، ودخول قوات موثوقة من قبل تركيا للمنطقة ومنها قوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي المعترف به من قبل تركيا، وهذه القوات حاليا موجودة في إقليم كردستان العراق، ويضاف لما سبق تشكيل مجالس محلية من أبناء المنطقة، لضمان حقوق جميع الأقليات من العرب والتركمان والآشورين وغيرهم.

وحيال التوفيق بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، سعت أميركا لتحقيق عدد كبير من هذه المطالب، رغم أنها تدرك صعوبة ذلك، فقادت مفاوضات بين المجلس الكردي وما يعرف بمجلس سوريا الديمقراطي، وحتى الآن لم تفلح هذه المفاوضات والحوارات للتوصل إلى اتفاق نهائي، وكان هناك مساعٍ أميركية لتأسيس تواصل غير مباشر بين أنقرة وقوات قسد، وقدمت تعهدات لتركيا بإنجاح هذه الجهود وتنفيذ المطالب التركية، ولكن الانتخابات الأميركية جمدت الملف حاليا بانتظار تعيين مسؤولين في الخارجية للنظر في المسألة السورية، وربما تستمر الإدارة المقبلة في السعي لتأسيس الحوار، ولكن من غير المعروف رغبة وإرادة الإدارة الجديدة في تنفيذ المطالب التركية، وحتى انتهاء الموجة الثانية من كورونا وصدور النتائج النهائية وتولي بايدن الحكم، فإن الملفات السورية ستشهد هدوءا عاما وإن حصلت تطورات تعتبر عرضية وليست مؤثرة بالشكل الكبير.