جمهوريات حاحا

2021.05.28 | 05:50 دمشق

185694.jpg
+A
حجم الخط
-A

هناك مشهدان شهيران في السينما المصرية بطلاهما وزيران، يساعدهما على الميمنة والميسرة أمينا شرطة، أمين الشرطة رتبة كبيرة في مصر، حتى إن السندريلا عاتبت حبيبها في فيلم "خلي بالك من زوزو"، قائلة:

متقولشي أمين شرطة اسم الله ولا دبلوماسي.

 والمشهدان من فيلمين هما؛ "التجربة الدانماركية"، و"معالي الوزير". والوزير رتبة أكبر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

  معالي الوزير:

  محروم من نعمة النوم، هو لا ينام، والنوم نعمة كبرى، وقد تولى منصبه بسبب تشابه أسماء وخطأ مطبعي، وهو لا يأتي زوجه، "ميعرفش"، لأنه مهموم بشؤون الأمة، ومصاب بأرق يحرمه من النوم خوفا وتبكيتا وعذاب ضمير لكثرة جرائمه وسرقاته. يستنفد الوزير السَّهود كل الطرق والحيل للنوم، فيرهق نفسه بالجري، ثم يحاول النوم في الجامع، فيطرده المؤذن هو وسكرتيره، ثم يصف له سكرتيره دواءً ناجعًا هو الحشيش، فيعجب بالفكرة، ويقصد "القسم" في الليل البهيم، فيميّزه الضابط المناوب لشبهه بالصور المنشورة في الصحف، فيطلب الوزير المُسهد من الضابط النعسان الذي يستنفر لخدمته، الاتصال بمأمور القسم النائم،  فيستيقظ المأمور مذعورًا (الممثل حجاج عبد العظيم) من رنين الهاتف الليلي، فيعتذر له الضابط، ويروي له ما وقع في القسم، ويتصل المأمور المذعور بالضيف الليلي، فيطلب منه طلبًا غريبًا يتصل بالأمن القومي، الطلب هو "حتة حشيش" من أجل الدراسة العلمية والمخبرية، فيبتسم المأمور ويزول قلقه، ويقتنع كامل الاقتناع أن محادثَه هو منتحل صفة وزير، وينام الحجاج بن يوسف قرير العين هانيها، بعد أن يأمر الضابط بزج الوزير في التخشيبة. في الصباح يأتي المأمور إلى عمله، فيجد سيارة فاخرة أمام القسم، والسيارة إحدى علامات السؤدد في العالم العربي وشارات السلطان، فتظلم الدنيا في وجهه، "النهار باين من أوله "، ويدخل الزنزانة، فيرى الضيف نائمًا بزيّه الفاخر على الأرض، يحدُّ النظر في وجه الضيف النائم كالطفل، فيجد أنه الوزير الذي يشبه الصور في الصحف، فيسقط في يده، ويجثو على ركبتيه راكعًا، ويوقظ الوزير برفق أم توقظ رضيعها، ، وينزع رتبته، ويطلب منه أن يرحمه، وأن يحنو عليه، فالوزراء لا يزورون مخافر الشرطة إلا بعد تبييضها وتلوينها بالألوان الخلابة وبالونات أعياد الميلاد، وحرس شرف.. ويبيّن للوزير عذره، فيطمئنه، وقد حظي بنعمة النوم لأول مرة بسهولة في الزنزانة، مثواه الحقيقي، وتحقق القصاص، وأن الأمور بخير، بل ويشكره فقد نام للمرة الأولى قرير العين.

 

 التجربة الدانماركية:

 هناك مشهد مشابه كوميدي أيضًا وناقد في فيلم التجربة الدانماركية.

 توقف سيارات الشرطة مخالفي القانون ومنهم وزير الشباب (عادل إمام) المتنكّر في زي شبابي، ليس أسوة بهارون الرشيد الذي كان يتنكر لمعرفة أحوال الرعية، وإنما لكي يناسب ذوق زميلته الوزيرة الدانماركية الزائرة أنيتا، والتي أُخذت بفحولة فحل السينما المصرية، ويبدو أن الرقابة لا تسمح سوى بنقد وزير الشباب والرياضة، في كلا الفيلمين الوزير هو وزير الشباب والرياضة، وزارات الكهول والمومياوات غير مسموح بالاقتراب منها  لأنها أمن قومي، أما وزارة الشباب فأمل الأمة ووعدها الباسم، فهي مباحة، وكلاهما لا يحملان البطاقة الشخصية، وجه الوزير بطاقته.

 ضُبط الوزير متلبسًا بجنحة انتهاك الأمن القومي، وارتكاب فعل فاضح، وتقبيل قطة شبه عارية قبلة طويلة في الشارع، والشارع ملك للشعب، فيقتنع المأمور ( طلعت زكريا) أن الفحل الذي يقبّل قطة في الشارع قد تعاطى حشيشًا، فيأمره بأن يقف في رتل المشبوهين الموقوفين هو والقطة العارية، ويجري له اختبار الكحول والحشيش،  فيطلب منه أن يقول: حاحا، يستغرب الوزير، ويأتمر ويلبي الأمر، فيشم الوزير ريح فمه، ويأمر بسحله إلى القسم، في القسم يفزع سكرتير الوزير بقيافته وأناقته لنجدة رئيسه، ويجد مأمور التجربة الدانماركية ما وجده سكرتير معالي الوزير أن صاحبنا وزير، فيخرج مفتاحًا من جيبه، ويخبره أنه مفتاح فيلّته في منتجع سيدي جابر ويرجو الوزير أن يرحمه، فوراءه  كوم لحم، "عيش وسيب غيرك يعيش"، فيثأر منه الوزير عادل إمام بأن يهتف صائحًا: حاحا.

 

التجربة السورية:

اشتهر المرشح الرئاسي محمود مرعي أكثر من المرشح الرئاسي عبد الله سلوم، لشأن لا يعلمه سوى علاّم الغيوب، مع أن سلوم أفحل منه وأكثر خضرمة، ومن الجبهة الوطنية التقدمية، وهو ناصري عتيق، وتظهر صورهما الملونة في المدن السورية صغيرة مقارنة بصور السيد الرئيس العملاقة في سوريا غيلفر.

 ويبدو أنّ سبب شهرة محمود مرعي، وسبقه زميله عبد الله سلوم إعلاميًا هو بطولة قديمة، ومشاركة إبان انطلاق الثورة السورية في مؤتمر معارض في فندق أمية من غير تنفيس أي دولاب من دواليب وزراء السلطة، وقد صرح بروتوس مرعي قبل يومين أنه لن يطعن في ظهر الانتخابات، وسيقبل بنتائجها، والعفو عند المقدرة، فقد ضجر من السلطة والمجد، وقد يتفرغ لكتابة مذكراته، لن يطعن فيها بسكين أو بوردة، ونرجو له السلامة من كل شر، ونطلب منه ومن زميليه الأول والثاني أن يقولوا جميعًا بصوت جماعي مثل جوقة النشيد في العرس الديمقراطي: حاحا.. لسبع سنوات قادمة.