جمعية العلوم الاقتصادية السورية.. حياة أشبه بالموت

2021.10.02 | 06:30 دمشق

download.jpeg
+A
حجم الخط
-A

يحاول النظام الأسدي بشكل شبه دائم العودة إلى طرح الإصلاح الإداري والاقتصادي بوصفه مخرجا بدهيا ووحيدا لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وذلك لإعطاء انطباع عام للسوريين بأن الفساد والنهب في البلاد يتعلق بوضع موضوعي، قد يعود للقوانين التي تحتاج إلى تحديث، أو المؤسسات التي تحتاج إلى إعادة هيكلة، أو الناس الذين عليهم أن يبذلوا جهدا أكبر. وتعد "جمعية العلوم الاقتصادية السورية" إحدى صقور هذا الطرح. وميزة هذه الجمعية، بالنسبة للنظام الأسدي، أنها تضم عددا كبيرا من دكاترة الاقتصاد في سوريا، بالإضافة إلى عدد من المختصين وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، ولذلك فهي تعطي انطباعا عاما بأن مطلب الإصلاح الإداري والاقتصادي مطلبا جديا، ويقول به مختصون وخبراء على مستوى عالٍ من المهنية. وقد وصلت درجة بلادة هذه الجمعية أن طرحها هذا لم يتغير منذ تسعينات القرن المنصرم حتى اليوم، وكأن شيئا لم يحصل.

وقد دأبت الجمعية منذ عدة عقود على عقد ندوة مشهورة كل يوم ثلاثاء في المركز الثقافي في المزة (تحولت إلى أبو رمانة بعد الثورة)، حيث يلقي أحد المختصين أو المسؤولين محاضرة يطرح فيها موضوع اقتصادي أو مالي أو إداري بغية إصلاحه أو إعادة هيكلته أو تصحيح مساره.

الإصلاح الإداري/ الاقتصادي كان أحد العناوين العريضة التي مرر النظام عن طريقه توريث بشار الأسد للسلطة، في عام 2000

ملخص أطروحة الإصلاح الإداري أو الاقتصادي أن إصلاح السياسة لا يبدأ من السياسة بل ينتهي إليها. بحيث تضع جمعية العلوم الاقتصادية كل بيضها في قضية أساسية تقول: إن البلاد بحاجة فقط إلى إصلاح إداري واقتصادي شامل حتى تستعيد عافيتها. يذكر أن الإصلاح الإداري/ الاقتصادي كان أحد العناوين العريضة التي مرر النظام عن طريقه توريث بشار الأسد للسلطة، في عام 2000.  

طبعاً هذه السردية تختصر السياسة إلى "الإجراءات التنفيذية " التي يقوم بها الوزراء ومديرو الإدارات العامة، في محاولة لتبرئة رئيس الجمهورية ومؤسسة القصر الجمهوري من مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والمعاشية والتعليمية، ناهيك عن تراجع الزراعة والصناعة ومستوى دخل الفرد. على الرغم من أن الكل يعلم أن الوزراء في سوريا ليس لهم أي دور قيادي أو سياسي، وأن عملهم ينحصر في تنفيذ الخطط الخمسية، وتسيير الأمور في وزارتهم.

يطرح أعضاء جمعية العلوم الاقتصادية السورية الإصلاح الاقتصادي على الرغم من أن أطروحة زميلهم، الاقتصادي المعروف إماريتا صن (الهندي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد)، تقوم على أن الحرية هي أساس التنمية، وهو عنوان كتاب له، وأن كل برامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية في العالم فشلت، وستفشل، إن لم تقترن بالحريات السياسية والفردية. 

فالإصلاح الإداري يعني بكل بساطة أن تصلح السياسة، ولكن دون أن تتعرض إلى بشار الأسد وكبار معاونيه الأمنيين والعسكريين. أي إصلاح القواعد وترك القيادات على راحتها تفعل ما تشاء. وهو تطبيق أكاديمي للسردية الشعبية التي تقول إن الرئيس جيد ولكن المشكلة في الحاشية.   

نفتح هنا قوسين لنبين أن محاضرات كل من عارف دليلة وتيسير الرداوي شكلت حالة استثنائية في تاريخ الجمعية، وذلك عند تأكيدها على أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون جزءا من إصلاح سياسي شامل، وأنه كثيرا ما تم اللعب بالخطط الخمسية من داخل القصر الجمهوري نفسه، ولا سيما أقرباء الرئيس المتنفذين. طبعا الأول أرسله بشار الأسد إلى السجن، والثاني أقاله من عمله بقرار خاص به وحده. في دلالة واضحة على أن تحويل الإصلاح الإداري والاقتصادي إلى إصلاح سياسي هو خط أحمر.

ولكي لا تتجاوز الجمعية تلك الخطوط الحمراء لجات إلى طريقتين. الأولى هي الدخول في مناقشات الجزئيات، وتجزيء الجزئيات والدوران في دوائر وهمية لا نهاية لها. هكذا أخذت محاضرات الجمعية تدور حول: "الإصلاح الإداري كمدخل للإصلاح الاقتصادي" أدوات التنمية الإدارية، أثر الأسعار على التنمية “ التضخم وآثاره على الاقتصاد"...

أما الطريقة الثانية فتقوم على طرح مفهوم "الفرص المهدورة" الذي يُبنى عادة للمجهول. بحيث أخذت تعج محاضرات الجمعية بعناوين تحيل الفساد والتضخم وغلاء الأسعار، وضعف أرقام التنمية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى أن هناك من يهدر الطاقات ويفوت على السوريين فرص تحسين أوضاعهم، وأن على السلطات السياسية والمسؤولين إيجاد هؤلاء وإبعادهم عن طريق التنمية. بحيث تُعيد الجمعية الحبال إلى أيدي الرئيس الذي يجب عليه أن يمسك بها جيدا ويحاسب المقصرين، ويعيّن الأكفّاء.

لن يكون على جدول محاضرات الجمعية آخر قضايا الفساد، ونقصد بها قضية إزاحة طريف الأخرس الملقب بـ "حوت السكر" وقريب أسماء الأسد، من سوق السكر السوري، الذي سينفرد به سامر فوز المقرب من عائلة الأسد

وعلى الرغم من "فصفصة" محاضرات الجمعية (تأسست منذ أكثر من خمسين عاماً) لكل شاردة وواردة في الاقتصاد السوري إلا أن محاضراتها لم تتطرق، لا من قريب ولا من بعيد، إلى قضايا هزت الاقتصاد السوري وسببت له أزمات كبرى، من قبيل قضية رامي مخلوف، أو المبالغ الهائلة التي اختلسها وزير التربية السابق هزوان الوز، مثلما لم تتطرق لما حصل لمأمون الحمصي ورياض سيف خلال السنة الأولى من تولي بشار الأسد للحكم، طبعا السوريين يحفظون العشرات من الحالات الشبيهة، التي يتحسرون عبرها على بلدهم.

بالتأكيد لن يكون على جدول محاضرات الجمعية آخر قضايا الفساد، ونقصد بها قضية إزاحة طريف الأخرس الملقب بـ "حوت السكر" وقريب أسماء الأسد، من سوق السكر السوري، الذي سينفرد به سامر فوز المقرب من عائلة الأسد. ولن تغامر الجمعية بالتنبيه إلى احتمال ارتفاع أسعار السكر نظرا للحظوة التي يتمتع بها حوت السكر الجديد في القصر الجمهوري.

جديد جمعية العلوم الاقتصادية السورية هو انتخابها للدكتور كمال شرف رئيسا لمجلس إدارتها. يذكر أن كمال شرف كان وزيرا للتعليم العالي عندما حصل رفعت الأسد على إجازة في التاريخ وإجازة في الحقوق من جامعة دمشق، وكان يقدم الامتحانات في مكتب رئيس جامعة دمشق، حتى إن مصطفى طلاس رد على شكوى بعض الدكاترة من ذلك الفعل: " لا تقلقوا ", لأن رفعت لن يعمل مدرسا بالجامعة في المستقبل. طبعا بدأ رفعت الأسد، بعد ذلك، بطلب دكتور المادة إلى المكتب لكي يخرج له الأجوبة من الكتاب، لأن الكتاب كان ضخما بعض الشيء، وإيجاد الأجوبة يحتاج لبعض الوقت.