جماعة كفتارو.. اعتقال صلاح الدين كفتارو وتأميم المجمع

2021.04.25 | 07:24 دمشق

maxresdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد احتدام المعركة بشكل عنيف بين أركان المجمع ويمثلهما الأستاذ غسّان الجبّان، والدّكتور صلاح الدّين كفتارو، واستقواء الجبّان باللواء هشام بختيار من المخابرات ووزير الأوقاف محمد عبد الستّار السيّد؛ دخل المجمّع والجماعة عمومًا في حالة استقطابٍ حادّ وبدأت بوادر التشظّي تظهر للعلن في إرهاصاتٍ واضحة لمستقبلٍ قاسٍ ينتظر المجمّع والجماعة.

 

  • اعتقال صلاح الدّين كفتارو

كانت أولى نتائج وثيقة الأستاذ غسّان الجبّان ودخوله في حالة الاستعانة العلنيّة بأجهزة المخابرات ضدّ خصومه داخل الجماعة؛ اعتقال مدير المجمع ووصيّة شيخهم وابن شيخ الطريقة الدّكتور صلاح الدّين كفتارو.

في يوم الإثنين التّاسع والعشرين من شهر حزيران "يونيو" عام 2009م اعتقلت قوّة من المخابرات صلاح الدّين كفتارو، لتتمّ إحالته بعد ذلك إلى محكمة الجنايات بدمشق.

من الواضح جدًّا أنّ الاعتقال خلفيّته سياسيّةٌ أمنيّة وليست جنائيّة، وهذا السّلوك معتاد في الأنظمة الاستبداديّة عمومًا في تحويل كثير من القضايا السّياسيّة الأمنيّة إلى جنائيّة.

فالتّهمة والاعتقال السّياسيّ أو الأمنيّ في المجتمعات المحكومة بالاستبداد يحوّل المعتقل إلى بطل في نظر النّاس، بينما الاعتقال الجنائيّ يحوّله إلى مجرمٍ مدانٍ وهو ضربٌ من الاغتيال المعنويّ الذي ما فتئت الأنظمة الاستبداديّة تمارسه.

ولأنّ الاعتقال كان على خلفيّة سياسيّة وأمنيّة فقد سارعت عدّة منظمات حقوقيّة إلى إصدار بيانات حول الموضوع ومن ذلك البيان الذي أصدرته اللجنة السّوريّة لحقوق الإنسان ومقرّها لندن، وقد جاء فيه:

"وقد اتَّسعت دائرة الأخبار التي تحدّثت في الآونة الأخيرة عن وجود خلافاتٍ في الدّائرة التي تدير المجمّع الذي أسّسه الشّيخ الرّاحل أحمد كفتارو المفتي السّابق للبلاد وإلى وجود تدخّلات كيديّة ومخابراتيّة بني على أساسها اتّهامات واعتقالات وتسوية خصومات ومواقف.

إن اللّجنة السّورية لحقوق الإنسان تطالب السّلطات السورية بالإفراج الفوري عن الدّكتور صلاح كفتارو، وإن كان بحقه اتّهامات قانونية فليمثل أمام محاكمة محايدة لا تخضع لإملاءات أجهزة المخابرات وهو يتمتع بحريته وبحقه في الدفاع عن نفسه".

وقريبًا من هذا البيان أصدر المرصد السّوري لحقوق الإنسان ومقرّه لندن بيانًا أيضًا يتحدّث فيه عن خلفيّات الاعتقال السّياسيّة والأمنيّة.

لم تتمّ إدانة صلاح كفتارو بهذه التّهم التي توجب عليه فيما لو أدين بها قضاء بقيّة عمره في السّجن

في المحكمة الجنائيّة وجّهت أربع عشرة تهمةً لصلاح الدّين كفتارو، كان أبرزها: مزاولة مهنة بدون ترخيص، والتواصل مع جهات خارجيّة، وعقد اتفاقيّات مع جهات دبلوماسيّة ليس من صلاحياته عقد اتفاقيّات معها، والاختلاس المالي من أموال المجمّع، وتلقّي مساعدات من بعض الأمراء الإماراتيّين بطريقة غير قانونيّة، وسوء التّصرّف بأموال المجمّع.

في الحقيقة لم تتمّ إدانة صلاح كفتارو بهذه التّهم التي توجب عليه فيما لو أدين بها قضاء بقيّة عمره في السّجن، غير أنّه تم الإفراج عنه بعد أربعة عشر شهرًا من التّوقيف، فأطلق سراحه في السّادس والعشرين من شهر آب "أغسطس" عام 2010م بعد إسقاط سائر التّهم عنه.

أصدرت حينها اللجنة السّوريّة لحقوق الإنسان بيانًا تدعو فيه لمعاقبة من دبّروا هذه المكيدة بحقّ مدير مجمّع الشّيخ أحمد كفتارو، وجاء في البيان:

كما تدين اللّجنة استمرار الاعتقال العشوائي والتّعسفي وحجز المعتقلين لمدد طويلة دون محاكمة ودون أدلّة على التّهم الموجّهة للمشتبه بهم".

يمكننا القول: إنّ الأهداف الرّئيسة من اعتقال صلاح الدّين كفتارو هي: العمل على ترتيب عمليّة انتقال المجمّع من الجماعة إلى القبضة الرسميّة للنظام وانتزاعه نهائيًّا من جماعة كفتارو في ظلّ جوٍّ من إرهاب المريدين الذين قد يفكّرون في التّذمر أو الرّفض، وإيجاد المسّوغات القانونيّة والإداريّة اللازمة لهذه الخطوة.

والهدف الثّاني هو تأديب صلاح الدّين كفتارو الذي بدرت منه عدّة مواقف مناكفة لبعض أجهزة السّلطة واستشعرت أجهزة النّظام أنّه بدأ يخرج عن الإطار المسموح به والمتعارف عليه لجماعة كفتارو.

على أنّه لا يخفى البعد الشّخصيّ والكيديّ في المسألة لا سيما عند وزير الأوقاف محمد عبد السّتار السيّد، ولكنّ كلمة السرّ التي كانت المفتاح الذي دخلت منه أجهزة الأمن ووزير الأوقاف هو التّحارب بين أركان الجماعة واستقواء بعضها بأجهزة المخابرات ووثيقة الأستاذ غسّان الجبّان.

 

  • تأميم المجمّع

في اليوم ذاته الذي اعتقل فيه صلاح الدّين كفتارو وصل إلى المجمع مدير أوقاف دمشق محمد سامر القباني وهو من جماعة معهد الفتح الإسلامي أحد الخصوم التّاريخيين لجماعة كفتارو ـ ودخل المجمع دخول الفاتحين وأمر بجمع الطّاقم الإداريّ ليلقي على أسماعهم قرارات وزير الأوقاف محمّد عبد السّتار السيّد.

هذه القرارات هي: ضمّ مجمّع الشّيخ أحمد كفتارو إلى ملاك وزارة الأوقاف وتكون تبعيته الإداريّة والقانونيّة الكاملة لوزارة الأوقاف، وإقالة صلاح الدّين كفتارو من إدارة المجمع، وتعيين الدّكتور محمّد شريف صوّاف مشرفًا عامًّا على المجمع.

في الحقيقة أنّ اللواء هشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي كان قد أصدر قرارًا قبل اعتقال صلاح كفتارو ببضعة أشهر ينصّ على إلحاق جميع المعاهد الشرعيّة والمؤسسات العلميّة الشرعيّة التي كانت منبثقة عن جمعيات خيرية وتتبع وزارة الشّؤون الاجتماعيّة والعمل إلى وزارة الأوقاف، وهذا نوع من القضاء على هامش الاستقلاليّة الذي كان متاحًا لها.

كان أوّل مجمّع تمّ تأميمه بهذا المعنى هو مجمّع كفتارو، وهو الوحيد الذي تمّ تغيير بنيته الإداريّة وتعيين مشرف عليه من وزارة الأوقاف، بينما تمّ إقرار الهياكل الإداريّة لبقية المجمعات مع إلحاقها بوزارة الأوقاف.

وأمّا اختيار شريف صوّاف للإشراف على المجمّع فقد جاء لاعتبارات عديدة من أهمّها أنّه من أبناء الجماعة فهو من تلاميذ الشّيخ رمضان ديب، وجاء اقتراح تعيينه في لقاء ثلاثيّ جمع كلًّا من غسّان الجبّان وصابر حمشو ووزير الأوقاف محمّد عبد السّتار السيّد خلال ترتيبات إخراج صلاح الدين كفتارو من المشهد، وكان مبرّر اختياره أنّه ليس محسوبًا على غسّان الجبّان وهذا أدعى لقبوله في الوسط العام حتّى لا تكون هناك ردّات فعل سلبيّة من أنصار صلاح الدّين كفتارو داخل المجمع، وأنّه شخصيّة هادئة وليست لها أدوار سابقة في إدارة أي من مؤسسات المجمع وهذا يجعلها سهلة الانقياد لرغبات مجلس الأمناء وتحديدًا لغسّان الجبّان الذي حاول خلال السّنة الأولى أن يمارس دورًا وصائيًّا غير مباشر على الصّواف غير أنّ شريف الصّواف ضاق به ذرعًا بعد سنة من استلامه وشعوره بالتمكن من المفاصل الإداريّة فألغى مجلس الأمناء وأبعد غسّان الجبّان عن المشهد.

كان لهذا التشظي دور كبيرٌ في رسم مواقف الجماعة في المرحلة القادمة التي تعدّ الأصعب في تاريخ سوريا وهي مرحلة ما بعد ثورة عام 2011م

كان اعتقال صلاح كفتارو وإلحاق المجمع بوزارة الأوقاف وتغيير الواجهة الإداريّة له مؤذنًا ببداية التّشظي الكبير لجماعة كفتارو، وبقي هذا التّشظي مستمرًا بازديادٍ يومًا بعد يوم، ومع نهاية عام 2010م يمكننا القول: إنّ جماعة كفتارو لم تعد موجودةً بوصفها جماعةً حقيقيّة لها كيانها ووجودها، وتحولت إلى حالة من الكتل غير المترابطة والمجموعات التي يجمعها منهج الطريقة النقشبنديّة الخالدية، والوفاء إلى حد ما إلى الشّيخ أحمد كفتارو، والتمسّك بنظام الحلقات التي لم يعد لها رأس كبير جامع بل غدت تتبع رؤوسًا عديدة كثيرة، فهي جماعة متعددة الرؤوس متناثرة القوة متشظية الوجود، لكنها بقيت تستظل بمظلة المجمع ومظلة الجامع في محاولة لإظهار وجود عباءة جامعة.

كان لهذا التشظي دور كبيرٌ في رسم مواقف الجماعة في المرحلة القادمة التي تعدّ الأصعب في تاريخ سوريا وهي مرحلة ما بعد ثورة عام 2011م.

فكيّف ظهرت مواقف الجماعة من ثورة آذار "مارس" عام 2011م، وكيف تعاطت الجماعة برؤوسها المختلفة وقواعدها المتناثرة مع المشهد الثّوريّ القادم؟

هذا ما سنجيب عنه ــ بإذن الله تعالى ــ في المقال القادم.