جردة حساب وشعاع أمل

2022.11.08 | 07:20 دمشق

دبابات روسية مدمرة في أوكرانيا ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

إن جردة حساب بسيطة لما يدور حولنا، ويرمي بثقله وعُقَده على القضية السورية، تظهر أن الخلاص ممكن - رغم قتامة الظروف -  فكما عملت قوى معينة بمبدأ: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، واستغلت مأساة السوريين، وساهمت بها كي تحقق مصالحها، وتصفي حساباتها؛ فعلى السوريين بدورهم أن يستفيدوا من "مأزوميات" تلك القوى التي أذتهم، ويتخلصوا من ربقها دون المساهمة الإجرامية كما فعل الآخرون، بل أن يردوا الظلم عن أنفسهم. وهذا يشمل منظومة الاستبداد وكل مَن دعمها. ومأزوميات تلك القوى تتفاقم وتوفّر بصيص أمل كبير للخلاص.

فمن ترسيم الحدود (الجغرافية والغازية) بين لبنان والكيان الصهيوني بيد حزب الله لا غيره، وافتضاح كذبة شعار "مقاومة" ذاك الذي ابتز الجميع وزايد عليهم؛ إلى رحيل رئيس لبناني كان شاهد زور على ذبح لبنان، كي ينال كرسي الرئاسة؛ إلى مؤامرة حزبلاتية - أسدية - إيرانية - روسية بقذف آلاف النازحين السوريين في لبنان إلى غياهب الاستبداد الأسدي ومقابر أحيائه؛ مروراً بقمة "عربية" حاولت إعادة تكرير منظومة الاستبداد الأسدية، وخرجت بخفي حنين؛ إلى روسيا الغارقة في الدم الأوكراني؛ وإيران الملالي، وانتفاضة شعبية إيرانية لا تتوقف؛ يتضح أن مأزومية النظام والمساهمين الأساس ببقائه وصلت إلى حد لا عودة فيه؛ وتبين ان الكل مأزوم وخسارته ستكون أكبر من خسارة الشعب السوري، لأنه لم يبق لديه ما يخسره أكثر.

ابتداءً من منظومة الاستبداد الأسدية، التي تتصرف كمجرد عصابة تدير شؤون بقائها عبر المخدرات إنتاجاً وتوزيعاً وتهريبا. أعضاؤها يخوضون معارك بقاء مع بعضهم بعضا؛ يبيعون كل ما تقع أيديهم عليه؛ يهددون، يبتزون، يأخذون رهائن، يغتالون، يستنفرون داعش، ينصبون على الأمم المتحدة، يلعبون على الحبال الروسية والإيرانية والإسرائيلية والأميركية في وقت واحد. والكل يعرف هشاشتهم ورخصهم؛ ويستفيدون من بقائهم لتحقيق مصالحهم.

على السوريين بدورهم أن يستفيدوا من "مأزوميات" تلك القوى التي أذتهم، ويتخلصوا من ربقها دون المساهمة الإجرامية كما فعل الآخرون

أول الداعمين للمنظومة حزب حسن نصر الله وميليشياته في حالة انكشاف غير مسبوقة بعد ترسيم حدود الجغرافيا والغاز؛ حيث تبيّن بالدلائل القاطعة أن زمرة حسن ليست أكثر من أداة بيد إسرائيل تستمر بحكم البلطجة والقوة العسكرية. أما مشغلها الأساسي، جمهورية الملالي، فإنها تجد نفسها في مأزومية أكبر، لأن انتفاضة شعب إيران بدأت تهز أركان سلطتهم بحكم خروجها من بيوتهم لا من تنظيمات يسهل قمعها. لم يعد يشفع تلاعبهم في الفضاء خارج إيران؛ فلا الملف النووي المتراقص بين الخيبة والخيبة حالة جذب وإلهاء للإيرانيين؛ ولا دعم بوتين في حربه الأوكرانية إلا زيادة ثِقَلٍ على أرواح الملالي، ولا تجارة المخدرات إلا مزيد من الانكشاف والافتضاح لهذا الوباء وأصحابه.

وفي قصة الجولاني، الذي كان الأداة السامة التي سهّلت وصم ثورة السوريين بالإرهاب، فإن فعلته الأخيرة في الشمال السوري كشفت الدور التخريبي التشويهي المرتبط بإيران ومنظومة الاستبداد عبر كونه بندقية للإيجار تتحرك بناءً على مخططات مشغليها، وعبر التدمير الداخلي وخاصة المعنوي حيث يوجد طلاّب الحرية. هذا الانكشاف مسألة مهمة في صحوة لا بد قادمة.

من الجانب التركي الحاضن الأكبر لخزان بشري سوري مصيره أن يعود إلى بلده ويساهم بإعادته إلى الحياة، فلا يعتقدن عاقل بأن تركيا يمكن أن تضع أي قضية فوق مصالحها وأمنها القومي؛ ومن هنا خرجت بتلك التصريحات الدبلوماسية التصالحية الامتحانية لمنظومة الاستبداد، والتي وضعتها ومشغليها وحُماتها في زاوية الإحراج الأكبر. والنتيجة إذا تجاوبت المنظومة الاستبدادية فضيحة، وإن لم تتجاوب تعرية؛ وهذا ما يفاقم أزمتها، ويحرج داعميها أكثر.

إدارة بايدن ترتجف مترقبة "الانتخابات النصفية" وخسارتها للكونغرس؛ وتترقب إعلان "ترامب" ترشيح نفسه لانتخابات 2024، والعودة للبيت الأبيض، ما يقوّض كل ما أنجزته استكمالاً لإدارة أوباما التي كانت تديرها. ويأتي تراقصها بين خطر صيني محتمل، وحرب روسية مجنونة ورطت بوتين في وحول ودماء أوكرانيا، ومحاولات هيمنة على أوروبا المُربَكَة ابتزازياً. وفي النهاية، ما أمامها وأمام غيرها إلا العودة لجوهر القضايا، وبينها القضية السورية، كقضية شعب يواجه دكتاتورية. ولا بد أن تصل لقناعة أنه لو تم زجر بوتين في سوريا، لما كانت مأساة أوكرانيا.

يعرف السوريون أن إسرائيل التي ساهمت بدمار بلادهم بالحفاظ على أداة الإجرام- منظومة الإبادة- التي لم تكن تاريخياً إلا عبد حراسة لحدودها وعميلة لمخططاته، قد خَرَجت بجنى مباشر قريب مؤقت؛ ولكن على المدى البعيد سيتفاقم قلقها الوجودي وتتعمق غربتها عن محيطها؛ فهي في ذهن السوريين المساهم الأساس بمأساتهم.

في ظل جردة الحساب السريعة هذه؛ والتي تشي بمأزومية الأطراف المنخرطة في القضية السورية؛ هل يبقى الدور السوري الوطني (الحاضر- الغائب) لمصلحة جهة ما، أو (المُحضَّر- المُغَيَّب) بتخطيط ما؟! هل تستمر المحاصصات والرؤى القاصرة والتبعية ضمن "القطاع الرسمي من المعارضة"؟! وهل حالة التشرذم والزعامات الفارغة الفاسدة لبعض القطاع الميداني في صالح السوريين وثورتهم، أم محاكاة لأمراض موروثة من منظومة الاستبداد؟! وهل تمركز البعض حول الذات، والطلاق مع الشأن العام والقضية السورية تنجي أو تعيد أوطان؟! هل نستسلم للميئسين المُحبَطين المُحبِطين مُدَّعي احتكار الثقافة والمعرفة؟! أبداً، لا.. لا بد من صحوة للشفاء من هذه الحالة، والاستفادة من مأزوميات الجناة على القضية السورية، والانطلاق باتجاه تحقيق وطن حر عفيّ.