جردة حساب مطار دمشق الدولي بعد عودته للخدمة

2022.06.25 | 06:40 دمشق

b2e3b957-1f57-4bc9-bba7-a18489cd9f80.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد كل الأحداث التي تعاقبت منذ العام ٢٠١١، لا تزال العصابة الحاكمة في دمشق تصر على تسمية ذلك المكان، الذي تستخدمه لتعليق صور الأسد على جدرانه، بـ "المطار"، وتصر على أنه مطار دمشق، وتصر على أنه دولي.

لقد تحول ذلك المطار بعد انطلاق الثورة السورية -مثله مثل كل المرافق والمؤسسات الأخرى في سوريا- إلى فرع أمني ومن ثم إلى قاعدة عسكرية، ولكن المختلف في السنوات الأخيرة هو وضع المطار في خدمة مشروع إيران وحرسها الثوري بشكل مباشر، بداية من نقل السلاح والميليشيات، ومن ثم نقل التجار والسكان الجدد، وانتهاء بتحويله إلى غرفة عمليات ومكاتب لتجارة المخدرات ونقلها دون أن تتوقف مهمته الأمنية والعسكرية وتوظيف إيران له في عملياتها الإرهابية العابرة للحدود.

وما إن يتعرض هذا المطار لضربة إسرائيلية، حتى يبدأ النظام السوري بالتباكي عليه والادعاء أنه مطار للسوريين، ويدعو الشعب للتنديد بتلك الضربات باعتبارها تستهدف المرافق المدنية المهمة، ويخون كل من لا يبدي غضبه على إسرائيل وحزنه على المطار، شريطة أن يكون ذلك التنديد والحزن متوافقاً مع كذب النظام لا أن يكون شعوراً وطنياً حقيقياً يعده النظام خطراً كبيراً على وجوده.

وما إن تتوقف إسرائيل عن قصف المطار حتى تنتهي علاقة السوريين به، فعلاقة السوري بمطاره اليوم يحددها النظام بواجب البكاء على أطلاله عندما يقصف والمساهمة في فيضان المشاعر الوطنية الكاذبة، دون استخدامه فعلاً لاحتياجاته الأساسية المتمثلة في السفر، حيث يعيد الأسد تسليم شؤون المطار بعد الضربة للحرس الثوري الإيراني ليكمل من خلاله إنجاز مشاريعه الدموية.

أصبح مطار دمشق مقراً للعصابة الحاكمة وأتباعها وأبواقها وملكاً لداعميها، وليس بأي حال ملكاً للشعب السوري

قبل الثورة، لم يكن المطار يعني النظام إلا في كونه مرفقاً حيوياً يمكن من خلاله ممارسة السرقة والنهب على مستوى رفيع وعقد صفقات وهمية يتم من خلالها نهب كثير من مقدرات السوريين وأموالهم ووضعها في جيوب كبار اللصوص أو في أرصدتهم البنكية، كشراء طائرات مستعملة وشبه منتهية الصلاحية على أنها جديدة، وكذلك المشاريع التي كان ظاهرها تطوير مرافق المطار، وباطنها توزيع للميزانيات على جيوب كبار الفاسدين، ثم تحول إلى قاعدة أمنية وعسكرية ومركز لصناعة القتل والتدمير في أثناء الثورة، ثم إلى مركز لتسهيل الاحتلال الإيراني وخدمة مشروع التغيير الديموغرافي، وأداة سلمها النظام لطهران لتعمل من خلالها على تحقيق حلمها في الاستيلاء على دمشق.

أصبح مطار دمشق مقراً للعصابة الحاكمة وأتباعها وأبواقها وملكاً لداعميها، وليس بأي حال ملكاً للشعب السوري، فمعظم السوريين اليوم ممنوعون من السفر إما لضيق ذات اليد والفاقة الشديدة التي أوصلهم النظام ذاته إليها، أو لمنعهم من السفر مباشرة بقرار من العصابة إن لم يكن المسافر مستوفياً لشروط الطاعة والولاء، رغم حلم السوريين ليس بالسفر وحسب بل بمغادرة سوريا دون عودة.

قبل الثورة كان أسطول الطيران السوري لا يتجاوز أربع طائرات، منها اثنتان لا تعملان، ثم توقف مطار دمشق عن الخدمة الحقيقية لسنوات طويلة عندما تمت مقاطعة نظام الأسد، فلم تعد تقلع منه أو تهبط فيه سوى بعض الطائرات القادمة من الدول الداعمة له، وخلال سنوات طويلة كان السوريون ممن يضطرون للتنقل يستخدمون مطار بيروت كبديل لا يزال معتمداً حتى الآن لدى معظم المسافرين، ولذلك يأتي خبر توقف مطار دمشق "الدولي" عن الخدمة بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة، كزوبعة إعلامية لا تنبئ عن جرح وطني، ولا عن ألم حقيقي لدى النظام وأتباعه، وإذا سلمنا بأن إسرائيل تستهدف إيران فعلاً من خلال ضرب مطار دمشق فهو الدليل الأكبر على خروج هذا المطار عن خدمة السوريين بالمطلق، باعتباره لم يعد مطاراً سورياً، فضلاً عن أن النظام نفسه هو المتسبب الرئيسي في ضرب المطار من خلال تسليمه لإيران وميليشياتها، ومن خلال سكوته على تلك الضربات والرد عليها بالتنديد وبالشكوى لمجلس الأمن.

وإنه لمن اللافت في هذا السياق أن يلجأ النظام إلى مجلس الأمن في حالة الاعتداءات الإسرائيلية، ولا يفكر في الرد على مصادر الضربات متذرعاً بالاحتفاظ بحق الرد، بينما لا يتردد في الرد على السوريين بصرف النظر عن المكان والزمان المناسبين، يتنازل عن كامل حقه مع الدول التي تعتدي عليه، ولكنه لا يقدم تنازلاً واحداً لشعبه ولبلده، بل يخبط خبط عشواء ويرد الصاع بأضعافه، طالما ضمن ضعف الضحية وغياب مناصريها.

في مقابل ذلك، يواجه السوريون عناء كبيراً في استخراج جوازات السفر، حيث تغص دوائر الهجرة والجوازات على امتداد مناطق سيطرة النظام بالمراجعين، فيما يعرف بأزمة جوازات السفر، لم تستهدف إسرائيل أيا من تلك الدوائر، ولم يفرض قانون قيصر منع استخراج الجوازات، ومع ذلك خرجت تلك الدوائر تلقائياً عن الخدمة، وإذا ما توقفنا عند معاناة السوريين في الخارج مع جوازات السفر السورية من حيث تمديدها أو تجديدها أو منحها لأول مرة، والتعقيدات التي وضعها النظام والمبالغ المالية الخرافية التي يفرضها على طالبي الجواز، لعرفنا أن من يعيق حركة السوريين ويخرج مرافقهم عن الخدمة، هو النظام ذاته، وليس أي ظرف خارجي، ولا استهداف إسرائيل للمطار.

لن يحس السوريون بأي فارق في عودة المطار إلى الخدمة، تماماً كما لم يحسوا بأي فارق في  أثناء توقفه عنها

لم يكن مطار دمشق للسوريين منذ تسلط عائلة الأسد على الحكم في سوريا، ولكنه في سنوات الثورة تحول إلى عدو حقيقي، فقد مارس مهمته الأولى كمركز للقتل والإبادة والتهجير، ثم أكمل المهمة الجديدة المتمثلة في تحويله إلى أحد أهم مراكز الاحتلال. 

ها قد عاد المطار إلى الخدمة، ولكن معظم السوريين المحتاجين للسفر عاجزون عن استخدامه، أو يفضلون السفر من مطارات في البلدان المجاورة، أو لا يجدون الرحلات المناسبة في أحسن حال، ولهذا لن يحس السوريون بأي فارق في عودة المطار إلى الخدمة، تماماً كما لم يحسوا بأي فارق في أثناء توقفه عنها.

إن أزمة السوريين ومعاناتهم، ومعاناة سوريا كأرض ومرافق ومؤسسات، كحاضر ومستقبل، تتمثل في بقاء العصابة الحاكمة بحيث تشكل العائق الأهم أمام استرداد السوريين لبلدهم، وحرمانهم حتى من الدفاع عنها ضد الاحتلالات المتعددة، بل إن مهمة النظام باتت تتجسد بشرعنته للمحتل بتعدد أشكاله، وتسليمه شأن سوريا له شريطة المحافظة على حمايته كقاتل مأجور في سبيل مشاريع المحتل، وعلى حساب سوريا وشعبها وأرضها، حاضرها ومستقبلها.