جدلية النصرة.. بين تذرّع الروس بها ومطالب الثوار بحلّها

2019.10.08 | 03:13 دمشق

11-mnzmt-swrywn-mn-ajl-aldalt-walhqyqt-tqryr-swrt-ghlaf_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

استند الهجوم الروسي الأخير في إدلب على حجة وجود تنظيمات مصنفة على أنها إرهابية، وعدم تمكّن تركيا من الالتزام بأبرز وأعقد بنود اتفاق سوتشي، ومضت أشهر الهجوم الأربعة وسط صمت تركي خاصة في بدايته ونهايته، مع ظهور مؤشرات دنيا عن تحرك ميداني وسياسي تركي لتدارك الموقف المتأزم.

ومع مرور 23 يوماً من الهدنة التي أعلنت عنها روسيا، دار جدال متكرر بخصوص إنهاء هيئة تحرير الشام، وضاع الثوار في ظل فقدان المعطيات التي ستحدد مصير المنطقة، بين قسمين، الأول يرى أنه هذه الذريعة الروسية غير منطقية بحكم أن روسيا هاجمت مناطق لا يوجد بها سوى عشرات العناصر لهيئة تحرير الشام، وأن روسيا لا تفرق بين أي فصيل يحمل السلاح بوجه حليفها الأسد، وستتذرع بباقي الفصائل في حال تم إنهاء هيئة تحرير الشام.

أما الفريق الثاني فيرى أن مطلب إنهاء هيئة تحرير الشام هو مطلب ثوري قبل أن يكون مطلباً روسياً، وأن وجهة النظر الرامية إلى أن بقاء تحرير الشام سيفيد في الدفاع عن المنطقة، سقطت بعد أن عرّى الهجوم الأخير قدرة الهيئة على المواجهة او على الأقل نيتها لذلك.

وتشعب الجدال إلى تفاصيل أكثر عمقاً، حول طريقة إنهاء الهيئة، وقدرة الفصائل على ذلك، ومدى التدخل التركي ميدانياً في حال تم التوصل لهذا القرار وتحمل تبعاته الأمنية، وأبدى الفريقان تخوفاتهما الحقيقية حول المجهول من مباحثات واتفاقات الروس والأتراك، خاصة فيما يتعلق ببنود الاتفاق الجديد الذي يتم التوصل إليه أو محاولة التوصل إليه، وكيف ستكون ردة فعل الفصائل فيما إذا فرضت أنقرة عليها القبول بوجود قوات روسية داخل الشمال المحرر أو على الأقل في أطراف الطريقين الدوليين.

النقطة الأساسية لتفكيك العقد الموجودة بين الفريقين، هي أن تقاطع مطلب الثوار بإنهاء هيئة تحرير الشام مع روسيا، لا يعني أبداً تجاوباً سخيفاً لما تطلبه، أو نوعاً من الانهزام والقبول بذلك، فالغايات مختلفة ومتعاكسة

ترسخت الكثير من القضايا في أذهان المدنيين كمسلّمات لقراءة الوضع ميدانياً وسياسياً، فالفصائل غير قادرة على مواجهة هجوم بري واسع وعنيف ترمي فيه روسيا وإيران ثقلهما، هذا ما عدا التكلفة البشرية الهائلة من مجازر القصف الدموي خلف خطوط الجبهة، وثانياً لم يتبق للفصائل سوى الشريان التركي الذي يبدو أنه مسدود بخثرات التلكؤ القديم وسوء إدارة ملف إدلب منذ إغلاق غرفة عمليات الموم، وضعف الأوراق بيدها، وصعوبة الموازنة بين أهمية إدلب بالنسبة لها وأهمية الإبقاء على علاقة متوازنة مع روسيا في ظل التجاذب الحاصل مع واشنطن فيما يتعلق بملف قديم جديد بالنسبة لتركيا، ملف حزب العمال الكردستاني.

ومن المسلمات أن هيئة تحرير الشام وطموحات الجولاني كانت السبب بتوقف الدعم الإنساني عن منطقة ما زالت على صفيح ساخن فعلاً، لكنها في الوقت نفسه هي الفصيل الأكبر والأكثر عتاداً، وأن الجبهة الوطنية بعد أن خسرت سلاحها لصالح الجولاني لم يعد فيها قوة حقيقية سوى فيلق الشام المُرتَهن لتركيا بشكل مطلق، وبذلك لا يمكن سوى التعويل على تحرك حقيقي للهيئة للدفاع عن إدلب.

وأيضاً، ما زالت هيئة تحرير الشام تجهد للحفاظ على صورة دولتها وحكومتها عبر فرض القرارات السخيفة، وحَلبِ مقدرات الشمال السوري المالية عبر احتكار التجارات وفرض الإتاوات، في محاولة منها لتكوين انطباع موجه للداخل والخارج، بأنها قادرة على إدارة المنطقة بتعقيداتها ولو كان ذلك بسلطة أمر واقع مدعومة بالسلاح والهمجية.

بالعودة إلى الجدال الحاصل، فإن النقطة الأساسية لتفكيك العقد الموجودة بين الفريقين، هي أن تقاطع مطلب الثوار بإنهاء هيئة تحرير الشام مع روسيا، لا يعني أبداً تجاوباً سخيفاً لما تطلبه، أو نوعاً من الانهزام والقبول بذلك، فالغايات مختلفة ومتعاكسة، روسيا ترى أنها ستكسب في كلا الحالتين، ففي حال بدأ الهجوم على تحرير الشام، فإنها بذلك تُدخل المحرر في صراع داخلي يُفرغ الجبهات أمامها، وفي حال لم يحدث فإن حجتها جاهزة ومتوفرة لاستكمال العمليات القتالية.

أما الثوار فيرون أن ورقة التوت سقطت عن هيئة تحرير الشام بعد تخاذلها في الدفاع عن إدلب، وخاصة أن الجميع يعلم قدرتها على مواجهته، وبما أن المعركة لها وجه تفاوضي عبر الضامن التركي، فلا مانع من سحب الذريعة من روسيا والحصول على اتفاق لوقف إطلاق النار يكون خالياً من الثغرات والحجج الكاذبة، وبهذا السيناريو ستكون الفرصة سانحة بشكل كبير لعودة الجيش الحر وطليعته المطرودة من إدلب، وعودة الدعم المنقطع للمنظمات الطبية والتعليمية والخدمية والحوكمية والتنموية، والقدرة على المطالبة بصوت قوي بعودة الدعم العسكري من قبل أصدقاء الشعب السوري.

وبما أن المعركة لها وجه تفاوضي عبر الضامن التركي، فلا مانع من سحب الذريعة من روسيا والحصول على اتفاق لوقف إطلاق النار يكون خالياً من الثغرات والحجج الكاذبة

ولا يجب إغفال أمر مهم بأن الجولاني لديه ألفا عنصر موالون له بشكل حقيقي، في حين أن السواد الأعظم من المنتسبين للهيئة هم من المنتفعين منها كونها سلطة الحكم الحالية، أو من شتات الفصائل التي هاجمتها النصرة وبقوا في مدنهم وقراهم للاستمرار في حمل السلاح، وهذه الآلاف لن تدخل في معركة الدفاع عن الجولاني وستذهب للجبهة الوطنية للتحرير، وبذلك لن تطول معركة القضاء على النصرة.

باختصار، يرى هذا الفريق أن مضار هيئة تحرير الشام أكبر بكثير من منافعها، وأن مطلب القضاء عليها هو مطلب الشارع قبل أن يكون مطلب موسكو.

أما الفريق الآخر فيرى أن الفصائل غير قادرة على إنهاء تحرير الشام بهذه السرعة، وأن المعركة ستكون كسابقاتها وستفضي إلى إنهاك القوى الثورية العسكرية وفتح المجال أمام اجتياح بري روسي، ويرون أنه وببساطة لا يجب تلبية مطلب العدو مهما كان.

ويركز الفريق الثاني على أن روسيا، وفي حال القضاء على تحرير الشام ولو بشكل سريع، فإنها ستتذرع بوجود فصائل الجيش الحر وتكمل هجومها، ولن تزج تركيا بجيشها للدفاع عن المنطقة ولن تكون الفصائل قادرة على ذلك أيضاً. وعزّز الصمت التركي الذي رافق معركة الروس الأخيرة، ودعمهم الضعيف الذي لم يرق لحجم المعركة، وجهة النظر هذه.

التعويل على تركيا لتحصيل شروط غير مجحفة بحق إدلب، أمر خاطئ، فتركيا ذاهبة إلى طاولة مفاوضات بعد هزيمة الفصائل في الجولة الأولى من معركة إدلب وسقوط شمال حماة وخان شيخون ومحاصرة نقطة مورك، والتوصل لوقف إطلاق للنار كما حصل بعد سوتشي، هو أدنى بكثير من تطلعات المقهورين والضائعين والنازحين.

فأي اتفاق يؤجل حل الملفات العالقة، والاكتفاء بتفاهم حول فتح الطرق الدولية ودخول قوات إشراف روسية، يعني عودة نصف مليون مهجر لقراهم المدمرة مع بقاء احتمالية تجدد الهجوم الروسي ولو بعد أشهر. وفي الوقت نفسه لن يمانع الكثير من المدنيين من اتفاق تدخل فيه بعض العربات الروسية إلى المحرر، مقابل إيقاف الهجمات الجوية.

يبدو أن هذه الفترة هي الأصعب لتوقّع ما ستحمله الأيام القادمة، والتنبؤ بمصيرها المرتبط بملفات معقدة أخرى كملف شرق الفرات، والحل السياسي الذي بدأ يقفز من أستانا إلى جنيف. وهذا الواقع المليء بالثوابت لن يغيره سوى ثلاثة متغيرات، جهد أمريكي جدي وحقيقي، أو ازدياد الوجود العسكري التركي في إدلب بأعداد كبيرة، أو نجاح جهاز المخابرات التركي بإقناع الجولاني بحل نفسه وإزالة السواد عن المنطقة.

وإذا بقيت الظروف الميدانية والسياسية وثوابتها على ما هي عليه، فلن يكون هنالك أمام تركيا في حال كانت جادة في الحفاظ على استقرار وسلامة إدلب، سوى القيام بعمل عسكري بجيشها ضد هيئة تحرير الشام، وذلك على غرار عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وسيكون عليها لاحقاً التعامل مع مصير الشخصيات المصنفة إرهابياً وعلى رأسهم أبو محمد الجولاني.