جدلية الداعم والمدعوم

2021.05.17 | 06:34 دمشق

580-10-730x438-730x438-1-730x438-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بموازاة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني من القدس إلى غزة والضفة الغربية ومدن الداخل، ثمة عدوان آخر موازٍ يحصل في وسائل الإعلام وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي التي تواكب ما يحصل بقوة، وبمقابل دعم معظم رواد تلك المواقع للفلسطينيين، كانت هنالك أصوات نشاز لشخصيات انشغلت في الخوض بأسئلة وافتراضات ملغومة ومدسوسة، كالجدوى من صواريخ المقاومة الفلسطينية، أو مدى ارتباطها بإيران من حيث التصنيع، وإعطاء ذلك بعداً سياسيا حول دعم طهران لفصائل المقاومة، خصوصا حركة حماس، ولهذه الصورة أبعاد سياسية ترتبط بشكل مباشر بالموقف من ثلاث جهات، إسرائيل.. إيران وحركة حماس.

لوسيم يوسف وأمثاله موقف سياسي مرتبط بموقف الدولة التي يتحدثون من على أراضيها

بعض الشخصيات الداعمة لتل أبيب ومن تدور في فلك الدول المطبعة معها، لا تحتاج لكثير من التحليل لماذا تقف ضد مقاومة الاحتلال، كوسيم يوسف مثلاً الذي أصبح اسمه وسماً على مواقع التواصل الاجتماعي، "الداعية الإسلامي" الإماراتي الأردني الذي بدأ مسيرته المهنية بتفسير الأحلام، وليته بقي منشغلا بكتاب ابن سيرين، وما دخل عالم السياسة ليصبح داعما للاحتلال يقتبس العسكر الإسرائيليون تغريداته داعمين دعايتهم الإعلامية في عدوانهم على الفلسطينيين، ولوسيم يوسف وأمثاله موقف سياسي مرتبط بموقف الدولة التي يتحدثون من على أراضيها، معاداة الإخوان المسلمين وعلاقتها بإيران، ولعل أحدا ما قد يلتمس لهم العذر لو كان مقالهم في غير هذا المقام، فما يجري في غزة هو امتداد لما يحصل في القدس، وهذه الشخصيات لم تعبر عن رفضها لما يقوم به الاحتلال بحق المقدسيين ومحاولات تهويد الجزء الشرقي من المدينة خصوصا قضية حي الشيخ جراح، وإذا كان هؤلاء غيورون على المقاومة ومصادر دعمها، فمن الأولى أن يسألوا، هل قدمت دولهم دعما ورفضت المقاومة استقباله، حتى يلوموها في خياراتها البديلة!! ولماذا يحق للدول التي يتحدثون منها أن يكون لها حجم تبادل تجاري كبير مع طهران، وتدخل معها في مفاوضات وعلاقات لم تنقطع تحت مظلة "الواقعية السياسية"، ولا يحق لحركات مقاومة أن تكون معها بالكفة نفسها!

ثمة شريحة أخرى تهاجم حماس ليس لأنها تتلقى دعما إيرانياً – مع التحفظ على كلمة الدعم ومدى دقته وحجمه وهي تشبه ربما الدعم الأميركي للثورة السورية - بل لأنها أصدرت موقفا واضحا من القضية السورية، حيث دعمت الثورة ضد نظام الأسد، وهنا يمكن فهم لماذا يقوم مؤيدوه كعمر رحمون مثلا بمهاجمة الحركة وصواريخها التي تنهال على الإسرائيليين، فبالنسبة لهم كان يجب أن تكون حماس مع بشار الأسد حتى تنال رضاهم.

هذه الشخصيات مع المواقف التي تحملها تدخل في جدل عابث، فهم يرون أن صواريخ المقاومة "عبثية" علما أن الاحتلال يراها غير ذلك، فهي أصبحت تهدد كل مدنه ووصلت إلى أبعد مما كان يتخيله، وألحقت خسائر باقتصاده، وأوقفت الرحلات الجوية إلى مطاراته التي تم استهدافها، فضلا عن صناعتها لأزمة داخلية في حكومة الاحتلال، ومع كل حرب على قطاع غزة، تصدم تل أبيب بقدرات المقاومة وكيف تطور سلاحها مع الزمن، خاصة مع ظهور صواريخ من نوع جديد كـ"عياش 250، أو طائرات "شهاب" المسيرة الملغمة التي دخلت الخدمة لأول مرة منذ أيام، وليس مطلوباً من المقاومة المحاصرة عالمياً أن تملك أسلحة الاحتلال نفسها حتى تكون "غير عبثية" وفق منظورهم! وعلى كل حال فإن تل أبيب اليوم تعيش رعبا في مدن الداخل أو ما يعرف بمناطق داخل "الخط الأخضر" أكثر من صواريخ غزة، هذا فضلا عن صمود المقدسيين وانضمام أهالي الضفة الغربية المحتلة للانتفاضة بالحجارة، فضلا عن اجتياز عشرات الأردنيين للحدود باتجاه الأراضي المحتلة، وهو حراك بطبيعة الحال يزعج بعض المنافقين العرب أكثر من تل أبيب، فصفقة القرن كما سموها، أصبحت صفعة لهم، وما بنوه في الأشهر الأخيرة كان صرحا من خيال فهوى.

إيران وبعض الدول التي قادت ما عرف بـ"الثورات المضادة"، تقف في معسكر واحد وموحد مع الأنظمة الاستبدادية

نقطة أخيرة فيما يخص إيران ومحورها الكاذب، فادعاء دعمهم للقضية الفلسطينية لا يلغي أنه محور ارتكب جرائم عابرة للحدود بحق ملايين العرب، من سوريا إلى العراق ولبنان واليمن وغيرها، ومساندة مظلوم على جبهة، لا يعطيهم الحق في إبادة ملايين العرب ممن يريدون الحرية على جبهات أخرى، اللافت هنا وضمن المفارقات العجيبة، أن إيران وبعض الدول التي قادت ما عرف بـ"الثورات المضادة"، تقف في معسكر واحد وموحد مع الأنظمة الاستبدادية ضد الشعوب المنتفضة، وهذا ما سهّل على تلك الشعوب أن تبني موقفا واضحاً حيال كل هؤلاء، لا للأنظمة التي قتلتهم ودمرت بلدانهم، لا لإسرائيل.. لا لإيران، أما التفاصيل التي تكمن في كل شيطان من هؤلاء الثلاثة والدول التي تدعم أيا منهم، فهي لا تعني الشعوب ولا يريدون الغرق فيها وإدخالهم في متاهات لا تنتهي.