ثورة "ابتسم أيها الجنرال".. ما بعد نهاية تاريخ البعث

2023.04.23 | 06:01 دمشق

ثورة "ابتسم أيها الجنرال".. ما بعد نهاية تاريخ البعث
+A
حجم الخط
-A

منذ التسعينيات إلى اليوم، شكلت الدراما السورية عنصراً تثقيفياً هاماً في مجالات مختلفة، تاريخياً، وسياسياً، واجتماعياً. عاشت الدراما السورية نهضتها نصوصاً وإخراجاً وتمثيلاً على أيدي كبار أعلامها، والذين لا مجال لذكرهم جميعا، لكن كان من بينهم شيخ الكار هيثم حقي، والراحل الكبير حاتم علي، إلى جانب كتاب كبار كوليد سيف، ودياب عيد، وريم حنا، وأمل حنا، وغيرهم كثر، ولا يتسع المجال لذكر الممثلين الذين أثروا في المجتمعات العربية بغض النظر عن المواقف السياسية لأي منهم. ساهم هؤلاء في إطلاق محفزات الوعي السياسي وإن بقوالب اجتماعية.

يمكن للنقد الفنّي أن يتناول كثيرا من الأعمال من زوايا فنية، أو تقنية، وحتى من زاوية النص باعتباره خاضعا لرقابة السلطات وأجهزة المخابرات، ولكن على الرغم من ذلك، لا يمكن إسقاط أهمية ما قدّمته الدراما السورية، خاصة  أن هناك أعمالا قد خلّدها التاريخ كمسلسل أخوة التراب، أو حتّى التدخل في أحد نصوص ريم حنا في مسلسل "رسائل الحب والحرب". لتنتقل هذه الدراما فيما بعد إلى تطور أساسي، مع مسلسلات اجتماعية ذات بعد أو رسائل سياسية، كالولادة من الخاصرة، أو غداً نلتقي، مروراً بـ"قلم حمرة" ومسلسل عصي الدمع. فيما بعد دخل عنصر الدراما المشتركة السورية اللبنانية، أو السورية العربية، والذي فرضت فيه آليات السوق ومصالح شركات الإنتاج شروطها بحثاً عن تسليع هذا القطاع، وارتكازه على عناصر "الشهوة"، و"الإثارة"، و"التفخيم والتضخيم"، و"الأكشن" وغيرها من المقومات القادرة على بيع المنتج وتسويقه بدون مضمون. أسهم ذلك في انحدار مستوى الدراما العربية ولا سيما الدراما السورية التي أصبحت بحاجة للبحث عن منتجين.

بالنظر إلى صناعة الدراما السورية التي ازدهرت في التسعينيات وأوائل القرن الجديد، نجدها تركزت على أعمال تاريخية جميعها تتوقف عند حدود انقلاب البعث

في ظل هذا المعيار الجديد الذي أصبحت ترتكز عليه الدراما، يأتي مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" ليقارع كبريات شركات الإنتاج والمسلسلات المتركزة على الأبعاد التفخيمية والتضخيمية إنتاجاً ولغة. وهو أول مسلسل عربي وبتمويل عربي له أبعاد كثيرة ورسائل سياسية وفيرة. طوال السنوات الماضية كانت الرسائل السياسية والمواقف في الدراما أو السينما كانت تظهر من خلال الكوميديا أو من خلال المسلسلات التاريخية. وبالنظر إلى صناعة الدراما السورية التي ازدهرت في التسعينيات وأوائل القرن الجديد، نجدها تركزت على أعمال تاريخية جميعها تتوقف عند حدود انقلاب البعث كما هو الحال بالنسبة إلى الملحمة الاجتماعية السياسية "حمام القيشاني". التي تناولت كثيرا من الحقب  بدءا من الفترة العثمانية وبعدها الانتداب الفرنسي وصولاً إلى الانقلابات ما قبل انقلاب البعث. ما يشير إلى أنه تم الوصول إلى نهاية التاريخ مع وصول البعث للحكم.

يمثل هذا العمل أي "ابتسم أيها الجنرال" ثورة درامية، بدون الحاجة للدخول أو الغوص بالأداء الفني للممثلين أو الإخراج والمبالغة أو التفخيم والتضخيم. ولكن بالمعيار السياسي، وبالتركيز على الأبعاد والرسائل السياسية للمسلسل لا بد من استنتاج جملة نقاط: أولاً، يفرض المسلسل عند مشاهدة كل حلقة التفكير بأبعاد كل مشهد سياسي وربطه بالكثير من الأحداث في سوريا. وهنا لا بد من إيفاء الكاتب سامر رضوان حقه، والذي غالباً ما يتعمد وضعك في حيرة أو في الحث على التفكير بربط أحداث المشهد بأحداث واقعية. كالسؤال الذي يلازمك طوال الوقت حول شخصية عاصي، شقيق الرئيس، فهل هو يمثل ماهر الأسد أو رفعت الأسد؟ وهل الأحداث في عهد حافظ أم بشار الأسد. ومن بين الأسئلة أيضاً، حول هوية والدة الرئيس، فهل هي ناعسة أي والدة حافظ الأسد التي فضت الاشتباك بين الشقيقين حافظ ورفعت بحسب رواية المؤرخ غير الرسمي للأسد باتريك سيل؟ أم هي زوجة حافظ ووالدة بشار وماهر؟

جميع الشخصيات الرئيسية في المسلسل، تضطرك للغوص في أبعاد المشاهد، لربطها تلقائياً في سلسلة أحداث حصلت في سوريا ولبنان حتى منذ استيلاء الأسد على السلطة في العام 1970 حتى استيلاء نجله. واللافت في المسلسل أيضاً، هو الرسائل السياسية التي تتناول جارة دولة الفرات، ولا سيما الدولة الغربية، أي لبنان. وهو ما يوضح بشكل تام كيفية النظر إلى لبنان الذي يسهل السيطرة عليه وتنفيذ عمليات اغتيال داخله أو التدخل في مساراته السياسية وتغييرها.

لا يمكن إغفال الرسائل السياسية حول كيفية التعاطي مع مصالح الدول الغربية وربط هذه المصالح مع مصالح دولة الفرات، وهو ما يحسب لصالح حافظ الأسد تاريخياً الذي نجح باللعب على التناقضات لصناعة دور لسوريا والحفاظ على قوة ومنعة نظامه في التوازنات الإقليمية والدولية. ولا يمكن ذكر هذا المسلسل بدون ذكر مسلسل الاختيار الذي تم بثه على أجزاء متتالية ويتناول حقبة الإخوان المسلمين في مصر، والفارق بين المسلسلين أن الثاني يرتبط ويحظى بدعم شركة إنتاج تابعة للدولة أو لأجهزة مخابرات، في حين هذا المسلسل أي ابتسم أيها الجنرال، سيكون عنصراً محفزاً وفاتحاً لشهية كثير من الشركات على الكثير من الموانع أو التابوهات التي تحول دون سرد تاريخي يكسر التاريخ المروي للأنظمة العربية.

ما ينطبق على الواقع السوري من خلال ابتسم أيها الجنرال، يمكن أن يتوسع ليطول كثيرا من التحولات التي طرأت على سوريا ما بعد الثورة السورية والتغريبة السورية الكبرى

يمكن لهذا المسلسل أن يطلق ثورة درامية جديدة، هادفة ومبنية على قضية، الغاية منها إعادة تظهير التحولات السياسية والاجتماعية والتاريخية بسياق درامي واقعي بعيداً عن ما تعتمده شركات الإنتاج. وما ينطبق على الواقع السوري من خلال ابتسم أيها الجنرال، يمكن أن يتوسع ليطول كثيرا من التحولات التي طرأت على سوريا ما بعد الثورة السورية والتغريبة السورية الكبرى. كما بالإمكان الانطلاق لإنتاج أعمال أخرى تخص الشأن الفلسطيني مثلاً، بعمل عصري يواكب التحولات التي حصلت في فلسطين وحولها منذ الانتفاضة الأولى إلى اليوم مثلاً، بعمل يحاكي درامياً عظمة "التغريبة الفلسطينية". بالارتكاز على هذا النوع من الأعمال يمكن الذهاب إلى تأسيس مرحلة جديدة من الوعي السياسي والاجتماعي لبيئات ومجتمعات عربية تخرج من البقاء عند حدود "تاريخ الدراما".