ثورة 19 تموز المزعومة.. بداية الثورة المضادّة

2021.07.19 | 06:08 دمشق

image-20150128-22325-1buyfn9.jpg
+A
حجم الخط
-A

في 19 من تموز الجاري تكون قد مضت تسع سنوات على بدء عملية الاستلام والتسليم التي قام خلالها النظام بتسليم الشريط الحدودي في الجزيرة السورية وعين العرب وعفرين لوحدات الحماية الشعبية YPG الجناح السوري لحزب العمال الكردستانيPKK، في مسرحية مفضوحة أطلق عليها الحزب اسم ثورة "روجافا"، والتي شكلت نقطة البداية لانطلاق الثورة المضادة في سوريا وجاءت ردّاً على تحرير اعزاز والباب وجرابلس، ودخول طلائع الجيش الحرّ إلى حيّ صلاح الدين في الجزء الغربي من مدينة حلب، وهروب قوات النظام دون قتال من منبج وعفرين وعين العرب ودير حافر، وحدوث عمليات انشقاق كبيرة شملت العشرات من الضباط والمئات من الأفراد، في مشهد بدت فيه العاصمة الاقتصادية للبلاد آيلةً للسقوط، وسط مخاوف من خروج مناطق أخرى عن السيطرة أو وقوعها تحت سيطرة الجيش الحرّ وخاصة تلك الغنية بالنفط كالجزيرة السورية.

تحرك كوادر وحدات حماية الشعب بالتنسيق مع النظام فسيطروا على حيي الأشرفية والشيخ مقصود في المدينة دون قتال بعد انسحاب قوات النظام منهما، كما سيطروا على عفرين وعين العرب بالطريقة نفسها مدّعين وقوفهم على الحياد بين النظام والمعارضة.

لايمكن لأي مسؤول مهما علا شأنه أن يقرر ذلك من تلقاء نفسه دون موافقة دمشق، ولذلك برر النظام عملية التسليم التي جرت بعجزه عن التمسك بكل الأراضي السورية

وبعد انتهاء مظاهرات يوم الجمعة 20 تموز 2012 وعودة المتظاهرين إلى منازلهم حاصر العشرات من مسلحي وحدات حماية الشعب مقرّي أمن الدولة في عامودا والمالكية، وطالبوا بتسلمهما بحجة حمايتهما من متظاهري التنسيقيات "المرتبطين بالإخوان المسلمين حسب زعمهم" الذين ينوون الهجوم عليهما، وبعد أخذ وردّ وحوارات استمرت عدة ساعات اتخذت اللجنة الأمنية لمحافظة الحسكة التي كان يرأسها القاضي ناصر عبد العزيز أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي هناك قراراً بإخلاء المقرّين المذكورين وتسليمهما لكوادر YPG، وفي اليوم التالي جاءت أوامر قائد شرطة الحسكة اللواء حسيب طحان بإخلاء المخافر الحدودية وتسليمها للحزب أيضاً.

من المؤكد أنه لايمكن لأي مسؤول مهما علا شأنه أن يقرر ذلك من تلقاء نفسه دون موافقة دمشق، ولذلك برر النظام عملية التسليم التي جرت بعجزه عن التمسك بكل الأراضي السورية وسط احتدام الصراع، وأنه من الطبيعي جداً تسليم أجزاء منها على سبيل الأمانة للأصدقاء والحلفاء على أن يتم استردادها حين تنتهي الأحداث.

أما العمال الكردستاني فقد روج لحرب عالمية ثالثة تدور رحاها على الأرض السورية، سوف تعيد ترسيم المنطقة وإنصاف الأكراد الذين ظلمهم الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وهكذا انطلت الخديعة على كثيرين، فصدقها بعضهم ورفضها بعضهم الآخر، بينما اتخذ آخرون موقفاً محايداً حيالها مع تمنيات بتحولها إلى حقيقة، وكان الرابط بين أغلب هؤلاء يتمحور حول بدهية الاستلام حتى ولو كان مسرحية، مترافقاً مع انعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، إذ لا خسارة حتى ولو كان الأمر كذبة، ولكن بعد تسع سنوات ماذا جنى الكرد السوريون من ثورة روجافا المزعومة؟

سيطر قسم من الأكراد بقيادة العمال الكردستاني على سوريا المفيدة، والتي تبلغ ربع مساحة سوريا وتحتضن ثلاثة أرباع ثرواتها، ولأول مرة يحكم الأكراد منفردين جزءاً من هذه البلاد دون منازع.

كما أن استمرار الوضع على ماهو عليه في ظلّ الحماية الأميركية يعني تقسيم سوريا وتحول شرق الفرات تحت حكم "حزب الاتحاد الديمقراطي" وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب إلى دولة شبه مستقلة لايجمعها مع دمشق سوى مربعين أمنيين مخصصيّين في القامشلي والحسكة، في سيناريو مشابه تماما لما حصل شمال العراق في تسعينيات القرن الماضي.

وباتت القضية الكردية حاضرةً بقوة على الطاولة الدولية، وبات لها رجالها ومسؤولوها المعروفون عسكرياً وسياسياً، وفي سوريا من المؤكد أنهم سوف يكونون حاضرين عند أي حلّ سياسي نهائي حتى وإن غابوا عنه حالياً.

ولكن بالمقابل؛ فإن "ثورة 19 تموز" افتقدت أحد أبرز أركانها المتمثل في الجهة المنتفض ضدها فهي اتخذت موقفاً محايداً مما يجري، ولكنها في الحقيقة صبّت جام غضبها على الناشطين الثوريين.

ولم يسيطر الكرد السوريون على شرقي الفرات، بل سيطر عليه تنظيم أجنبي له أجندته التي قد لا تتوافق تماماً مع أجنداتهم، وهما وإن تشابهتا في المحاور والأهداف القومية المعلنة والمتعلقة بحلم تحرير وتوحيد كردستان، غير أنهما تختلفان في كثير من التفاصيل المرحلية المتعلقة بآليات ومفاصل الحكم وطبيعته والشركاء والفواعل البشرية المتحكمة فيه، فضلا عن أن عملية الاستلام والتسليم بحد ذاتها تلوث التجربة وتعزز الشكوك الموجودة أصلاً.

كما أن تدخل العمال الكردستاني في مناطق لا أكراد فيها ليس له ما يبرره، وقد حُمل الأكراد بجريرته كلّ الأخطاء والمثالب ونتائج الانتهاكات التي لم يكونوا شركاء فيها حتى بات معظم الوسط المحيط معادٍ لهم، وهو ما اعترف به قائد قوات سوريا الديمقراطية في لقائه مع المونيتور في 23 من كانون الثاني 2020 .

ربما باتت القضية الكردية حاضرة على الطاولة الدولية إلا أنه ليس من المؤكد نجاح أي قضية بمجرد تدويلها، بل ربما يحولها ذلك إلى محل مقايضات تودي بها والشواهد على ذلك كثيرة، فضلاً عن أن القضية الكردية في سوريا لم تكن بحاجة إلى التدويل، إذ الاهتمام الشعبي بها كان واضحاً منذ انطلاق الثورة فضلاً عن أن ثلاثة أرباع حلها يكمن في ترسيخ الديمقراطية التي انطلقت لأجلها الثورة.

وكردياً بات الانقسام السياسي بعد تسع سنوات أكثر وضوحاً من أي يوم مضى، فالعمال الكردستاني صار أكثر انغماساً في محور المقاومة الذي تقوده إيران، بينما بات الآخرون أكثر ميلاً للمحور التركي العربي وهو ما سوف يلقي بظلاله على الحالة السياسية الكردية السورية المتشظية أصلاً، والتي تأخذ الكرد يوماً بعد يوم بعيداً عن حلمهم.

بعد تسع سنوات يرى الكرد السوريون أنه ليس "للأبوجية" قضية في سوريا، وقد فشلوا لأنهم عملوا لمصلحتهم الحزبية لا لمصلحة الكرد

وفي ظل حكم  حزب الاتحاد الديمقراطي هاجر أكثر من ثلث الأكراد نحو أوروبا ليس هروباً من الحرب بل هروباً من PKK وملاحقته وقانون تجنيده الإجباري، وهؤلاء لن يعودوا أبداً ما يعني تغييراً ديمغرافياً بأيدٍ كردية.

ختاما بعد تسع سنوات يرى الكرد السوريون أنه ليس "للأبوجية" قضية في سوريا، وقد فشلوا لأنهم عملوا لمصلحتهم الحزبية لا لمصلحة الكرد، وتحولوا إلى عصابة لنهب الخيرات، وازدادت انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وتفرقت القلة القليلة من الشرفاء التي عملت معهم، كما تتم المغامرة بمستقبل أبناء الفقراء وتجهيلهم تحت يافطة التعلم باللغة الأم بينما يرسل المسؤولون أبناءهم إلى مدارس النظام للحصول على شهادات معترف بها، ما يطعن في مصداقيتهم العقائدية أيضاً، كما بات توحيد الصف الكردي السوري في ظل حكمهم حلماً بعيد المنال.

غير أنه لا خيارات كثيرة أمام السوريين شرقي الفرات، ففي ظل التشتت والتسلط والفلتان الأمني والانهيار الاقتصادي الذي عمّ البلاد، المترافق مع انتهاك كرامة الإنسان السوري حتى من قبل أقرانه المنتهكة حقوقهم أصلاً، تبقى الحيرة قائمة بين الواقع المرّ والبديل الذي قد يكون أكثر مرارةً.