تونس على حافة انقلاب عسكري

2020.07.26 | 00:00 دمشق

532c5bf6-46d8-41d7-8146-33c8f035f0ec.jpeg
+A
حجم الخط
-A

عندما يكون بلد ما في طور من أطوار الانتقال الديمقراطي، فإنَّ إمكانية حصول انقلاب عسكري تكون عاليةً، بل ربما كان حصول الانقلاب من الجيش أو من بعض قطعاته هو الأصل، وخلافه هو الاستثناء.

ومن هنا نتساءل: هل تونس الخضراء مقبلة على انقلاب؟ بين أيدينا عدة ملاحظات أولية:

أولاً: ترجح اليوم كفة قوة الجيش التونسي على حساب المؤسسة الأمنية -المهيمنة سابقاً- فإنفاق الجيش أصبح ضخماً بشكل فائض عن حاجة جيش صغير ففي عام 2010 أي قبل الثورة وصل الإنفاق العسكري في تونس إلى 450 مليون دولار بينما وصل عام 2019 إلى مليار و39 مليون دولار بحسب مركز سيبري، وفي العامين الأخيرين طور الجيش التونسي سلاحه وأعاد ترميم كلياته وثكناته العسكرية (خصوصاً القوات البحرية) بمساعدة كبيرة من فرنسا والولايات المتحدة.

ثانياً: دخل الجيش التونسي في معارك حماية الحدود الوطنية، التي تشكل مصدراً مهماً جداً لإغراء الضباط الصغار ومتوسطي الرتب بالموارد المادية (الرشوة) حسب عدة تقارير منها مركز كارنيغي، هذا من زاوية الضابط الفاسد، أمّا الضابط "الاحترافي" والمدافع عن الحدود، الذي يسلم ما تمت مصادرته من مواد مهربة أو أسلحة، فيحصل على مصدر مهم لإحياء روح الفخر العسكرية بداخله والتي طمست لعقود طويلة عبر سياسات محاكمة الضباط وتسريحهم من قبل بن علي.

هذا يعنى أن الجيش التونسي -بشكل أو بآخر- دخل حيز المغريات الاقتصادية بعدما كان بعيداً عنها، وهي مغريات ما إن يدخلها جيش فلن يسمح لأحد بإخراجه منها، وقد يسعى لحماية موقعه الجديد عبر الوصول إلى القصر الرئاسي.

ثالثاً: السيرة الخاصة بقائد القوات البرية "محمد الغول" مريبة جداً ولا تشي بحالة مطمئنة، فهو صاحب خبرة طويلة في أفرع حساسة ومهمة في الجيش سابقاً، ويتمتع بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية عبر عمله كملحق عسكري في واشنطن بين عامي 2016-2018.

رابعاً: شعور الجيش التونسي بالتفوق والوطنية منذ 2011 وقطاع كبير من المجتمع يراه الضامن والحامي للثورة، وهذا ما يمنح الجيش شرعية التدخل في السياسة.

خامساً: الزيارات المتكررة خلال الأيام الماضية من الرئيس قيس السعيد للجيش التونسي مؤشرٌ خطير، لأسباب تعود للغة الخطاب المشحون بحاجة البلاد للجيش في ظل الاستقطاب السياسي، ويمكن هذا أن يشجع عدة أطراف سياسية أخرى داخل البلاد إلى استدعاء الجيش بالفعل، وهنا تتشكل شرعية إضافية، لأنه كما يقول الدكتور عزمي بشارة في كتابه "الجيش والسياسة" لا يمكن للجيش القيام بانقلاب دون دعم واتفاق مسبق مع تيار سياسي مدني.

سادساً: تونس في مأزق اقتصادي منذ سنوات، وفشلت القوى السياسية الديمقراطية في طرح حلول حقيقية، وهذا يعنى أن الجيش ما زال الطرف الذي لم يطرح خياراته لحد اللحظة، وإذا جاء بانقلاب سيكون بغطاء تحسين الظروف الاقتصادية بالدرجة الأولى، كأي انقلاب يستغل مثل هذه اللحظات.

سابعاً: وجود الاستقطاب الحاد داخل القوى السياسية بمستوىً لا يمكن احتماله من الشباب العازف عن المشاركة السياسية، وحتى من قطاعات أخرى من المجتمع التي تعاني من الأزمات الاقتصادية، وطرح الجيش التونسي نفسه لوقف هذا الاستقطاب متوقع جداً استفادة من موقعه "المحايد".

ثامناً: تتعرض تونس لضغط كبير جداً من محور الثورة المضادة، فإذا كان هذا المحور لم يتمكن من إحراز التقدم المرجو من خلال القوى السياسية، فإن ظروف الجيش الجديدة ربما تدفعهم لإغرائه بالتدخل.

تاسعاً: لا يشكل ارتفاع مستوى الحريات أو انتخابات نزيهة في بلد انتقال ديمقراطي له إرث طويل من الاستبداد أهمية كبرى، فهذا يمكن أن ينتهي في لحظة كما حصل في مصر خلال الفترة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي، وإنما الأهم هو تطوير مؤسسات الدولة السلطوية وتحويلها إلى مؤسسات ديمقراطية، فإلى أي مستوى قد وصل الجيش التونسي من "احترام الديمقراطية"؟ سؤال مركزي لا نملك عليه إجابة محددة بسبب الغموض الذي يلف منهج التثقيف في الكليات العسكرية التونسية، وعدم توفر معلومات حول ما تتلقاه البعثات العسكرية التونسية في فرنسا والولايات المتحدة، أو عن مدى قناعة الضباط بما يتلقونه من تثقيف هنا وهناك.

إذا افترضنا أنَّ حالة الانقلاب أمرٌ طبيعيٌ في مرحلة الانتقال الديمقراطي لأسباب تتعلق بوجود أبناء النظام القديم في الجيش والأمن والساحة السياسية المدنية، فهذا يعنى أن الظروف المذكورة أعلاه تزيد من احتمالية نزول الجيش إلى الشارع، عدا عن أن الظروف المحيطة مناسبة جداً.

الجيش التونسي كان بعيداً عن السياسة قبل الثورة، لكن لحظة الثورة سمحت له بالتدخل سياسياً، واستطاع التدخل لصالح القوى المدنية، وتغيير هذا "الخيار" أقل صعوبة من تغيير موقعه من السياسة الذي تجاوزه إبّان الثورة!

تبقى الملاحظات أعلاه رهن تطور الحالة السياسية في البلاد، فعلى القوة السياسية تنحية الاستقطاب السياسي والجلوس على طاولة الحوار، والعمل على وضع خطة إنقاذ اقتصادي سريع، للحفاظ على الديمقراطية التونسية الوحيدة في العالم العربي، إذ إن اقتناع المواطن التونسي بفشل العملية السياسية في تقديم برامج لا تعود بالنفع المباشر على حياته هو مقتل للديمقراطية، تماماً كالانقلاب العسكري.

كلمات مفتاحية