تهديد لافت من الرئيس أردوغان لبشار الأسد وداعميه

2020.05.09 | 00:12 دمشق

20200504_2_42247571_54538568.jpg
+A
حجم الخط
-A

وجه الرئيس رجب طيب أردوغان الإثنين الماضي تهديداً لرأس النظام بشار الأسد، بتلقينه درساً لن ينساه إذا ما استمر في محاولته تجاوز اتفاق وقف إطلاق النار السائد في محافظة إدلب منذ آذار الماضي.

وسائل الإعلام اهتمت محقة بتهديد الرئيس أردوغان لبشار الأسد لكنها لم تعطِ الاهتمام المستحق لتحذيره لداعمي النظام، كما وضع هذا الأخير في سلة واحدة مع التنظيمات الإرهابية.

أردوغان تحدث بلهجة واثقة وحازمة موجهاً تحذيراً صريحاً لداعمي النظام بضرورة كبح جماحه ومنعه من انتهاك وقف إطلاق النار أو السعي لتغيير الواقع الحالي في إدلب، كما منع التنظيمات الإرهابية والخطاب موجه للداعمين أيضاً من التسلل إلى المناطق الآمنة أو استغلال انشغال تركيا في مواجهة جائحة كورونا لتحقق تلك التنظيمات مكاسب ميدانية في العراق وسوريا.

للتذكير كانت تركيا قد أبرمت تفاهما مع أمريكا خاص بمنطقة شرق الفرات – تشرين أول 2019 – يقضي بإبعاد التنظيمات الإرهابية إلى خارج منطقة "نبع السلام" في إشارة صريحة طبعاً للجناح السوري لتنظيم بي كا كا الذي تعتبره أنقرة وحتى واشنطن نفسها إرهابياً.

تركيا أبرمت كذلك تفاهمات مزدوجة مع روسيا تم التوصل إليها في أعقاب عملية "نبع السلام" تتعلق بإبعاد التنظيم الإرهابي نفسه عن الحدود التركية السورية والمناطق الآمنة شرق وغرب الفرات، إضافة إلى كبح جماح النظام ومنعه من تجاوز وقف إطلاق النار في محافظة إدلب عبر الاتفاق الذي تم التوصل إليه في موسكو آذار الماضي، كما اتفاق خفض التصعيد في المحافظة الذي تم التوصل إليه بسوتشي في أيلول من العام 2018.

مبدئياً؛ عادة ما تحضر الثقة في خطابات الرئيس أردوغان والسياسة التركية بشكل عام، انطلاقاً من حقيقة التوصل إلى تفاهمات إقليمية ندية مع القوتين العظميين أمريكا وروسيا – هذه قوة عظمى من الدرجة الثانية - علماً أنها أي التفاهمات كانت أصلاً تعبيراً عن قوة ومكانة تركيا الإقليمية المتصاعدة، وإصرارها على الدفاع عن مصالحها في سوريا والعراق والمنطقة بشكل عام.

فيما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية فقد حضرت لهجة الثقة والحزم في خطاب الرئيس أردوغان انطلاقاً من المعطيات السابقة، إضافة إلى حقيقة توجيه تركيا ضربة، بل ثلاث ضربات قاصمة لتلك التنظيمات الإرهابية ومشاريعها الانفصالية رغم علاقتها الحميمة مع أمريكا وروسيا اللتين عجزتا عن حمايتها من الضربات التركية، كما أن هذه العلاقة لن تمنع توجيه ضربات مماثلة لها في المستقبل إذا ما استمرت في محاولات التذاكي والسعي لتحقيق مكاسب ميدانية صغيرة في العراق وسوريا. وهنا كان لافتاً تحذير الرئيس أردوغان من مغبة إعطاء حرية الحركة للتنظيمات الإرهابية بالبلدين، في إشارة مباشرة إلى بي كا كا وراعيته الرئيسية الولايات المتحدة بينما روسيا راعية له أيضاً ولكن من الدرجة الثانية.

أما فيما يخص النظام فالثقة التركية حاضرة انطلاقا من المعطيات السابقة، إضافة إلى توجيه ضربات ساحقة له في تصعيد آذار الماضي، حيث فقد النظام ثلث قواته بالمنطقة، كذلك من القدرة على ضربه حتى بوجود القوات الروسية. ومن هنا تتضح أكثر معاني رسالة التهديد، فإذا لم تقم هذه الأخيرة بكبح النظام فإن القوات التركية ستلقنّه درساً لن ينساه.

في هذا السياق كان لافتاً أيضاً طرح المبعوث الأمريكي لسوريا السفير جيمس جيفري الأسبوع الماضي تقييمه الخاص بسريان وقف النار بإدلب، حيث قال أن روسيا ستمنع التصعيد لكونها لا تريد الاشتباك أو الصدام مع تركيا، بعدما أثبتت هذه الأخيرة خلال التصعيد الأخير حضورها العسكري وتفوق معداتها وتجهيزاتها على المعدات الروسية.

في سياق سياسي إقليمي أوسع يمكن القول إن تهديد الرئيس أردوغان لداعمي النظام يشمل إيران أيضاً التي تحرض بشار الأسد على استئناف العمليات العسكرية في إدلب لتكريس حضورها والرد على تهميشها، وتراجع هيبتها ونفوذها في سوريا "والمنطقة". التهديد الحازم واضح هنا، حيث إن تركيا لن تتورع عن ضرب الميليشيات والأذرع الإيرانية إذا ما انخرطت جدياً مع النظام في مغامراته الصبيانية البائسة.

في السياق الإقليمي أيضاً يمكن القول إن تهديد الرئيس أردوغان يشمل الإمارات التي باتت من داعمي النظام - كما كل الفلول والثورات المضادة عربياً - وتعمل جاهدة على تحريضه، بل رشوته لكسر اتفاق وقف إطلاق النار بإدلب وفتح جبهة أو معركة استنزاف مستمرة ضد تركيا. تهديد الرئيس أردوغان رغم أنه لم يذكر الإمارات بالاسم  فإنه يكتسب أهمية في ظل التوتر بين البلدين، وتحذير أنقرة لأبو ظبي من تجاوز حدودها في معركتها السياسية والإعلامية المفتوحة والموتورة مع تركيا.

ثمة أمر مهم جداً يجب التنبه له ولم ينل ما يستحق من أهمية واهتمام يتمثل بكون تهديد الرئيس التركي الواثق والحازم للنظام والتنظيمات الإرهابية وداعميهم جاء في سياق مؤتمر تحدث فيه أردوغان أساساً عن معركة جائحة كورونا التي تحقق فيها حكومته الانتصار، وأعلن من خلاله بثقة وحزم أيضاً تخفيف الإجراءات والقيود التي تم فرضها، مبشراً بقرب العودة الحذرة ولكن الواثقة إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى.

في المؤتمر نفسه تحدث الرئيس التركي أيضاً بنفس اللهجة عن أنباء سارة منتظرة من ليبيا في إشارة إلى الانتصارات التي تحققها حكومة الوفاق الشرعية المدعومة من تركيا ضد الانقلابي خليفة حفتر - كان أردوغان قد قال سابقاً إنه سيلقنه درساً - بصفته النسخة المحلية من بشار الأسد وداعميه الذين هم أنفسهم "تقريباً" داعمي نظام الأسد والتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق.

في الأخير وباختصار، كان تحذير بل تهديد الرئيس أردوغان لبشار الأسد وداعميه مفعماً بالثقة والحزم، وبدا لافتاً أنه وضع التنظيمات الإرهابية مع بشار الأسد في سلة واحدة، حيث يجب أن يكونا معاً، بينما المشهد كله "بتفاصيله وملفاته التي تحدث عنها الرئيس" يعبر عن قوة وقدرة ومكانة تركيا الإقليمية والدولية.